مصر يديرها اليوم عدة أشخاص، عددهم أقل من أصابع اليد الواحدة، يجمع بينهم عدة صفات من أهمها أنهم لم يختلطوا بالناس، فلو قرأت تاريخهم لن تجد أحدهم قد ترشح فى أى موقع من المواقع على مدار تاريخه كله من أوله لآخره فى برلمان أو نقابة، أو فى أى مكان رسمى تحت الضوء.
إنهم أناس لا يعرفون الترشح سوى للمناصب السرية التى يتم الاقتراع عليها بالورقة الدَّوَّارة، وينتخب فيها المرء من عدد محدود من الناس، جميعهم يعيشون فى ظروف أمنية تؤثر على اختياراتهم، وتجعل الثقة فى ولاء المرشح أهم من الكفاءة ألف مرة، وتجعلهم قابلين للتوجيه تحت شعارات المصلحة العليا لشىء ما يؤمنون به.
هؤلاء الذين يحكمون مصر اليوم لم يحتكوا فكريا بأفكار الآخرين، فلن تجد لأحدهم كتابا يضم أفكاره، ولن تجد له مؤتمرات جماهيرية يتحدث فيها بشكل صريح، بل لا أبالغ حين أقول إن بعضهم لم يكن له صورة فوتوغرافية واضحة حتى وقت قريب!
من أهم صفات من يديرون مصر الآن أنهم لا يعرفون فضيلة التواضع، ويظنون أنهم يلمون بالصورة كاملة، وأن من يختلف معهم موتور أو مأجور، برغم أن مداركهم الدينية والدنيوية محدودة جدا.
من أهم أسباب ذلك الغرور أنهم لا يُقَرِّبونَ من المستشارين إلا من يوافقهم، أما المخالف فمصيره الإقصاء، ولك أن تتخيل مصير المعارض.
لهذا تم ترشيح د.مرسى للرئاسة فهو من أهل الثقة عند هؤلاء، ولهذا صدر الإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012، ولهذا تجد القرارات المندفعة، وردود الأفعال غير المنطقية، ولهذا وصلنا إلى هذا المنعطف الخطير الذى تمر به مصر.
إنهم نوع من البشر تربى على مفاهيم معينة لا يمكن أن يراجعها، ويبرر لها بالدين زورا، فتراه سنيا يؤمن بتقية الشيعة، ولا يتورع عن الكذب وإخلاف العهد دون أن يهتز له جفن، إنهم حفظة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنها نصوص لا تجاوز حناجرهم.
لو كان لى من كلمة أقولها لكل من ينتمى للإخوان المسلمين فإنى أقول لهم جميعا أمامكم خيار من اثنين، إما أن تتركوا الجماعة، وإما أن تعيدوها إلى منهج الإسلام القويم، لأنه لا علاقة لهذا التنظيم الذى يحمل اسم (الإخوان المسلمون)، بالجماعة التى أسسها رجل اسمه حسن البنا.
ولو كان لى من كلمة لشباب التيارات الأخرى، فإنى أقول لهم جميعا إياكم أن تتركوا مناصب الدولة على طبق من الفضة لهؤلاء، لن يسامحكم التاريخ، ولن تسامحوا أنفسكم بعد أن تدركوا ما فعلتموه بتراجعكم.
أخشى ما أخشاه، أن ينسحب اليوم من هو مؤهل للحكم غدا، وبالتالى تبقى المنافسة بين الإسلاميين والإسلاميين، وتحرم مصر من تنوعها وتعدديتها التى ميزتها على مر العصور.
ليس ذلك انتقاصا من الإسلاميين، ولكن مصر أكبر من أن يحتكرها أو يُسَيِّرَهَا تيار واحد.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين...