لم أصدق نفسى وأنا أستمع إليها.. كانت تتحدث ببساطة وهى تتناول موضوعات شديدة التعقيد لم تكن قبل الثورة لتشد انتباهها أو انتباه ملايين المصريين المطحونين فى الجرى وراء لقمة العيش.
حدثتنى «منى» الإخصائية الاجتماعية الشابة باحدى المدارس الحكومية ــ عن أزمة مياه النيل وعلاقتنا التى ساءت فى السنوات الأخيرة مع شركائنا الأفارقة فى نهر النيل وحكت لى عن زيارة الوفد الشعبى، الذى ضم قوى سياسية وبعض شباب الثورة إلى إوغندا والاحتفاء الخاص للرئيس الأوغندى بعبد الحكيم عبدالناصر، الذى كان ضمن الوفد ــ على خلفية تاريخ عبدالناصر المشرف مع الأفارقة.
دون أن تترك لى فرصة للتعقيب انتقلت «منى» إلى الأوضاع الاقتصادية لتبدى قلقا شديدا مما تسمعه عن وضع الاقتصاد وتراجع موارد الدولة وفجأة سألتنى: «صحيح إحنا بناكل من فلوس الاحتياطى الأجنبى؟ وهنعمل إيه بعد ما يخلص؟ حاولت أن أطمئنها بأن الأوضاع الاقتصادية تاثرت كثيرا لكنها ليست بهذا السوء، وسوف تتحسن الأمور مع استقرار الأمور فى المصانع والمؤسسات الاقتصادية إلى جانب استقرار الأمن والقضاء على الفوضى.. ولكن يبدو أنها لم تستمع إلى خطبتى العصماء لأنها عرجت على موضوع الأجور.. قالت باستغراب شديد «تخيلى مستشارو وزير المالية يحصلون على أجور وحوافز ونصيب فى حصيلة مزادات حكومية تتجاوز الـ 100 ألف جنيه شهريا لكل منهم وربما أكثر، وكم كانت دهشتى عندما وجدتها تحفظ أسماء بعض هؤلاء المستشارين الذين غادر بعضهم منصبه بقرار من وزير المالية.. قارنت «منى» بين أجرها الذى لم يتجاوز الـ500 جنيه بعد أكثر من 10 سنوات من العمل وبين أجر هؤلاء المستشارين، وقالت بأسى: كنت أظن أن الثورة سوف تصلح من أحوالى وأحوال أمثالى لأحصل على أجر مناسب، وأجد مسكنا مستقرا يضمنى وأسرتى بدلا من التنقل كل بضعة اعوام بين مساكن الإيجار الجديد، الذى أصبح دخلنا عاجزا عن ملاحقة زيادته السنوية، فضلا عن أعباء المعيشة ودراسة الأولاد.. لكن يبدو أن اقتصاد البلد تم تجريفه وأن عشرات المليارات من الجنيهات، التى نهبها الفاسدون سوف تؤخر تحقيق احلامنا لسنوات أخرى.
الغريبة أن النتيجة الكئيبة التى توصلت اليها «منى» لم تمنعها من الخوض فى انتخابات الرئاسة المقبلة.. قالت بجدية شديدة لا اجد بين المرشحين من يقنعنى بإعطائه صوتى، وأردفت كم تمنيت أن أجد مرشحا به شيئا من «كاريزما» عبدالناصر ومبادئه. سكتت «منى» لأقول فى نفسى أخيرا خرج المصريون من دوامة البحث عن لقمة العيش ليهتموا «بالشأن العام» رغم أحلامهم مؤجلة والفضل لثورة 25 يناير.