حلب لا تحترق وحدها - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلب لا تحترق وحدها

نشر فى : السبت 30 أبريل 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 30 أبريل 2016 - 9:40 م
«نحن لسنا فى ظروف تقليدية، نحن الآن فى حرب وهناك مؤامرة كبرى يقودها العالم للهجوم على النظام وتقويضه».

«حرية الرأى وفكرة الصحافة المستقلة قد تكونان ترفا عندما يكون الوطن فى مواجهة حرب تهدد وجوده».

قد تكون هذه العبارات مألوفة للسمع فى مصر ولكننى سمعتها ودونتها من واقع زيارة قمت بها لسوريا منذ نحو عشرة أعوام. شاركت وقتها فى ندوة كانت فى ختام دورة تدريبية نظمتها بى. بى. سى فى العاصمة دمشق. لا أكاد أذكر من هذه الزيارة شيئا على الإطلاق باستثناء هذه الخلاصة من الحوارات التى صكت سمعى واستغربت صدورها فى ذلك الحين من صحفيين ومسئولين.

لم يكن يدور بخلد من رددوا هذه العبارات أن القمع والديكتاتورية والتعذيب والانفراد بالرأى لا يمكن أن تكون وصفة سحرية للحفاظ على الوطن، وأن الوصفة المعروفة والمجربة هى التنوع، والتعددية، والشفافية، والمحاسبة، والتخطيط، وإرساء دعائم مجتمع العدل والقانون.

ومن المثير للدهشة أن يستخدم مؤيدو الفاشية والديكتاتورية فى مصر النموذج السورى بالتحديد ليدعم رؤيتهم «الوطنية» الحقة، ويتعامون لسبب ما، عن حقيقة أن سوريا آلت لما آلت إليه، لأن قيادتها انتهجت المنهج ذاته الذى يدعون إليه ويروجون له.

لا تكف آلة التوجيه المعنوى المصرية عن استخدام سوريا والعراق وقودا ليدفع الناس فى مسار مطابق، لا يمكن له أن ينتهى إلا بحالة مشابهة، بعد المحاولات الدئوبة لاغتيال منظمات المجتمع المدنى، وحالة التصحير الكامل لمسارات التنوع السياسى والإعلامى.

لهذا السبب لا يبدو غريبا أن تتماهى أبواق الفاشية والديكتاتورية فى مصر مع حالة الديكتاتور السورى، إلى الحد الذى جعلهم يؤيدون نظام بشار بنفس الهمجية التى طبعت مؤيدى نظامه، فى كل مرة يتم فيها قصف المدنيين والأطفال، وارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية.

ما يجرى فى حلب بالنسبة لهم مبالغة لا معنى لها، وصور القتلى تحت أنقاض المستشفى الذى قصفته قوات النظام «مضروية»، و«الولولة» على المدنية التى «تزعمون أنها تحترق» لا تعدو أن تكون جزءا من «تعليمات من قطر وتركيا».

يدفعون مصر فى نفس مسار سوريا الذى نعرف اليوم إلى أين ينتهى، أكثر مما كان المسئولون السوريون يعرفون، عندما لاكوا نظريات المؤامرة وتنظيرات حماية الوطن بالقمع.

فى هذا العهد المبارك تحتل مصر المرتبة 159 على مستوى العالم ضمن المؤشر العالمى لحرية الصحافة. وبين نحو عشرين دولة فى العالم العربى نتربع فى المرتبة السادسة عشرة. وطبقا للجنة حريات نقابة الصحفيين فهناك أكثر من 42 صحفيا بين محبوس ومهدد بالحبس، بخلاف صدور أحكام غيابية بالحبس فى قضايا نشر. فى أسبوع الغضب، تم توقيف واحتجاز أكثر من 46 صحفيا أثناء تأدية عملهم، فيما تم اقتحام منازل آخرين أكثر من مرة ومنهم عمرو بدر ومحمود السقا من بوابة يناير المعروفة بخطها المستقل.

يحدث هذا وسط صمت وأحيانا مباركة من قطاعات واسعة تم اختزال مفهوم الوطن لديها فى تصور هلامى، جرى تسويقه شعبيا ليصبح مفهوما فضفاضا يستثير المشاعر وتفيض الأحاسيس عند ذكره دون أى معنى.

وطن لا علاقة له بالبشر الذين يعيشون فيه، ولا بالأرض التى ترسمها حدوده، ولا بالقيم التى تحكم العلاقة بين أفراده والسلطة التى يختارونها. كلها يمكن انتهاكها أو التنازل عنها، ليظل هذا الوطن كما أرادوه منذ البداية.. وطن حضن.. لهم فقط.
التعليقات