على مدار السنة الماضية أجرى المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» استطلاعه الشهرى حول الموافقة على أداء الرئيس. وقد تمت هذه الاستطلاعات باستخدام نفس المنهجية سواء فيما يتعلق بتصميم العينة أو صياغة الأسئلة التى يتم توجيهها. وتطبيق نفس المنهجية فى الاستطلاعات المتتالية يُفسح المجال لإجراء مقارنات زمنية، كما يفيد فى التعرف على تأثير الأحداث التى تقع أو القرارات التى تتخذ على شعبية الرئيس، وهذه المقارنات تكون مفيدة لكل من الأغلبية والمعارضة على حد السواء.
●●●
ويتضمن استطلاع الرأى العام الشهرى سؤالا حول النية فى انتخاب الرئيس وتستخدم الصيغة التالية فى توجيه السؤال «لو كان فيه انتخابات بكره ومحمد مرسى مترشح فيها، هتنتخبه؟». وتجدر الإشارة إلى أن هذا السؤال هو سؤال افتراضى يعكس بشكل غير مباشر مدى المساندة للرئيس، وبالطبع لم يكن هدفنا من عدم تضمين السؤال لفظ «الرئيس» أو «الدكتور» التقليل من شأن صاحب المنصب الرفيع وإنما تجنب أى صياغة قد تكون إيحائية قد ينتج عنها قدر من التحيز فى النتائج التى نقدمها للمواطن المصرى.
وتحليل نتائج هذه الاستطلاعات على مدار السنة الماضية أوضح أن الرئيس تمتع فى بداية فترة رئاسته بمستوى شعبية لابأس به، وعلى الرغم من التوتر المبكر فى العلاقات بين الرئاسة والمعارضة إلا أن شهر العسل بين الرئيس والرأى العام المصرى امتد لمدة 100 يوم. وقد أظهر استطلاع الرأى العام الذى تم إجراؤه فى نهاية المائة يوم الأولى أن 58% ينوون إعادة انتخاب الرئيس إذا ما أجريت انتخابات رئاسية. وهى نسبة تفوق النسبة التى حصل عليها فى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بحوالى 6 نقاط.
وشهدت مصر نقطة تحول رئيسى بإصدار الإعلان الدستورى المكمل والذى انخفضت فى اعقابه نسبة من ينوون انتخاب الرئيس إلى 43%. ويبدو هذا الإعلان الدستورى المكمل وكأنه سهم تم إطلاقه على علاقة الرئيس بشعبه جعل هذه العلاقة تنزف دون أن تجد من يضمد جراحها. والنسب التى تم رصدها على مدار العام الماضى أوضحت انخفاضا تدريجيا كما هو واضح من الشكل البيانى لتصل إلى 25% فى نهاية العام الأول للرئاسة.
وعلى الرغم من أن التراجع فى هذه النسبة طال كل المناطق الجغرافية والشرائح الاجتماعية، إلا أن التراجع الأكبر خلال الثلث الثانى من العام كان فى الوجه بحرى وبين أصحاب التعليم المتوسط وبين فئة العمر المتوسطة (30 ــ 49 سنة)، وهو ما يعنى على الأرجح تحول من المساندة إلى المعارضة من قبل الشرائح «المحايدة» أو التى لم تكن فى البداية معارضة للرئيس، أى أن زيادة المعارضين لم تقتصر فقط على المحافظات الحضرية والجامعيين والشباب.
أما الثلث الأخير من العام فقد أوضح التحليل التفصيلى للنتائج أن التراجع بدأ يتسلل للكتلة التى كانت أعلى تأييدا للرئيس عند نهاية المائة يوم الأولى وهى سكان الوجه القبلى والأقل تعليما والأكبر سنا.
●●●
إحدى النتائج الأخرى المثيرة للانتباه والتى تتسق مع ما سبق هو تراجع نسبة الذين ينوون إعادة انتخاب الرئيس بين الذين قالوا أنهم انتخبوه فعلا فى انتخابات الرئاسة. فقد أظهر الاستطلاع الذى تم فى نهاية المائة يوم أنه ما بين الذين انتخبوه فعلا فإن نسبة من ذكروا أنهم ينوون إعادة انتخاب الرئيس وصلت إلى 73% (مقابل 6% قالوا أنهم لن ينتخبوه).
وتراجعت هذه النسبة إلى 55% فى نهاية الشهر التاسع من حكم الرئيس محمد مرسى (مقابل 25% قالوا أنهم لن ينتخبوه)، وهذا الاتجاه أنبأ باتجاه جزء من مؤيدى الرئيس إلى الانصراف عنه، وهو ما أكدته نتائج نهاية العام حيث تراجعت نسبة الذين يوافقون على إعادة انتخابه من بين الذين أعطوه صوتهم فى جولة الإعادة إلى 34% (مقابل 39% قالوا أنهم لن ينتخبوه).
أى أن محصلة العام الأول هى أنه ما بين الذين أعطوا صوتهم للرئيس مرسى فإن نسبة الذين سيعيدون انتخابه تقل عن نسبة الذين يرفضون إعادة انتخابه، وبمعنى آخر فقد خسر الرئيس أكثر من نصف مؤيديه.
●●●
نتائج هذه الاستطلاعات كما يوضحها الرسم البيانى هى نموذج لظاهرة المقص التى يتقاطع فيها المنحنيان: منحنى المؤيدين ومنحنى المعارضين فهل يستطيع الرئيس «المهندس» فك وإعادة تركيب المقص ليتجه بمنحنى المؤيدين إلى أعلى ومنحنى المعارضين إلى أسفل؟ أم أن الهوة بين طرفى المقص قد تجاوزت إمكانات الرئيس «السياسى».
مدير المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)