الصينيون يغزون العالم - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصينيون يغزون العالم

نشر فى : الخميس 30 أغسطس 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 30 أغسطس 2018 - 9:15 م

فى بعض المراكز التجارية الكبرى فى المدن الكندية المختلفة يتخيل لك فى بعض اللحظات أنك موجود فى الصين أو هونج كونج. السبب أن الصينيين صاروا يتزايدون بكثرة فى كندا، سواء للإقامة الدائمة أو المؤقتة أو للسياحة القصيرة.

فى أحد المولات فى تورينو كنت أنتظر أحد الاصدقاء، يوم الخميس قبل الماضى، لن أبالغ إذا قلت أن من بين حوالى مائة شخص دخلوا خلال ربع ساعة، كان بينهم على الأقل خمسون صينيا.

نقلت هذه الملحوظة للصديق، وهو خبير حقيقى بالمكان حيث عاش وعمل فيه لأكثر من ٢٥ عاما. هو قال إن الملاحظة دقيقة، وإن غزو «العنصر الأصفر» لكندا صار واقعا يلمسه الجميع.

فى المساء كنت أتناول العشاء مع أستاذ جامعى مرموق تبوأ أرفع المناصب الجامعية فى كندا، ويقيم فى تورنتو منذ عام ١٩٧٢. وسألته عن هذه الظاهرة، فقال إن الهجرة الصينية حاليا تشبه هجرة الإيطاليين واليهود إلى كندا، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

الأستاذ الجامعى يقول إن الصينيين لا يأتون فرادى، بل فى مجموعات. مثلا لو أن هناك عشرة أصدقاء يريدون شراء بيوت جديدة لهم، فإنهم يتفقون على الشراء المجمع فى مكان واحد، حتى يكونوا معا. وبالتالى يبدأون فى البحث عن مكان جديد، وأسعاره جيدة، رغم أنهم جميعا أثرياء إلى حد كبير. وبالنسبة لهم فإن كندا خيار جيد ومريح إلى حد كبير، وأسعار العقارات هناك ما تزال أرخص مقارنة بالولايات المتحدة وغالبية بلدان أوروبا.

هناك منطقة شمال تورنتو تدعى أوكفيل، كان يسكنها أساسا اليهود. ثم بدأت تشهد إقبالا عربيا، خصوصا من المصريين. اليهود بدأوا يغادرونها وعلى حد تعبير أحدهم، فقد قال مبررا ذلك لأحد المصريين: «لم أجد يهوديا واحدا معى فى المكان، فقررت المغادرة»!.

العرب موجودون بكثرة ومن كل البلدان تقريبا، وبطبيعة الحال فقد زاد عدد السوريين بسبب المأساة الجارية فى بلدهم، وما شجعهم أكثر هو الموقف الأخلاقى المرحب بهم من قبل حكومة جاستين ترودو، مقارنة بالمواقف العنصرية من بعض الحكومات الأوروبية.

وسبق ذلك، وجود هجرات صومالية كبيرة، ويمكن تلمس أثرها من وجود عدد كبير من العمالة الصومالية فى العديد من المؤسسات والأعمال، خصوصا المرتبطة بالبيع والشراء. وبدأت هذه الهجرة، مع تفكك الدولة الصومالية بعد سقوط نظام محمد سياد برى أوائل التسعينيات من القرن الماضى.

وهكذا فإن تاريخ وأسباب الهجرات العربية الواسعة، مرتبطة أساسا، بالمآسى والكوارث التى ترتكبها الأنظمة الاستبدادية فى المنطقة.

هذه المنطقة أيضا شمال تورنتو كانت معقلا لجالية إيرانية، من كبار مؤيدى شاه إيران السابق محمد رضا بهلوى، وهؤلاء خرجوا مع قيام الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩.

كندا بلد التنوع العرقى والثقافى والدينى بامتياز، فيها كل الجنسيات تقريبا، وهناك تقديرات بأن عدد المصريين يصل إلى نصف مليون نسمة.

أعود إلى الوجود الصينى المتزايد، الذى يؤشر إلى عصر قريب، لا يحتل فيه الصينيون صدارة الاقتصاد والتصدير فى العالم أجمع، ولكن التواجد فى مناطق كثيرة بالعالم. هم موجودون بالفعل فى كل مكان فى كندا وعلى حد تعبير الصديق محمود مسلم رئيس تحرير «الوطن» ــ الذى رافقنى فى الرحلة مع الصديق علاء ثابت رئيس تحرير الأهرام ــ فلو قرر ٥٪ فقط من الصينيين الاستيطان خارج بلدهم، فسوف يشكلون كتلا كبيرة.

الآن بدأت آثار الثروة الاقتصادية الصينية تظهر أكثر فأكثر على حياة المواطنين. والطريف أن بعض السلع التى يصدروها للبلدان المختلفة يعود بعضهم لشرائها من هذا الخارج مرة أخرى، خصوصا إذا كانت من الماركات أو «البرندات» العالمية المعروفة. لم يعد الصينيون يتحدثون اللغة الصينية فقط، كما كان شائعا فى الماضى. رأيتهم وسمعتهم فى كندا يتحدثون الإنجليزية والفرنسية بلكنة غربية واضحة. وحينما عدت من تورنتو إلى مطار القاهرة فجر السبت الماضى، كان الصينيون يمثلون الاغلبية فى طوابير الجوازات، نظرا لوصول طائرتين من بكين وجوانزو فى توقيت شبه متزامن!!.

الغزو الصينى للخارج يتنوع ويتوغل، وقد نرى أثارا له فى أكثر من مكان بالعالم فى المستقبل القريب جدا!.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي