هل يمنح مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحريات والضمانات للمتهمين؟ - رانية فهمى - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 8:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يمنح مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحريات والضمانات للمتهمين؟

نشر فى : الإثنين 30 سبتمبر 2024 - 6:20 م | آخر تحديث : الإثنين 30 سبتمبر 2024 - 6:20 م

تنويه: فى كتابة هذا المقال، استندت إلى مسودة مشروع القانون الأولى المنشورة والتعديلات التى طرأت عليها، بعد المناقشات خاصة مع نقابة المحامين وغيرها من الجهات، التى نشرت فى الصحف لأن التقرير النهائى للمشروع لم يُصدر بعد.

 لماذا الحاجة لقانون جديد؟

 بما أن من ضمن أسباب الحاجة لتشريع قانون جديد أو لتعديل قانون قائم تكون لتفادى عوار فى نصوص الأخير و/أو استجابة لمطالب المواطنين والمواطنات بضرورة إحداث تغييرات قانونية لعلاج مشكلات فى تطبيق النصوص القانونية التى تكرس ممارسات غير عادلة ومجافية لحقوقهم وحرياتهم، فالمفترض أن أى تشريع جديد يجب أن يعالج هذه المشكلات سواء فى نصوص القانون القائم أو فى تطبيقاته. فهل استطاعت أحكام الحبس الاحتياطى فى مشروع القانون القيام بهذه المهمة الصعبة المزدوجة؟

 ممارسات تجديد الحبس الاحتياطى

 يمكن أن يكون نظام الاتصال عبر الفيديو (الفيديو كونفرانس) له مزايا فى استخدامات معينة لتسهيل التواصل والحد من تكاليف المواصلات، لكنه يمكن أن يثبت عدم فعاليته أو حتى عيوبه فى استخدامات أخرى. فوفقا لـ«هيومن رايتس ووتش»: «السلطات المصرية باتت تستخدم نظام الاتصال عبر الفيديو (الفيديو كوانفرنس) على نطاق واسع منذ 2022 فى جلسات الاستماع الخاصة بتجديد الحبس الاحتياطى، وصارت تتجنّب إحضار المحتجزين شخصيّا إلى المحاكم. هذا النظام مسىء بطبعه لأنه يقوّض حق المحتجز فى المثول شخصيا أمام قاضٍ ليُقيّم قانونية وظروف الاحتجاز وسلامة المحتجز، وحتى يتمكّن المحتجز من التحدّث إلى القاضى بشكل مباشر وإلى محاميه على انفراد.

 نظام الاتصال عبر الفيديو (أيضا) يجعل المحتجزين معزولين ومحرومين بشكل تعسّفى من الزيارات أو المراسلات مع الأسرة والمحامين لفترات تصل إلى شهور أو سنوات..... وقال محامون عن المحبوسين احتياطيا أن حضور ضباط السجون مع المحتجزين فى جلسات الفيديو قد يجعلهم يشعرون أنّهم ليسوا بمأمن من الانتقام إذا رغبوا فى التحدّث عن انتهاكات الاحتجاز».

 فى تصورى، التوسع فى إصدار أوامر تجديد الحبس الاحتياطى عن بعد فى غيبة محامى المحبوس مناقض للمادة 119 من مشروع القانون المنقولة من المادة 141 من القانون الحالى والتى تعطى الحق للمتهم فى الاتصال دائما بمحاميه.

 وبما أنى وقفت عند هذه المادة، فأرى أن الفقرة الأولى: «يجوز لعضو النيابة العامة فى كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم المحبوس احتياطيا بغيره من المحبوسين ومنع الزيارة عنه»، تؤكد على تقنين سيئ فى القانون الحالى الذى يعطى الحق لسلطة التحقيق فى حبس المحبوس احتياطيا حبسا انفراديا، وتعزله عن أسرته، وبالتالى ترسخ مفهوم أن الحبس الاحتياطى ليس إجراء احترازيا أو احتياطيا لأغراض التحقيق لكن عقوبة على متهم لم يُحاكم بعد ولم تُثبت التهمة عليه.

 كما أن مشروع القانون لم يتصدَّ لممارسة شديدة السوء وغير قانونية وهى ما تعرف بإعادة تدوير القضايا المتهم فيها المعارضون السياسيون.

وأتساءل: كيف يتم توجيه نفس الاتهامات فى قضية/قضايا أخرى لمتهم محبوس بالفعل؟ لو صدر القانون خاليا من أى ضوابط تُنظم قرارات إخلاء السبيل فإن هذا سيُفرّغ أحكام تقليل مدد الحبس الاحتياطى فى مشروع القانون من مضمونها وفائدتها.

 بدائل الحبس الاحتياطى

 نقل مشروع القانون نص المادة 201 فى القانون الحالى التى تضع بدائل الحبس الاحتياطى، والتى بالمناسبة هى نفسها كانت فى القانون رقم 145 لسنة 2006 بتعديل قانون الاجراءات الحالى وأضيفت إليه: «ويجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطى أن تُصدر بدلا منه أمرا بأحد التدابير الآتية:

1. إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه.

 2. إلزام المتهم بأن يُقدم نفسه إلى مقر الشرطة فى أوقات محددة.

3.  حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.

فإذا خالف المتهم الالتزامات التى يفرضها التدبير، جاز حبسه احتياطيّا. ويسرى فى شأن مدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها نفس القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطى».

هنا أنا متفقة مع ما ورد فى البحث المهم لمؤسسة حرية الفكر والتعبير المنشور فى 30 ديسمبر 2021 بعنوان «الحبس الاحتياطى فى التشريع المصرى»: «والثابت من النص السابق أنه يحتاج إلى تغيير لا سيما فى ظل التقدم التكنولوجى وفى ظل جائحة كورونا، فأضحت هناك تدابير من غير الجائز استخدامها ولا بد من إعادة النظر فيها، مثل إلزام المتهم بأن يسلم نفسه لقسم الشرطة، حيث يمكن الاستعاضة عنه بعدم مبارحة المسكن مع وضع القيود الإلكترونية».

لكن لدى مشكلة أعمق مع نص هذه المادة لأنها تشى أن الحبس الاحتياطى هو الأصل والتدابير الاستثناء مثل ما هو واضح فى عبارة: «ويجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطى أن تُصدر بدلًا منه أمرًا بأحد التدابير الآتية»، فى حين أن لو فلسفة مشروع القانون الجديد هى توفير المزيد من الحريات والضمانات للمتهمين مثل ما يتشدق به مؤيدوه، كان المفترض أن العكس هو الحال؛ التدابير تصبح هى الأصل والحبس الاحتياطى الاستثناء، وتُستبدل عبارة: «ويجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطى»، بعبارة: «ويجوز للسلطة المختصة بالتحقيق الابتدائى أن تُصدر أمرا بأحد التدابير الآتية» وتوضع فقرة ثانية توضح أن الحبس الاحتياطى بديل أخير بعد فشل التدابير. وتأتى مادة التدابير فى صدر الفصل الخاص بأمر الحبس، قبل أى أحكام لـ«بديل» الحبس الاحتياطى.

وهنا أقتبس من جديد فقرة من بحث مؤسسة حرية الفكر والتعبير الذى استشهد بالمادة 144 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسى: «لا يُؤمر بالحبس الاحتياطى أو بإطالة مدته إلا إذا تبين من عناصر وظروف واضحة أنه يُعد الوسيلة الوحيدة لتحقيق هدف أو أكثر من أهداف الحبس الاحتياطى، وأن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها فى حالة الخضوع للرقابة القضائية والالتزام بالبقاء فى المسكن مع الخضوع للرقابة الإلكترونية».

 

التعليقات