أولاً، عِدّة المطلقة والأرملة
الِعدّة هى فترة زمنية يجب أن تقضيها المرأة بدون زواج بعد طلاقها أو بعد موت زوجها. فعِدّة المطلقة ثلاثة أشهر، أو ثلاث حيضات إذا كانت تحيض، أو ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض، أو صغيرةً لا تحيض، أو بوضع الحمل إن كانت حبلى. أما عِدّة الأرملة فهى أربعة أشهر وعشرة أيام.
وللعِدّة مبررات عديدة استوقفتنى وأنا أدرس مادة الشريعة فى كلية الحقوق جامعة القاهرة. فورد فى الكتاب المقرر «أحكام الفرقة بين الزوجين وحقوق الأولاد والأقارب فى الشريعة الإسلامية والقانون المصرى» لـ د. محمد يوسف حنفى سالم، أن العِدّة فُرضت للتعبير عن أهمية عقد الزواج وإعلاءً لشأنه ولهذا لا يجب أن ينحل العقد إلا بعد مضى مدة معينة. وفى الأثناء يكون، فى حالة المطلقة، للزوج فرصة لمراجعة نفسه، إذا كان الطلاق رجعيا، فيما إذا كان يريد إرجاع زوجته لعصمته من جديد. وبالنسبة للأرملة فالحكمة من العِدّة هى إعطاؤها فترة من الحداد على زوجها المتوفى وإظهار مدى حزنها على فراقه ومراعاة لمشاعر أهله.
وأتوقف قليلا لتعريف الفرق بين الزواج الرجعى والبائن:
الزواج الرجعى هو إعطاء الزوج حق إرجاع مطلقته لعصمته فى أى وقت أثناء فترة العِدّة بإرادته المنفردة بنفس العقد والمهر.
والطلاق غير الرجعى ينقسم لاثنين: طلاق بائن بينونة صغرى وهو الذى لا يجوز للزوج إعادة مطلقته لعصمته إلا بمهر وعقد جديدين وبموافقتها، وطلاق بينونة كبرى لو كانت الطلقة هى ثالث مرة وبالتالى يجب على الزوجة الزواج بآخر بعد انقضاء عدتها ثم تعود لزوجها الأول بعد طلاقها من الآخر وتكون العودة بعقد ومهر جديدين وبموافقتها.
وقد استوقفتنى هذه الحُجج، فبالنسبة للمطلقة، لو كان المبرر هو إعلاء شأن عقد الزواج وعدم مناسبة حلّه بسرعة، فالمفترض بنفس المنطق أن يلتزم الزوج أيضا بنفس المدة ولا يتزوج خلالها خاصة لو كان الطلاق رجعيا والذى يمكنه خلال شهور عدة مطلقته الزواج بأخرى ثم يقرر فى أثنائها إعادة الزوجة الأولى لعصمته. أما الأرملة فلو كانت حزينة على فُراق زوجها فمن الطبيعى أن تعزف عن الزواج خلال تلك المدة القصيرة وبدون الحاجة لتشريع ينص على ذلك. أما أهل زوجها المتوفى فغالبا ما سيحزنون لزواج أرملة ابنهم بغض النظر عن المدة، سواء كانت أربعة أشهر وعشرة أيام أو ستة أشهر مثلاً.
أما الحجة التى عجزت عن فهمها هى أن عِدّة المطلقة هى للتأكد من إنها ليست حامل حتى لا تختلط الأنساب لو هى تزوجت فى هذه الأشهر. يمكن اعتبار ذلك شيئا منطقيا فى زمن آخر قبل وجود أجهزة حديثة للكشف المبكر عن الحمل مثل الاختبار المنزلى والسونار وتحليل الدم وتغييرات فى جسد المرأة الحامل تستطيع معرفة إذا كانت حاملاً من أول يوم حمل وفى أى يوم وشهر.
أما لو كانت حاملاً فعدتها كما هو معروف تنتهى فورا بالوضع، حتى قبل انتهاء فترة النفاس. فلو كانت الزوجة حاملاً فى الشهر التاسع مثلاً وطلقها زوجها فيمكنها الزواج بآخر فور الوضع. وهنا تعجبت: أين كل الحجج الخاصة بتعظيم شأن عقد الزواج وعدم مشروعية زواج المطلقة إلا بعد مرور فترة من الوقت؟
وعن تحديد مدة العِدّة بثلاثة أشهر بالنسبة للصغيرة التى لا تحيض؛ أليس ذلك يعتبر زواج أطفال حيث غالبا ما يكون سن الفتاة التى لا تحيض أقل من السن القانونى للزواج وهو 18 سنة، فكيف ورد هذا الحكم؟
وفى كتاب د. فوزية عشماوى «المرأة فى الخطاب القرآنى» تبرير غريب لعِدّة المطلقة واختلافها عن الأرملة: تقول د. فوزية أنه بناء على اكتشاف عالم يهودى أسلم بعد اكتشافه هذا: يوجد ما يُسمى «بصمة ماء الرجل» وهو السائل المنوى للرجل الذى يختلف من رجل لرجل مثل اختلاف بصمة أصابع اليد، فلو المرأة عاشرت شخصا آخر بعد الطلاق مباشرة ستكون مثلها مثل التى تُدخل فيروسا على جهاز كمبيوتر مما قد يسبب لها أمراضا خبيثة! ويقل احتمال دخول هذا الفيروس حتى ينعدم بعد مرور ثلاثة أشهر. ولهذا السبب عِدّة المطلقة ثلاثة أشهر. لكن فى حالة الأرملة فحزنها على زوجها يجعل بصمة الزوج المتوفى داخلها مدة أكبر ولهذا فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام!
ثانيا: عِدّة الزوج
للزوج أيضا عِدّة ولكن بأسباب أخرى غير عِدّة الزوجة.
من المعروف أن الزوج يمكنه الزواج فورا لو طلق زوجته أو توفيت أو فى حالة فسخ الزواج. لكن توجد حالات توجب على الزوج عِدّة:
• لو طلق زوجته وكان يريد الزواج بأختها أو عمتها أو خالتها، فيجب عليه الانتظار بعد عِدّة طليقته وهى ثلاثة أشهر ثم يتزوج. وذلك لأن هؤلاء النسوة محرمات عليه تحريما مؤقتا ينتهى عندما يطلق زوجته وتنتهى عدتها. والحكمة فى الانتظار ثلاثة أشهر هى الحفاظ على صلة الرحم!
• لو كان متزوجا بثلاث غير زوجته التى طلقها طلاقا رجعيا: يجب عليه الانتظار حتى تنقضى عدّتها لكى يتزوج بالرابعة لإنه لو تزوج قبل ذلك يكون متزوجاً بخمس، لأن المطلقة أثناء العدة ما زالت فى حكم الزوجة، وذلك قطعا لا يجوز شرعا.
• الحالة الثالثة لعدة الزوج هى عندما يكون متزوجا بأربعة بغض النظر عن نوع الطلاق وكان يريد الزواج بخامسة: فيجب عليه تطليق واحدة منهن والانتظار حتى تنقضى عدتها لكى يتزوج الخامسة.