إطلالات على القانون (6).. الدفاع الشرعى - رانية فهمى - بوابة الشروق
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 8:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إطلالات على القانون (6).. الدفاع الشرعى

نشر فى : الإثنين 22 يوليه 2024 - 6:20 م | آخر تحديث : الإثنين 22 يوليه 2024 - 6:20 م

 

الدفاع الشرعى يمكن أن يُعفى من عقوبة القتل أو يُخففها. هكذا نص القانون المدنى وقانون العقوبات المصريان. ولضيق المساحة سأكتفى بمثلين فقط؛ واحد للإعفاء من العقوبة والآخر للتخفيف منها.

من أسباب الإعفاء من العقوبة: الدفاع الشرعى

ليس الدفاع الشرعى فقط دفاعًا عن نفس الشخص المعتدى عليه أو ماله لكن أيضًا عن نفسه وأهله وأقاربه وأصدقائه أو الذين تربطهم به علاقة قوية.

واللافت هنا أن الدفاع ممكن أن يكون عن خطر حدث فعلًا أو وشيك الحدوث مثل شخص دخل شقة لسرقتها، فيجوز الدفاع حتى قبل حدوث السرقة. أو شخص صوّب مسدسه فى وجه آخر، فالأخير يمكنه الدفاع عن نفسه أو ماله أو نفس القريبين منه أو مالهم قبل إطلاق الأول العيار النارى.

والشروط فى اعتبار الدفاع شرعيًا أن يكون متناسبًا مع الخطر أو الاعتداء الأصلى، فمثلا لا يجوز أن يكون رد فعل الشخص حين يسبّه آخر هو الهجوم عليه وضربه وجرحه. وقتها سيُحاسب الاثنان على مقدار الاعتداء الذى ارتكباه. ويُحسب التعويض المدنى على هذا الأساس.

توقفت عند مادة الدفاع الشرعى فى القانون المدنى (مادة 166): «من أحدث ضررًا وهو فى حالة دفاع شرعى عن نفسه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله، كان غير مسئول، على ألا يجاوز فى دفاعه القدر الضرورى، وإلا أصبح ملزمًا بتعويض تراعى فيه مقتضيات العدالة»، فعادة ما تكون «حالة» الدفاع الشرعى هذه تلقائية بمعنى إنها تكون دون تفكير مسبق ولا تخطيط من المدافع ولكن تكون ردة فعل على الخطر أو الاعتداء، وبالتالى تتدخل عوامل نفسية مرتبطة بتكوين المعتدى عليه. فمن الوارد جدًا أن يكون الدفاع مبالغًا فيه أو غير متناسب مع الاعتداء، ودون قصد من المُعتدى عليه يجد نفسه يرد على الاعتداء بتجاوز. وحينها يتعرض للمسائلة المدنية (تعويض مدنى) وجنائية إذا وجد القاضى بما له من سلطة تقديرية أنه تجاوز حدود الدفاع المعقولة. وتحديد هذا القدر هو من أدق الأمور التى غالبًا ما يختلف تقديرها من قاضٍ إلى آخر، وبالتالى تختلف العقوبة لمرتكبى نفس رد الفعل بنفس الملابسات.

وتوقفت أيضًا عند شرط آخر فى اعتبار الدفاع شرعى لا يُعاقب عليه قانونًا، وهو أن يكون الخطر غير مشروع بمعنى أن المعتدى الأصلى قام بفعل غير مبرر قانونًا، لكن لو كان المعتدى رجلًا من رجال الضبطية القضائية، واعتدى على شخص لاعتقاده إنه مجرم، فالأخير لا يمكنه رد الاعتداء بحجة الدفاع الشرعى عن النفس. فالقانون ينص على أن اعتداء رجل الضبطية القضائية مشروع لكن رد اعتدائه غير مشروع. وأطرح هنا التساؤل: ما المعايير المسموح بها لأفعال الأول.. وكيف يتم تحديد ما إذا كان الشخص الثانى مجرمًا؟

من أسباب الظروف المخفِفة للعقوبة

لو زوج فاجأ زوجته مع عشيقها وقتلها هى وهو فى الحال، فكيف يُجازى حسب قانون العقوبات المصرى؟

يعتبر القانون أن الظرف الذى وجد فيه الزوج زوجته فى حالة تلبس بالزنا ظرفًا مخفِفًا للعقوبة لأن المشرع وضع فى اعتباره الحالة النفسية والثورة العاطفية التى كان عليها الزوج واستخدم الرأفة فخفف العقوبة من سجن مؤبد؛ مدى الحياة، أو مشدد من 3-15 سنة مع الشغل داخل السجن، أو إعدام لو ارتكب بعدها أو قبلها أو معها جناية أخرى، خفف العقوبة للحبس فقط. والحبس فى القانون هو من 24 ساعة لثلاث سنوات، مما يعنى أن الزوج يمكن أن يُعاقب بالحد الأدنى للعقوبة وهو حبس يوم على جريمة قتل زوجته والشخص الآخر!!!!!! (نص الظرف المخفف فى مادة 237 عقوبات: «من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هى ومن يزنى بها يُعاقب بالحبس بدلًا من العقوبات المقررة فى المادتين 234 و236 من قانون العقوبات»).

أما عن ملابسات الجريمة فلدىّ عدة تساؤلات: هل تخفيف العقوبة فى حالة الزنا التام أم فقط عند وجود الزوجة مع الشخص الآخر فى وضعية مخلة؟ وفى حالة الزنا التام كيف يمكن إثبات أن الزوجة كانت فى هذه الحالة التى هى من أصعب حالات الإثبات مثلما جاء فى أحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بشروط الإثبات؟ فكيف يتأكد الزوج إن هذه حالة زنا تام، وهو فى ثورة انفعاله؟ وهل كان معه أداة القتل وقت مفاجأة زوجته، ولو كان الأمر كذلك، فهل هذا دليل على أنه كان ذاهبًا لمكان الجريمة وهو فى نيته قتلها؟

والشىء المذهل هو سكوت القانون عن الزوجة التى «تُفاجئ» زوجها، وهو فى نفس الموقف. فوفقًا لكتاب «الوجيز فى قانون العقوبات» لـ د. طارق سرور، وهو من الكتب المقررة على طلبة حقوق القاهرة التى كنت أدرس بها: «هذا العذر (المُخفف للعقوبة) لا تستفيد منه الزوجة التى تفاجأ بزوجها متلبسًا بالزنا، فإذا ما قتلت الزوجة زوجها أو من معه فإنها تعاقب وفقا للمادة 234 عقوبات بالسجن المؤبد أو المشدد. لكن ذلك دون الإخلال بسلطة القاضى فى تخفيف العقوبة استنادًا ووفقًا للحدود التى ترسمها المادة 17 من قانون العقوبات. فمما لا شك فيه أن الزوجة تغار على زوجها وتشعر بنفس الشعور نحوه». وأنا أتساءل: هل هذا أقصى ما باستطاعة القانون فعله: الهبوط بالعقوبة بالنسبة للزوجة درجة واحدة التى تسمح بها هذه المادة، بينما الزوج تُخفف العقوبة من جناية قتل لجنحة؟ وإن كان مدعاة الحكم المخفف هو دفاع الزوج عن «شرفه»، أليس للزوجة أيضًا شرف تدافع عنه؟ كيف لم تعدل حتى الآن المادة 237 ليُطبق نفس الحكم المخفف على الزوجة، مع العلم أن هناك الكثير ممن أثاروا هذه القضية بعدم المساواة بالمخالفة الصريحة للدستور؟ أو تُطبق نفس العقوبة بالتخفيف وفقًا للمادة 17 عقوبات على الزوج والزوجة.

التعليقات