ترددت كثيرا قبل أن أكتب اليوم عن قضية شائكة يعد الخوض فيها كالوقوع فى دوامة من الرمال المتحركة.. تعودت أن أكتب وفى عقلى حل للقضية ولو مقترحا أو يعتمد على اجتهادى فى رؤية الأمر وتصوره حتى تأتى الكتابة مكتملة المعنى. لكنى اليوم بالفعل أقف على مفترق طرق لا أدرى أيها يؤدى للسلامة أو يقود إلى ندامة.
لكننى اليوم أكتب لأننى وعدت صديقتى الأثيرة بأن أكتب ربما لأننى أعلم جيدا حجم الصدق فيما قالت وكم تأثرت بتلك الواقعة التى تعرضت لها أثناء عملها فى معهد القلب القومى.
حكت صديقتى وزميلة مهنتى: «كان علىَّ اليوم أن أجرى تصويرا بالصدى الصوتى لقلب طفلة فى الثانية عشرة من عمرها. أحالها لى نواب القسم لاستحالة إجراء الدراسة لها: كان قلبها يدق بسرعة غير عادية وكانت ترتعش باستمرار وتنتفض كلما اقترب منها أحد ليكشف عليها. جاءت برفقة أمها وأختها الصغيرة».
استمرت صديقتى فى حديثها وكل همى أنها ستعرض على حالة الطفلة المرضية للمناقشة كما تعودنا لكن الأمر اختلف تماما حينما أكملت: أشفقت على الطفلة فضممتها إلى صدرى وأخذت أهدهدها برفق فهدأت لكن دموعها لم تتوقف طوال فترة كشفى عليها والقيام بأداء الاختبار.. دموع تفيض بلا صوت أو نشيج فلا ترفع يدا لتكفكفها. أوقفت الفحص الذى بدا طبيعيا تماما فلا أثر لأى مرض بعضلة القلب إنما يدق بانتظام وبسرعة ومازالت الرعشة تلازمها. سألتها برفق: هل هناك شىء يؤلمك؟ هزت رأسها بالنفى.. هل هناك شىء يضايقك فى البيت؟ زادت الرعشة فهمست أختها الصغيرة بحديث قصير مؤداه أن لهما أخا أكبر يتعدى عليها دائما بشكل لا يليق. وانتفضت الأم لتنهر الصغيرة وتنفى تماما أن هناك شيئا يحدث من هذا القبيل. لكن الصغيرة عادت لتؤكد فى عناد أنها صادقة وأن الأم تعلم لكنها تنهر الصغيرة عندما تشكو إليها وتتهمها بالكذب.
كان من الطبيعى أن يداهمنى ذلك الشعور بالغم الذى داهم صديقتى وقتها وأنا أنصت إلى بقية القصة التى أكملتها صديقتى بما جعلنى أستجيب لها وأبدأ بالكتابة عن تلك القضية الشائكة التى تتداخل فيها عوامل كثيرة بعضها واضح وأكثرها مبهم ملتوٍ.
نصحتها طبيبة قلب الأطفال بأن ترفض ذلك رفضا قاطعا وأن تبقى دائما بجوار أختها وأن تصرخ إذا ما حاول أخوها أو غيره الاقتراب منها وتستنجد بالناس حولها.
هدأت الطفلة ورحلت مع أمه لكنها خلفت لصديقتى هما أشركتنى فيه وسألتنى برجاء: «لماذا لا تفتحين باب المناقشة فى مثل هذا الموضوع بالغ الأهمية ليتحدث أطباء النفس والاجتماع عن تلك الظاهرة الكارثية التى تغتال براءة طفلة كتلك وتدمر نفسيتها وتتركها فريسة لحيوانات بشرية؟».
وأضيف أنا فى النهاية سؤالا أوجهه لوزيرة الصحة ووزيرة التضامن الاجتماعى: هل لدينا خط ساخن للابلاغ عن تلك الجريمة التى يتسلط فيها حيوان بشرى على إنسان ضعيف مغلوب على أمره وهل هناك وعى حقيقى بتلك القضية بالغة الحساسية يكفل الرعاية النفسية والجسدية للأطفال المنتهكين ويضمن لهم الاستقرار والأمان حتى لا تداهمهم أمراض أخرى تتستر على السبب الواقعى للمرض؟
إذا كانت المناقشة هى الواجب الذى تدعونى إليه صديقتى الأثيرة فأنا دون شك حاضرة.. أما بقية الطريق فعلى الله القصد.