نشر موقع مجلس العلاقات الخارجية CFR مقالا للكاتب ريتشارد هاس، شارك فيه أفكاره حول آفاق العلاقات بين واشنطن وبكين والعلاقات عبر المضيق، فى سياق التطورات الداخلية فى الصين، بما فى ذلك بداية ولاية شى جين بينج الثالثة كزعيم للحزب الشيوعى الصينى، بالإضافة إلى الاتجاهات الأكبر فى المنطقة والعالم.. نعرض من المقال ما يلى.ما حدث خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى الصينى، رغم أنه غير مفاجئ، يوضح أن الرئيس شى يمارس درجة من القوة قلل من شأنها الكثير منا وقد تكون سابقة فى تاريخ جمهورية الصين الشعبية.
لكن من المرجح أن تكون هناك مزالق لتركيز السلطة، وهو أمر رأيناه فى أنظمة استبدادية أخرى. أولا، غالبا ما تكون البيروقراطية مشلولة بانتظار قرار رجل واحد. كما يمكن اتخاذ القرارات بشكل تعسفى، دون مراعاة البدائل والتكاليف، بينما يخشى المستشارون فى كثير من الأحيان التحدث علانية وتقديم وجهات نظر أخرى. وبقدر ما يتخذ هذا الشخص قرارا خاطئا، غالبا ما يكون من الصعب تعديله.
شى ارتكب أخطاء فادحة، أدت سياسته الخارجية الحازمة للغاية إلى عزله عن الدول المجاورة، يظهر هذا، من عسكرة بحر الصين الجنوبى إلى صدام حدودى مع الهند، والعقوبات الاقتصادية على أستراليا وكوريا الجنوبية والفلبين وغيرها، وزيادة الضغط على تايوان. كما وافق على علاقة «بلا حدود» مع روسيا عشية بدء بوتين حربا وحشية وغير مبررة ومكلفة ضد أوكرانيا، وهى حرب تنتهك ما كان تاريخيا فى صميم السياسة الخارجية الصينية، بما فى ذلك الالتزام بعدم الاعتداء، واحترام وحدة أراضى وسيادة الدول، وتجنب التدخل فى شئونها الداخلية. ناهينا عن أن سياساته تجاه تايوان جعلت هدف بكين المتمثل فى التوحيد بعيد المنال.
نرى أيضا علامات مقلقة فيما لم تفعله الصين، حيث رفضت التعاون مع منظمة الصحة العالمية بشأن الأدلة المتعلقة بكوفيدــ19، كما أنه لا يوجد دليل على أن الصين تستخدم نفوذها للتأثير على السلوك العدوانى لكوريا الشمالية، وبالرغم من أن الصين لا تزود روسيا بالأسلحة، إلا أنها تواصل شراء الطاقة من روسيا، فى عملية تمويل مجهودها الحربى.
تضيف سياسات كوفيد المضللة والإصلاح الاقتصادى المتعثر والجفاف والبطالة والإخفاقات المالية والسياسات الديموغرافية جميعها إلى الضغوط الداخلية. ويكمن الخطر فى أن الصين ستنظر إلى ما تفعله خارج حدودها للتعويض عن الإخفاقات داخلها. لذلك، لا حاجة إلى التطلع عن الكثير من مؤتمر الحزب العشرين، فمن المرجح أن نرى استمرارا للاتجاهات أو حتى مضاعفتها.
استمرار الاتجاهات قد يكون مخاطرة كبيرة خلال فترة ولاية شى الثالثة. بعبارة أخرى، من الواضح أن شى يرى نفسه كقائد على قدم المساواة مع ماو، مؤسس جمهورية الصين الشعبية، لكن من غير الواضح ما هو الإنجاز الذى سيشير إليه شى كدليل على أنه قائد. فإذا تلاشى النمو الاقتصادى، قد يبحث شى فى مكان آخر لتأمين إرثه والذى يحتمل أن يكون تايوان.
• • •
تنتشر الآن شكوك عميقة تجاه الصين من قبل حزبى أمريكا الرئيسيين؛ الديمقراطى والجمهورى. حيث وصفت اللغة فى استراتيجية الأمن القومى، التى أعلنتها إدارة بايدن أخيرا، أن الصين المنافس الوحيد الذى لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولى اعتمادا على قوته الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية. ومن المرجح أن تكون هذه استراتيجية الولايات المتحدة بغض النظر عما سيحدث فى انتخابات التجديد النصفى المقبلة أو الانتخابات الرئاسية لعام 2024. باختصار، لقد تم استبدال حقبة الدعم الأمريكى لصعود الصين، والسعى لدمجها فى النظام الدولى الحالى على أمل أن يؤدى ذلك إلى صين أكثر انفتاحا وتوجها نحو السوق وسلمية.
• • •
يمكننا أن نتوقع المزيد من الضغط على تايوان ــ اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا ــ لمحاولة التأثير على التطورات السياسية فى الجزيرة وتحريك الوضع الراهن لصالح الصين، فتايوان تمثل تهديدا لجمهورية الصين الشعبية بسبب طبيعتها بل وبديلا للصين والشعب الصينى. من هنا جاء نفاد صبر شى إزاء الوضع الراهن، وتأكيده الصريح على ضرورة التوحيد.
لكن ما الذى يجب أن تفعله الولايات المتحدة والغرب حيال ذلك؟ أولا، زيادة الردع، لمنع ضم تايوان. وهذا يعنى زيادة ميزانية واشنطن الدفاعية. وبنفس القدر من الأهمية، فإن هذا يعنى أيضا نقل القدرات إلى منطقة المحيطين الهندى والهادئ لإعطاء الأولوية للصين. وعلى نطاق أوسع، ألا يصبح عدم احترام الحدود سمة من سمات العلاقات الدولية خشية فقدان النظام الموجود فى العالم (خاصة بعد محاولات روسيا الاستيلاء على أراضٍ أوكرانية). من جانبها، تحتاج تايوان إلى تغيير دفاعها بشكل عاجل. ويجب أن يكون الدرس المستفاد من أوكرانيا هو أن جميع سكان تايوان بحاجة إلى المشاركة، وليس فقط أولئك الذين يرتدون الزى العسكرى. تحتاج تايوان أيضا إلى التركيز على مرونتها من خلال تخزين الطاقة والغذاء واكتشاف كيفية الاستمرار فى العمل كمجتمع بدون الإنترنت أو الاتصالات السلكية واللا سلكية.
ثانيا، يتطلب الردع والدفاع، تقليل الاعتماد الاقتصادى الجماعى على الصين، كسوق وكمزود للمدخلات. صحيح الفصل غير ممكن أو غير مرغوب فيه، لكن يمكن أن يكون هناك تباعد اقتصادى، هذا ينطبق على أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وأى شريك أو حليف آخر. وبالنسبة لتايوان، ليس من المنطقى أن يكون أكبر شريك تجارى لتايوان هو الصين، لذلك هذا يحتاج إلى تعديل.
ثالثا، لابد من التصرف بمسئولية وانضباط. يجب أن يكون الهدف هو تجنب الحرب. وسيتطلب هذا تجنب الاستفزاز غير الضرورى. فهناك دور لطمأنة الصين، بما فى ذلك استمرار الإخلاص لسياسة صين واحدة.
• • •
جوهر القول، من الأفضل فهم المسألة التايوانية على أنها وضع يجب إدارته وليس مشكلة يتعين حلها. يجب تجنب أى عمل من جانب واحد من قبل أى طرف فى محاولة لتغيير الأساسيات. لقد استفادت الأطراف الثلاثة (أمريكا ــ تايوان ــ الصين) بالإضافة إلى المنطقة والعالم من وضع غير كامل ولكنه مستقر. يجب أن يكون الهدف من الدبلوماسية هو توسيع هذا، حيث من المؤكد أن البديل سيكون مكلفا بكل الطرق للجميع سواء كانوا متورطين بشكل مباشر أم لا.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: https://on.cfr.org/3TRWUhi