فى مسعى منها لإضفاء الطابع القيمى على صراعها الوجودى مع حركة حماس ومنظمات المقاومة الفلسطينية، توطئة لتبرير، استراتيجيتى حرب الإبادة، والعقاب الجماعى ضد الفلسطينيين؛ تمعن إسرائيل وحلفاؤها الغربيون، فى شيطنة حماس، عبر مساواتها بتنظيم «داعش»، وتجريدها من أى سمات سياسية، أو أخلاقية، أو إنسانية. وذلك بغرض إخراج نهج حماس من دائرة العمل السياسى والعسكرى التحررى المقاوم، والزج به فى غياهب الفعل الإجرامى والانتقامى العدمى؛ الذى لا يحتكم إلى أى قانون أو يراعى أى مبادئ أخلاقية. ومن ثم، تدعى إسرائيل أن الحضارة الإسرائيلية تحارب الهمجية والبربرية الحمساوية. وتستند فى طرحها الزائف، على تصنيف الأوروبيين والأمريكيين للحركة، بوصفها تنظيما إرهابيا. وخلال مؤتمر صحفى جمعه بوزير الخارجية الأمريكى، بلينكن، وصف، نتنياهو، هجمات حماس، التى اعتبر أنها تمثل «داعش»، بـ«البربرية»؛ زاعما أنه كما تم القضاء على «داعش» سيتم إنهاء حماس. وفى نهاية كل تعليق لها، دأبت صفحة «إسرائيل بالعربية» على استخدام وسم، ينص على أن حماس هى «داعش». وفى تماهٍ أمريكى مخجل مع السردية الإسرائيلية، ادعى، بلينكن، أثناء زيارته الأخيرة لتل أبيب، أن حركة حماس لا تمثل الشعب الفلسطينى، وأن أفعالها تعيد ذكريات «داعش». بدوره، شبه، بايدن، أفعال حماس بغزو القوات الروسية أوكرانيا فى فبراير 2022. وقال: «حماس وبوتين يمثلان تهديدين مختلفين، لكنهما يشتركان فى أن كليهما يريد القضاء على ديمقراطية مجاورة». وعقب عودته من الأراضى المحتلة، أكد الرئيس الأمريكى، إن نجاح إسرائيل وأوكرانيا أمر حيوى للأمن القومى الأمريكى، كما فرض عقوبات على قيادات حمساوية. فى السياق ذاته، قال المفكر والدبلوماسى الأمريكى المخضرم، هنرى كيسنجر: «إن العدوان الروسى على أوكرانيا، وعمليات الفصائل الفلسطينية فى إسرائيل، يشكلان هجوما أساسيا على النظام الدولى». وفى تحريض رخيص، ارتأى، كيسنجر، أن العمل العدوانى الصريح، الذى تقوم به الفصائل الفلسطينية، يجب أن يقابل بعقاب، يتجنب أى تصعيد خطير فى المنطقة.
إبان زيارته لإسرائيل، أخيرا، اقترح الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، الذى فقدت بلاده خمسة وثلاثين شخصا، جراء عملية «طوفان الأقصى»، بينما يقبع تسعة آخرون فى الأسر لدى الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة، توسيع نطاق التحالف الدولى لمحاربة «داعش»، بحيث يشمل القتال ضد «حماس» فى غزة وغيرها. ووعد بـ«عدم ترك إسرائيل وحدها»، مشددا على أن «القتال ضد حماس يجب أن يكون بلا رحمة، ولكن ليس بدون قواعد». ولم تحظَ بتوافق على مستوى الداخل الفرنسى ذاته. ففى الوقت الذى انتقدها اليسار واليمين المتطرف، قوبلت بترحيب حذر، من قبل اليمين التقليدى، الذى اعترف بصعوبة تنفيذها، كما انتقد عدم مناقشة ماكرون للفكرة مع الشركاء الدوليين. ومن جانبه، لم يعلق نتنياهو، على اقتراح ماكرون، خصوصا أن إسرائيل ليست عضوا فى التحالف الدولى لمحاربة «داعش». لكنه أشار إلى أنه يقود معركة بين محور الشر والعالم الحر، وهى معركة الجميع، وليست معركة إسرائيل وحدها. تم تشكيل التحالف الغربى الأطلسى لمحاربة طالبان، عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. وكانت هى المرة الأولى والوحيدة، التى تم خلالها تفعيل البند الخامس من ميثاق حلف الناتو، بغية التدخل العسكرى لدحر طالبان فى أفغانستان. وفى سبتمبر 2014، تم تشكيل التحالف الدولى ضد «داعش»، من 86 دولة؛ التزمت مواجهة التنظيم الإرهابى على مختلف الجبهات، تفكيك شبكاته ومجابهة طموحاته العالمية، تدمير بنيته التحتية الاقتصادية والعسكرية، منع تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب إليه عبر الحدود، مجابهة استراتيجيته الدعاية، وإعادة تأهيل المناطق المحررة من سيطرته.
حرصت واشنطن على شرعنة التحالف الدولى لمحاربة «داعش» عبر استصدار قرار مجلس الأمن رقم 2170، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فى 15 أغسطس 2013. وهو القرار، الذى دعا إلى الامتناع عن دعم، تمويل، تسليح إرهابيى تنظيمى «داعش» و«جبهة النصرة»، منع تدفق الإرهابيين إلى سورية والعراق، اتخاذ تدابير وطنية لمنع تدفق المقاتلين الأجانب الإرهابيين، وحظر البيع المباشر أو غير المباشر للأسلحة والمواد ذات الصلة إلى الإرهابيين.
مثلما أخفق العالم فى القضاء نهائيا، على تنظيم القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لم تفلح الجهود الدولية فى الإجهاز كلية على «داعش». ذلك أنه بمجرد استهدافهما وتوجيه ضربات موجعة إليهما، يعاودان الظهور فى بقاع شتى، ما يعنى عمليا أن توجيه ضربات ضد حماس، سيفضى إلى ظهور قيادات «حمساوية» أخرى مجددا فى مواقيت وأماكن مختلفة. وبالتالى، فإن تقويض حماس عسكريا دون محاصرتها إيديولوجيا، من دون تسوية أزمات المنطقة، سيؤدى إلى ظهور نسخ حمساوية أحدث، ربما تكون أشد فتكا وتطرفا. ولما كان إجهاض حماس عسكريا لا يحول دون انبعاثها، يبدو جليا زيف المزاعم التى ترهن وجود «حماس» أو شرعيتها بنجاحها العسكرى الميدانى. ذلك أن هزيمتها عسكريا، لن تنال من وجودها السياسى، أو حضورها فى معادلة مقاومة الاحتلال. يتطلب الإجهاز على حماس، اجتياحا بريا لغزة والضفة، ما سيفاقم الدمار ويؤدى إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين. ولعل هذا ما دفع إدارة، بايدن، لحمل نتنياهو على تأجيل ذلك الاجتياح. لاسيما أن واشنطن ما برحت تكابد معضلة محاربة الإرهاب من السماء، عبر «الدرونز» والقصف الجوى، فيما يعرف باستراتيجية «ما وراء الأفق»، جراء تسببها فى سقوط ضحايا مدنيين، وتكريسها المهام غير القانونية للمسيرات، مثلما حدث فى الصومال، اليمن، العراق، سوريا باكستان، وأفغانستان.
رغم كثرة عدد أعضائه، بما فيهم حلف الناتو، يفتقد التحالف الدولى لمحاربة «داعش»، الإجماع الدولى. فمن جهتها، لم ترض روسيا عن ذلك التحالف، متجاهلة دعوة، ماكرون، الحالية لإعادة تعريف دوره؛ لاسيما أنها استقبلت وفدا من حركة حماس، التى لا تعتبرها إرهابية. وبينما تم استبعاد إيران من تحالف «داعش»، تنهال، اليوم، الاتهامات على طهران بدعم حركة حماس، وتحريك وكلائها لإشعال جبهات متعددة ومتزامنة ضد إسرائيل والوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة. وبينما ترددت تركيا فى الانضمام للتحالف المناهض لداعش، إذ كانت ترهن الأمر بإسقاط نظام الأسد ولجم قوات سوريا الديمقراطية. فإنها اليوم تستضيف بعض عناصر وقيادات حماس، التى أعلن الرئيس، إردوغان، أنها حركة تحرر وطنى وليست تنظيما إرهابيا. كونها تقاتل المحتل الغاصب على أرضها المحدودة فى غزة والضفة، وليس له امتدادات تشكل أى خطورة مباشرة على الدول الغربية. بينما «داعش» تنظيم إرهابى تكفيرى جهادى، تتشعب أفكاره وخلاياه وأخطاره فى جنبات المعمورة. وبينما قامت الأمم المتحدة بتصنيف كل من تنظيمى القاعدة و«داعش»، جماعات إرهابية، لم تفعل الأمر ذاته مع حركة حماس.
تزامنا مع إعلان إدارة «أوباما» استراتيجيتها لمواجهة «داعش» عام 2013، التأم «مؤتمر جدة لمكافحة الإرهاب». وخلاله، نجحت إدارة أوباما فى حشد دول عربية، وأطراف إقليمية لمحاربة التنظيم التكفيرى. وهنالك، تعهدت 11 دولة، شاركت فى المؤتمر العربى ــ التركى ــ الأمريكى، تأمين حشد دولى لمحاربة تنظيم «داعش». وأكد وزير الخارجية الأمريكى وقتها، جون كيرى، على دور كل دولة مشاركة بهذا المؤتمر فى مواجهة الإرهاب؛ مشددا على توفير الدعم المادى والعسكرى، ومنع تدفق الأموال والمقاتلين إلى التنظيم الإرهابى. أما اليوم، فقد لا يتسنى لواشنطن تكرار التجربة. فبرغم تحفظاتهم العديدة عليها، لن تقبل جل دول المنطقة، باستثناء إسرائيل، الانخراط فى تحالف دولى مناهض لحماس، أو توجيه التحالف الدولى لمحاربة «داعش» صوب تقويض الحركة. فبينما تواصل إسرائيل عدوانها الوحشى ضد الشعب الفلسطينى، سيتراءى للجميع هكذا مسعى باعتباره محض محاولة أمريكية لشرعنة جرائم إسرائيل، وتمرير مخططها الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية، مع تحميل العرب والمسلمين فاتورة تلك الأفعال المشينة.