سعاد.. والأحلام المجهضة - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 11:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سعاد.. والأحلام المجهضة

نشر فى : الجمعة 30 ديسمبر 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 30 ديسمبر 2016 - 9:35 م
لم يشأ عام ٢٠١٦ أن يرحل مؤْثرا السلامة بعدما شهدت أيامه ألوانا من عذاب النفس البشرية ووقائع ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.. حوادث العنف التى لم يشهد العالم مثلها من قبل وجبروت الشر فى وقائع اغتيال الأبرياء فى طرق لم يتطرق إليها فكر بشر فى تاريخ الإنسان.

وقائع كثيرة متعددة متتالية لم ترحم البشر من معاناة حقيقية لا فارق فيها بين ما يحدث هنا أو فى أقصى الأرض.

وقائع حزينة مؤلمة تداهم العقل وتحجب النور عن الأيام فلا يتوقع الإنسان إلا القتامة والسواد.

انتهى العام بوقائعه الحسام لكن تظل هناك واقعة واحدة شهدتها مدينة الإسكندرية أظنها لا تنحسر عن ذاكرتى أبدا قبل وقت طويل.

فوجئ سكان حى بحرى بالإسكندرية بسيدة تخطت السبعين من عمرها ترتدى ثوب الزفاف الأبيض تخفى ملامحها الحقيقية طبقات من مستحضرات التجميل وألوانه تسير بمفردها. كان منظرا غريبا غير مألوف لكن أحدهم اقترب منها ليسألها هل تقبل به عريسا فردت بسرعة «يا ريت» خلع الرجل خاتما من يده وألبسها إياها فكأنما أعاد إليها سنوات عمر ضاع. سعاد عروس الإسكندرية التى قضت عمرها فى رعاية والديها حتى رحل الأب ثم الأم ولم يخلفا لها إلا معاشا وأياما من الوحدة الباردة.

المدهش هو رد فعل الناس الذى جاء دافئا سخيا. لم يسخر منها أحد ولم يؤذ شعورها أحد إنما اجتمعوا حولها وساروا معها حتى قاعة الاحتفالات التى كان سبق واستأجرتها.

أمامنا بلا شك إنسانة فى نهاية رحلة الحياة دهسها الضغط النفسى وقهرتها الوحدة فقبلت التحدى وقررت أن تغلب عقلها الباطن على الظاهر خرجت إلى العالم الواسع لديها أمل فى أن تحقق حلم عمرها الذى اغتالته الوحدة.

فجأة تبدد الحلم الذى شاركها فيه البسطاء من أهل بحرى هم أيضا بلا شك يعانون أحلاما مجهضة لكنهم يدفنونها بقاع صدورهم فى انتظار لحظة كتلك التى تحررت فيها سعاد.

ثقبت سعاد شرنقة الوحدة الكئيبة وحلقت بجناحيها فى الهواء فراشة حرة فتعاطف معها كل من رآها إلا بقية أهلها وقسم شرطة الجمرك الذى أحاط بها رجاله لاقتيادها إلى القسم ثم إلى دار المسنين.

قد تكون بالفعل سعاد مريضة نفسية لكن من الواضح أن تصرفاتها لها قدر كبير من العقل. ارتداؤها لملابسها بتلك الطريقة، ذهابها للكوافير، حجزها للقاعة وتسديدها لأجرها مقدما، ردودها على الناس.. ما قصدته هو أن بها قدرا كبيرا من العقل به تستشعر ألما أكبر فمن لها فى محبسها الجديد: دار المسنين.

سعاد أحد الأمثلة لمرضى النفس الصحة النفسية أحد اهتمامات العالم الحديث بالإنسان ونغفلها نحن هنا رغم علمى بمجهودات القائمين عليها من زملاء المهنة لكن الأمر أكبر بكثير من طاقاتهم وميزانيات مشروعاتهم فهل نرى لها موقعا على خريطة خطة التأمين الصحى الجديدة والتى انتظرناها طويلا.

قلبى معك يا سعاد.. وكل سعاد أجهض القهر حلمها فى بلادى وأجهز على أمانيها البسيطة.
التعليقات