لكم تأملت العنوان الذى اخترته لمقالى الأسبوعى منذ بدأت الكتابة لـ«الشروق» وسألت نفسى هل هو يعبر بالفعل عما أكتب، عنوان أتمنى فيه لكل قرائى الأعزاء صباحا ملؤه الصحة والسعادة فهل ما أكتبه بالفعل يبشر بالصحة ويدعو للسعادة، قد أكون بالفعل قد تمنيت بصدق أن تكون كتاباتى دعوة للسعادة دالة على مفاتيح الصحة، لكننى وبذات الصدق ــ أصدقائى ــ أقر أننى كثيرا ما أشعر بكراهية لما أكتب تحت هذا العنوان وإن لازمه أيضا الصدق، لكنه صدق مرٌ كما تبدو الحقيقة أحيانا على صدقها مرة مرارة العلقم!
تصدت أخبار الأطفال فى بلادى هذا الأسبوع صفحات الصحف وشاشات الإعلام وشبكة التواصل الاجتماعى فماذا قرأنا وسمعنا وشاهدنا وعلقنا وثرثرنا ونحن مكتوفو الأيدى مغلقو القلوب متحجرو العقول.. ثم استدرنا لننشغل بمتابعة السيدة/ سما المصرى فى استعداداتها لبرنامجها الدينى الجديد فى شهر رمضان القادم!!.
أخبار الأطفال فى بلادى خلال أسبوع واحد كانت كالتالى:
ــ تسمم عدد كبير من الأطفال الذين يعتمدون فى إفطارهم على ما تقدمه لهم المدارس من وجبة بسيطة جافة من لقيمات البسكويت، أبى عديمو الضمير إلا أن تصل إليهم ملوثة بدماء أبناء طالما كانوا غير أطفالهم فى ظل قوانين كسيحة ومحامين جهابذة سيلتقطونهم كالشعرة من العجينة وفقا للمثل المصرى الشهير! من ورطتهم.
ــ اغتيال «جنى» رضيعة لم تتجاوز العشرين شهرا فض براءتها وحش كاسر مريض بالإثم والشهوة مزق أحشاءها فى غفلة من أم مسكينة ربما انشغلت عنها بقسوة تدبير العيش لها ولأسرتها.
ــ خروج أحمد الخطيب الطفل الذى غادر البلاد ليلتحق بداعش فى سوريا ــ هو بلا شك طفل لم يتلق فى بلاده تعليما ولا توجيها سليما ــ ثم عاد ليواجه مصيرا مظلما فى سجون بلاده تنهشه الليشمانيا التى زحفت به إلى حافة الموت. هو يخرج ليموت فى فراش نظيف. لم يسلم من جهل ولا مرض ولا حتى عقاب عادل بل جاءه العقاب فى سجن ضاعف من عذابه ظروفه غير الإنسانية بالمرة، ولم ينقذ طفولته فى النهاية إلا من سخرهم الله للدفاع عنه على شبكات التواصل الاجتماعى.
حدث هذا سيداتى سادتى فى أسبوع عيد الأم وتكريم المرأة!
الواقع أننى على الإطلاق لا أعنى الربط بين أى من تلك الأحداث ومسئولية الأم أو المرأة إنما أود أن أشير إلى أن تلك الحوادث إنما هى وجع حقيقى فى قلب الأم التى يعود نسبنا جميعا إليها: مصر الوطن.
قد تبدو تلك الحوادث حوادث فردية كما يحلو للبعض أن يصفها لكنها فى الواقع إشارات لأمراض اجتماعية تشترى فى مجتمعنا الآن تحت الرماد. هى عناوين لموضوعات ضخمة ستفاجأ بها قريبا كما فاجأنا داعش فأقضت مضاجع الدول الكبرى قبل الصغرى.
لست من هواة التهويل ولا شبهة تهليل فى كتاباتى لكن لا أرى أى جهد حقيقى يبذل فى شئون الرعاية الأساسية للأطفال. أرى أن الفهم الحقيقى لدور الدولة فى رعاية النشء يغيب وأن من يتولون الأمر يعانون تخلفا عقليا رغم أن هناك الكثير ممن يمكنهم بذل الجهد العلمى والاجتماعى يتوارون فى الصفوف الخلفية.
أرى أن العمل المجتمعى لا يعلو فى سمائه إلا أصحاب اليد الطولى فى وسائل الدعاية وشئون الإعلان.
أتمنى أن نساند الدولة والمجتمع أصحاب الأفكار النبيلة والعزيمة القوية والرؤية السليمة لظروف مجتمعنا. أصحاب الرغبة الحقيقية فى العمل فى صمت، لا أشك على الإطلاق فى وجود الخير كقيمة أصيلة فى مجتمعنا رغم كل عيوبه لكن الخير فى حاجة لإدارة حاسمة.
أظننا بحاجة لحكومة ظل تتبنى سياسة مغايرة لما نحن عليه الآن، يكون الهدف منها اقتراح سياسات غير تلك التى تنتهجها الحكومات الحالية، يغلب عليها فكر العلم والرؤية الإنسانية لحياة الإنسان المصرى.
ويحظر تماما على أعضائها الإعلان على أنفسهم أو الظهور فى وسائل الإعلام.
يظل سؤال واحد جدير بالبحث عن إجابة: من يختارهم؟ أم نتركهم ليختاروا أنفسهم؟