أحد أصدقائى سحب اعترافه بالديمقراطية فى اليومين الماضيين.. الصديق كان يتمنى فوز مرتضى منصور برئاسة نادى الزمالك، وسامح عاشور بمنصب نقيب المحامين.. ولأن ذلك لم يحدث، وفاز ممدوح عباس وحمدى خليفة بالمنصبين، فقد سارع الصديق بصب جام غضبه على الديمقراطية موجهاً إليها كل اللعنات التقليدية من قبيل إنها لا تعترف بالكفاءات والخبرات نهاية بأنها تسمح للرعاع وذوى الصوت العالى والصاخب والأثرياء بالقيادة.
صديقى ليس استثناء فى عدم الاقتناع بجدوى الديمقراطية، فالذين يؤمنون بنفس رأيه كثيرون، كما أن تربة الديمقراطية فى مصر لاتزال هشة، لأننا لم نعرف طريقة زرعها حتى الآن، ناهيك عن كيفية متابعة نموها حتى نجنى ثمرها.
للديمقراطية مئات وربما آلاف الأخطاء، ويمكن الحديث عن مثالبها فى مجلدات، لكن كل كوارثها تصبح نعمة عندما نقارنها بالنظم التى تحكم العالم الثالث والمتخلف.
فى لحظة من اللحظات كدت أكفر بالديمقراطية، لأن الجمعية العمومية لنادى الزمالك انتخبت قبل سنوات مرتضى منصور رئيسا للنادى، ولولا هذه الديمقراطية ما جاء مرتضى رئيسا.
فى تقديرى الذى لايلزم أحدا ولا يسىء إلى منصور، فإن انتخاب حسن حمدى لرئاسة الزمالك سيكون أرحم بالنسبة لى كزملكاوى من مرتضى منصور، الذى لا أشك أنه يحب الزمالك، لكنه الحب المدمر.
ورغم ذلك، فإن الأعضاء الذين انتخبوا مرتضى قبل ذلك هم الذين أسقطوه قبل يومين، وما كان لأحد أن يعرف حقيقة الشخص، إلا بعد تجريبه.
لا أعرف حمدى خليفة، وكنت أتمنى شخصيا فوز سامح عاشور، الذى خسر المنصب، لأن «دبة» الحزب الوطنى قتلته بعد الدعاية المتكررة بأن أحمد عز يدعمه، لكن من الجيد أن ينتخب المحامون شخصا جديدا، حتى لو كان إخوانيا أوحتى بوذياً، حتى يدرك الجميع أنه لا شخص مخلداً أو أنه يضمن كرسيه لأنه نسق مع الأستاذ الفلانى أو الجهاز العلانى.
الديمقراطية هى التى أتت بهتلر والحزب النازى إلى حكم ألمانيا فى أوائل الثلاثينيات، مما تسبب فى كارثة الحرب العالمية الثانية، لكنها من جانب ثان هى التى تمنع انتخاب هتلر جديد، فى معظم أنحاء العالم.
تخيلوا لو أن الشاذلى بن جديد والجيش الجزائرى امتثلا لحكم صناديق الانتخابات وسمحا لجبهة الإنقاذ الإسلامية بالمشاركة فى الحكم فى أوائل التسعينيات.. فى أسوأ الأحوال كانت الجزائر ستتخلف، لكنها كانت ستوفر حياة مئات الآلاف من الأشخاص الذين سقطوا فى حرب عبثية بين الجيش والإسلاميين، لو تم هذا السيناريو الافتراضى كان بإمكاننا وقتها أن نحكم ونعرف هل يؤمن الإسلاميون بالديمقراطية فعلا، أم لا؟، فيتم تغييرهم سواء بصناديق الانتخاب أو بأى طريقة أخرى.
ولكى نقرب الأمر أكثر.. تخيلوا أننا فى شركة أو مؤسسة.. أيهما أفضل .. أن يظل يحكمها شخص بصورة ديكتاتورية عشرات السنوات ــ حتى لو كان جيدا ــ أم يتم تداول السلطة فيها طبقا لرأى ورغبة أعضائها..؟ شخصيا أفضل رئيس «نص نص» يمكن تغييره بدلا من رئيس «كامل الأوصاف» يظل «كابسا» على أنفاسنا حتى يفرق بيننا عزرائيل.