لماذا توتر الرئيس؟ - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا توتر الرئيس؟

نشر فى : الأربعاء 31 مايو 2017 - 9:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 مايو 2017 - 9:10 م
«الأوضاع الاقتصادية فى غاية الصعوبة.. ولم نخرج بعد من مرحلة عنق الزجاجة، ولا يوجد تحدٍ حقيقى يواجه الحكومة باستثناء هذه الأزمة وآثارها المتعددة».
الكلام السابق لخبير اقتصادى مرموق، سمعته منه فى معرض تعليقه على انفعال الرئيس عبدالفتاح السيسى على أحد نواب محافظة دمياط يوم الثلاثاء قبل الماضى.
النائب كان اقترح على الرئيس تأجيل الزيادة المتوقعة فى أسعار الوقود، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى ثلاثة آلاف جنيه، فرد عليه الرئيس منفعلا بقوله «إنت مين»، ثم طلب من الذين يتحدثون فى مثل هذه القضايا ان يكونوا ملمين بها اولا.
كنت موجودا فى دمياط وقتها، وعندما سألتنى الإعلامية الكبيرة لميس الحديدى هاتفيا فى الليلة نفسها عن رأيى: قلت إن النائب لم يخطئ، وما طرحه يقوله كثيرون فى أوساط النخبة، خوفا من انفجارات اجتماعية.
أعود إلى كلام الخبير الاقتصادى الذى يرى أن الرئيس معروف بالهدوء الشديد والإنصات، والآن وبعيدا عن «قلش وهرى وتهريج رواد السوشيال ميديا على هذه الحادثة»، ينبغى أن نفكر فيها بهدوء، بعيدا عن المكايدة السياسية والتربص. وإذا فعلنا ذلك طبقا للخبير ــ فالمعنى الوحيد لانفعال الرئيس هو حدة الأزمة الاقتصادية التى نعيشها.
فى تقديره أن الرئيس أمامه كل الأرقام والبيانات، التى تظهر ضرورة السير فى برنامج الإصلاح الاقتصادى من دون إبطاء وإلا انتكس البرنامج بأكمله وساءت الأمور إلى الأسوأ.
رجل أعمال كبير أيضا تصادف أننى تحدثت معه فى التوقيت نفسه، فقال لى كلاما مشابها خلاصته أن الأزمة داخل الهيئات الاقتصادية وصلت لمستوى غير مسبوق باستثناء هيئة قناة السويس، لدرجة أن بعض البنوك لا تريد إقراض هذه الهيئات، لأن الأخيرة وصلت إلى الحد الأقصى فى الاقتراض. يضيف ان معظم ميزانيات هذه الهيئات يتوجه إلى بند الأجور، وجزء معتبر منها يذهب لكبار الاداريين وليس الفنيين. وليس سرا أن هيئات بل وزارات كثيرة لم تعد قادرة على توفير كامل رواتب موظفيها.
فى تقدير هذا المستثمر ــ المطلع بدقة على أوضاع الاقتصاد وعلاقته بالسياسة ــ لا توجد بدائل كثيرة أمام الحكومة سوى رفع الأسعار عبر تخفيض الدعم، وبيع بعض الاصول لتخفيض المديونية، والتقشف الذى يشمل اعادة هيكلة المؤسسات، وتخفيض عمالتها، وإلا فالبديل سيناريوهات صعبة جدا. يضيف: «أعتقد أن كل هذه المعانى كانت فى ذهن الرئيس وهو يحتد على النائب بشدة، لأن ما يطلبه النائب هو عكس ما يفترض أن يتم من وجهة نظر الحكومة والرئيس والواقع.
ما قاله النائب يصادف هوى شعبيا كبيرا بطبيعة الحال، ويصادف هوى أكبر لدى كل المعارضين، فرفع الحد الأدنى للأجور ثلاثة آلاف جنيه، أمر مثالى، لكن ــ والكلام لرجل الأعمال ــ من أين ستأتى الحكومة بهذا المبلغ؟!. إذا كانت الحكومة تحملت أعباء صعبة لترفعه إلى ١٢٠٠ جنيه، ولم تستطع أن تقنع القطاع الخاص بتطبيق هذا الحد على موظفيه، فكيف سترفعه مرة أخرى إلى ٣٠٠٠ جنيه؟!!. الحل الأمثل من وجهة نظر الخبير الاقتصادى هو ما فعلته الحكومة يوم الإثنين الماضى حينما قررت حزمة مالية بقيمة 43 مليار جنيه تتضمن رفع مخصصات برنامجى تكافل وكرامة، وزيادة المعاشات بنسبة ١٥٪، وزيادة نسبة الإعفاء الضريبى، وإقرار علاوة ١٠٪ لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية و٧٪ علاوة عادية.
هذه الاموال تذهب مباشرة للمستحقين من محدودى الدخل، بعيدا عن «بلاعة الدعم التى تشفط المليارات لغير المستحقين»، كما انه يستحيل رفع الحد الأدنى للأجور ليصبح ٣٠٠٠ جنيه، لعجز الميزانية الفادح، وحتى اذا حدث نظريا فسوف يبتلعه التضخم، لأن المهم زيادة الإنتاج قبل زيادة الاجور حتى لا يزيد التضخم.
مرة أخرى الأزمة ما تزال مستمرة، رغم أن هناك تقديرات تقول إننا اجتزنا الجانب الأصعب فيها، حينما تم تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الوقود فى ٣ نوفمبر الماضى. لكن بقيت نقطة الانطلاق التى تتمثل فى تشجيع الاستثمارات المحلية اولا، ومعها الأجنبية وزيادة السياحة، وافتتاح مشروعات إنتاجية جديدة توفر المزيد من فرص العمل وتقوم بالتصدير للخارج. وإلى أن يحدث ذلك فسوف تظل الأعصاب مشدودة ومتوترة، لكن علينا الانطلاق والتحرك بسرعة حتى نقطع الطريق على الإرهابيين والمتطرفين ومن يدعمهم، ولكى يحدث ذلك فلابد من ادارة الازمة بصورة صحيحة.

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي