اللقاحات وأزمة المصداقية فى الغرب - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 7:55 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللقاحات وأزمة المصداقية فى الغرب

نشر فى : الإثنين 31 مايو 2021 - 7:55 م | آخر تحديث : الإثنين 31 مايو 2021 - 7:55 م
نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للخبير الاقتصادى محمد العريان، يقول فيه إن سوء توزيع اللقاحات على البلدان أدى إلى إضعاف الثقة فى النظام الدولى، مما يوجه بالتبعية ضربة قوية إلى استمراريته وهذا بالتأكيد سيناسب الصين لفضل تنامى قوتها الاقتصادية... جاء فيه ما يلى.
يعتمد الأداء السليم لأى نظام اقتصادى مترابط على الثقة. كما يتطلب النظام العالمى الذى تم تصميمه من قبل الاقتصادات المتقدمة مستوى عالٍ من المشاركة من قبل العالم النامى. لقد أصبح كل منهما أكثر أهمية مع اكتساب المزيد من الاقتصادات النامية، بقيادة الصين، أهمية منهجية.
فى ظل محاولة العالم الانتعاش من الأزمة الاقتصادية الهائلة الناجمة عن فيروس كورونا، أدى سوء إدارة عملية توزيع اللقاحات العالمية إلى إضعاف الثقة فى النظام الدولى الذى نشأ بعد الحرب العالمية الثانية. إلى جانب ذكريات الأزمة المالية العالمية لعام 2008، والتى نشأت فى الاقتصادات المتقدمة، تُعزز الإخفاقات الحالية الشكوك بين بعض البلدان بأن النظام الدولى ربما لم يعد مناسبًا للغرض. يتعين على الغرب، على وجه الخصوص، أن يأخذ هذه المخاوف على محمل الجد. نظرًا إلى غياب نظام متعدد الأطراف آخر ليحل محل النظام الحالى، فإن البديل الوحيد يتلخص فى سيناريو الانقسام العالمى والتوترات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المُتصاعدة.
على الرغم من أن المملكة المتحدة كانت متقدمة على معظم البلدان الأخرى فى تطعيم سكانها، إلا أن كفاحها للحد من الإصابات المُرتبطة بالسلالة الهندية الجديدة B.1.617.2 يُعد بمثابة تذكير فى الوقت المناسب بأنه لا يوجد أحد فى مأمن حتى يكون الجميع آمنًا. وكما أشار رئيس الوزراء البريطانى السابق جوردون براون، ففى حين تلقى «ما يقرب من نصف مواطنى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اليوم جرعة واحدة على الأقل» من لقاح كوفيد 19، فإن هذا الرقم ينخفض إلى 11٪ فى الهند. وفى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لم يتلقَ سوى 1٪ من السكان الجرعة الأولى.
فى حين ساهمت المشاكل الخاصة ببلدان مُعينة فى سوء إدارة وعدم كفاءة توزيع اللقاحات فى بعض الاقتصادات النامية، فإن المشكلة الحقيقية تكمن فى عدم كفاية الإمدادات. وكما أشارت الأمم المتحدة فى مارس، «تمتلك عشر دول غنية فقط ما يقرب من 80٪ من جميع لقاحات كوفيد 19». وقد سمح لها ذلك بالبدء فى تلقيح حتى الفئات المُستضعفة من سكانها ــ بمن فيهم الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة ــ بينما لا يزال مليارات الأشخاص فى العالم النامى غير محميين تمامًا. يُقدر صندوق النقد الدولى أن البلدان التى لديها مخزونات كبيرة من اللقاحات يمكن أن تتبرع بمليار جرعة فى عام 2021 دون تقويض أولويات التطعيم المحلية.
علاوة على ذلك، قامت العديد من الاقتصادات المتقدمة بجمع فائض هائل من اللقاحات حيث تُخطط لجولة من التعزيزات (جرعات إضافية) فى فصل الخريف. ويؤكد عدم كفاية التمويل المُقدم لمرفق كوفاكس، وهو برنامج المجتمع الدولى لضمان الوصول العالمى المنصف للقاحات، تردد هذه البلدان فى مساعدة بقية دول العالم. لكن هذا ليس مجرد فشل معنوى وأخلاقى، بل هو فشل عملى أيضًا. ووفقًا لأبحاث صندوق النقد الدولى، فإن تمويلا إضافيًا بقيمة 50 مليار دولار لجهود التطعيم العالمية من شأنه أن يحقق 9 تريليونات دولار من الفوائد الاقتصادية.
وكلما تعثرت عملية توزيع اللقاحات العالمية، زاد الضرر طويل المدى الذى يُلحق نظام دولى مُرهق بالفعل. يتمحور هذا النظام، الذى تم تصميمه منذ ما يقرب من 80 عامًا، حول الاقتصادات المتقدمة التى قدمت تاريخيًا «منافع عامة» رئيسية، مثل عملة دولية مستقرة (الدولار الأمريكى) وتمويل ضخم للمؤسسات مُتعددة الأطراف. فى مقابل هذه المساهمات، تمتعت الاقتصادات المتقدمة بامتيازات هائلة، بما فى ذلك حق النقض بحكم الأمر الواقع على قضايا الحوكمة العالمية، ورسوم سك العملات، وانخفاض تكاليف التمويل اليومية (من خلال العمل كوجهة لمدخرات الآخرين).
ومع ذلك، فى حين يمنح النظام الدولى فى فترة ما بعد الحرب الاقتصادات المتقدمة نفوذًا غير متناسب فى الشئون العالمية، فإن مصداقيتها وأداءها الأساسى يعتمدان فى النهاية على ما إذا كان قادتها يتصرفون بمسئولية. أشارت الأزمة المالية لعام 2008 إلى أنهم لم يتصرفوا على النحو المرغوب، وقد أدى اعتماد العالم الغنى المُطول والمُفرط على مزيج من السياسات التى تعتمد اعتمادًا مُفرطًا على السياسة النقدية منذ ذلك الحين إلى تفاقم الضرر الذى لحق بمصداقيتها.
وفى ظل هذه الخلفية، من شأن عملية توزيع اللقاحات غير المتوازنة وغير العادلة وغير الفعّالة أن تُوجه ضربة قوية إلى استمرارية النظام على المدى الطويل. من المؤكد أن ذلك يُناسب الصين. وبفضل تنامى قوتها الاقتصادية ونطاقها العالمى، ظلت تتحدى بشدة شرعية وجاذبية النظام الذى يهيمن عليه الغرب، والذى تصفه بأنه غير موثوق به ويعتمد على علاقات غير متكافئة مع البلدان النامية.
ومع ذلك، نظرًا إلى عدم قدرة المرء على استبدال شىء ما بلا شىء، فقد كانت النتيجة تطورًا بطيئًا ولكنه ثابت لنوع من النظام الهجين. لا يزال نظام ما بعد الحرب قائما، لكن هيمنته تتآكل تدريجيا بسبب انتشار الترتيبات التى تتجاوز جوهره. تشمل الأمثلة المؤسسات الجديدة متعددة الأطراف (مثل البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية وبنك التنمية الجديد)، والخطط الإقليمية الجديدة (لاسيما مبادرة الحزام والطريق الصينية)، وصفقات تجارية واستثمارية ثنائية جديدة.
وبسبب هذه التطورات، ضعفت العملية الشاملة للاقتصاد العالمى، مع عواقب وخيمة على الجميع. وكلما طال تأخر التلقيح فى أجزاء كثيرة من العالم النامى، كلما زاد الضغط على الدول التى تم تلقيح سكانها لتبنى عقلية التحصين. نظرًا إلى تفكك النظام الدولى، فقد يُصبح أقل استقرارًا، مما يُقلل من احتمالات تحقيق نوع النمو العالمى المتزامن المطلوب لتحسين أداء البلدان الفردية. علاوة على ذلك، مع استمرار تآكل الثقة فى النظام، ستواجه الاقتصادات المتقدمة تحديات إضافية فى الأمن القومى.
إن الثقة سلعة ثمينة: من الصعب تأسيسها، ومن السهل تآكلها، ومن الصعب للغاية استعادتها. على الرغم من أن النظام الدولى الحالى أبعد ما يكون عن الكمال، إلا أنه أفضل من أى من البدائل، ولا يزال قابلا للإصلاح بشكل بارز. يجب على الاقتصادات المتقدمة ألا تعرضه للخطر من خلال تأخير جهود التلقيح العالمية.

النص الأصلى:

التعليقات