يشكو الشيوخ والشباب على حد سواء من سرعة مرور الوقت. يبدأ الأسبوع وينتهى فلا يذكرون كيف مرت أيامه يوما بعد يوم. يعتقد بعض الشاكين أن للأمر علاقة بالعمر، فكبار السن، وأقصد الكبار جدا، يتصورون أن سرعة مرور الوقت علامة من علامات تقدم العمر، بينما يعتقد بعض صغار السن، وأقصد من هم من غير الكبار جدا، أن الظاهرة علامة أخرى من علامات انتشار فيروسات لها صلة بالعولمة ووسائط الاتصال الإلكترونى. بعض آخر يعتقد أنها دليل على أن الجيل الجديد، وبلغة الثورة، «هرم» قبل الأوان.
●●●
خطر على بالى السؤال التالى: لماذا ونحن صغار، كنا نأسف على صيف مر علينا سريعا، أو على عطلة ممتعة قضيناها فى ربوع جبال أو بمخيم وسط غابة من الغابات، وكم تمنينا لو امتدت. كم تمنينا أن تتوقف عجلة الزمن عند صيف بعينه أو عند لحظة بعينها. ورغم حرصنا على دعوة الزمن ليبطئ سرعته كنا فى المرحلة نفسها، أى فى زمن الصغار، ندعو الوقت ليسرع حتى تنتهى السنة الدراسية، وحتى نزداد طولا وينبت لنا شعر فى الوجه إن كنا صبيانا أو تتغير معالم الجسد إن كنا صبايا. أكرر السؤال، لماذا نريد الوقت يمر سريعا فى حاله ونريده يمر بطيئا فى حالة أخرى؟ والسؤال التابع للسؤال الرئيس هو: لماذا يبدو لنا أحيانا الوقت وقد مر سريعا ويبدو لنا فى أحيان أخرى وقد مر بطيئا؟
●●●
قرأت اجتهادات توصل إليها مارك وايتمان، الأستاذ بإحدى جامعات ألمانيا، والأستاذة الفرنسية سيلفى دروا فاليه، وجدت بينها ما يستحق التأمل فيه.
1ــ للعواطف دور يؤثر فى إدراك الناس بالوقت. مثال ذلك عندما نتوتر وننفعل يزداد شعورنا بأن الوقت يمر بسرعة شديدة. أستطيع بفضل هذا الاجتهاد أن أفهم لماذا يشعر المصريون كافة الآن بسرعة مرور الوقت وبحالة الرغبة الجامحة فى التغيير والميل للتصادم والاشتباك والتصلب فى الرأى. أفهم أيضا اختلاف إدراك الوقت عند الفرد الواحد، بين يوم قضاه أمام التليفزيون أو مشاركا فى مظاهرة وحشد ويوم قضا منعزلا أو معزولا.
2 ــ يبدو الوقت بطيئا لكل من يدخل تجربة جديدة بتفاصيل غير معهودة أو نتائج غير مسبوقة، مثل معظم التجارب التى دخلناها ونحن فى الطفولة والمراهقة. مثال على ذلك أن اليوم الأول فى الجامعة يبدو لى حتى الآن كواحد من أطول أيام عمرى، وكذلك يوم استلامى الكتب المدرسية، وكل يوم من أيام رحلتى فى بلاد النوبة بأقصى جنوب السودان ولم اتجاوز السادسة عشرة. كثيرون يدركون الآن كم كان طويلا يوم استلامهم العمل الجديد. أنا شخصيا مازلت اتذكر كيف كان طويلا وحافلا بالمفاجآت، يوم تلقيت أول درس فى السباحة فى مياه شاطئ سيدى بشر ويوم سبحت منفردا فى اتجاه الصخرة الشهيرة، كذلك اشعر أن الوقت مر بطيئا للغاية خلال رحلتى، الصعبة والشيقة معا، بين مدينتى كانتون وبكين فى أول أيام مهمتى فى الصين.
بمعنى آخر، يبدو أن الشعور ببطء مرور الوقت يرتبط بكل علاقة جديدة يعيشها الإنسان وأى عمل جديد وأى تجربة جديدة يدخلها تشد اهتمامه وتثير فضوله. الفضول والاهتمام وتركيز الانتباه عوامل ضرورية، بل وكافية أيضا، ليتولد الشعور بأن الزمن يمر بطيئا.
3ــ يشعر كبار السن بسرعة مرور الوقت أكثر من غيرهم، لأن نسبة منهم تتكاسل ولا تبذل جهدا مناسبا لمواصلة تنفيذ مهمة الإنسان فى اكتشاف الجديد، مقارنة بنسبة عالية جدا من الصغار الذين يريدون دائما اكتشاف شىء جديد فى أنفسهم وأجسامهم وحياتهم والطبيعة المحيطة بهم. الكبار، وأقصد الكبار جدا، هم عادة أقل فضولا، وهو ما يعنى فى الحقيقة أنهم صاروا أقل تركيزا وانتباها وبالتالى صار الوقت بالنسبة لهم يمر بسرعة. قلة من هؤلاء الكبار جدا هى التى تواظب على ممارسة التعلم والتقيد بقاعدة «أن اليوم الذى يمر دون أن أتعلم شيئا جديدا، يوم مخصوم من عمرى». جاء فى أحد اجتهادات البروفيسور وايتمان أن الاحساس ببطء مرور الوقت يزداد لدى من يقرأ فى العلوم ويهتم بالاكتشافات، بينما يحس بسرعة مروره كل من يواظب على قراءة حكايات النميمة وقصص المشاهير والنجوم.
●●●
خلصت الاجتهادات إلى النصائح التالية لكل من يريد إبطاء سرعة مرور الزمن ويستمتع بكل دقيقة من حياته: (1) أن يكثر من التجارب. يشاهد أكثر ويسافر ويصاحب ويسمع ويسجل ليحكى للآخرين. (2) أن يذهب فى رحلاته إلى أماكن غير مطروقة ويأكل أكلات غير شائعة ويجرب تعلم لغة أجنبية بعد أخرى أو مهنة بعد أخرى أو يواظب على تغيير مسئولياته ووظائفه. (3) ان يقرأ فى العلوم وعجائب التاريخ والجغرافيا وتطور الإنسان، ويقلل من قراءة الروايات البوليسية وقصص الإثارة. (4) أن يسعى وراء المفاجآت. بمعنى آخر أن يسعى دائما وراء تجارب جديدة. ففى كل تجربة جديدة مفاجأة سارة أو تعيسة، وكلاهما مفيد ليكون للحياة معنى. مشكلة بعض الكبار، مرة أخرى أقصد الكبار جدا، اعتقادهم انهم شاهدوا كل شىء ويعرفون كل شىء. هؤلاء ينتهى بهم الأمر إلى الشكوى الدائمة من سرعة مرور الوقت، وهو جزاء استحقوه عندما امتنعوا عن المخاطرة بدخول تجارب جديدة وإقامة علاقات جديدة حافلة بمفاجآت مثيرة.
●●●
كثيرون فى مصر، من مختلف الأعمار، يعتقدون أن الوقت يمر بسرعة لم يألفوها. هؤلاء ربما صاروا يعتبرون الثورة أمرا عاديا ومفاجآتها تطورات متوقعة. الثورة بالنسبة لهم صارت نمط حياة. هنا يكمن الخطر، وربما الأمل.