لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. ذلك النداء الأثير الذى يتنزله الوجدان.. ويجاوبه القلب إجلالا لتلك الشعائر الفريدة التى تجمع مسلمى العالم فى وقت وتوقيت واحد مرة فى كل عام: شعائر الحج المقدسة حظى بها هذا العام عشرة آلاف حاج فقط تعلقت بهم قلوب كل المسلمين وأفئدتهم.
ضربت العربية السعودية هذا العام فى موسم الحج مثلا أذهل العالم استطاعت أن تحكم فاعليات ذلك الحدث العظيم وتتحكم بها فى صورة بالغة القوة مستخدمة أعلى برامج وتقنيات العلم الحديث التى تتيح الوقاية من الإصابة بعدوى فيروس كوفيد ١٩.
اقتصر الحج هذا العام على عشرة آلاف حاج فى مقابل ثلاثة ملايين حاج فى أعوام سابقة. فرضت السعودية شروطا واضحة فاقتصر هذا العدد على السعوديين أنفسهم ومن يقيمون فيها من جنسيات مختلفة.. عشرة آلاف حاج يقوم على خدمتهم وأمنهم وتوفير احتياجاتهم ستون ألفا من رجال الأمن ومقدمى الخدمة الطبية.
بدأت استعدادات الحج بالكشف على كل الحجاج للتأكد من خلوهم من المرض وتسليم كل حاج حقيبة بها كل ما يضمنه سلامته وسلامة رفاقه من الحجيج: تحتوى تلك الحقيبة على:
* سوار رقمى يمكن المراقبين من رصد حركة الحجاج وقت تأدية الشعائر لتفادى الزحام وما قد ينجم عنه من تداعيات.
* ملابس إحرام كاملة مزودة بشريط فضى يعمل بتقنية النانو مضاد للميكروبات.
* جمرات معقمة لرجم الشيطان.
* مجموعة كتيبات تشرح الممارسات الصحية السليمة لمكافحة العدوى وتشمل كل المعلومات المفيدة للحجاج من وسائل المواصلات والمستشفيات ووسائل المعاونة الممكنة إذا ما أحس أحدهم بأى أعراض من ارتفاع درجة الحرارة أو احتقان الزور إلى جانب معلومات مفيدة لكبار لسن ومرضى السكر وارتفاع ضغط الدم.
* توجيهات للعزل بعد الحج لسبعة أيام وكيف يمكن أن يتم هذا بأمان.
* توجيهات لإدارة كيفية التباعد الاجتماعى أثناء أداء شعائر الحج إلى جانب توجيهات خاصة بعدم لمس الكعبة أو الحجر الأسود.
جاء الحج هذا العام فى صورة فريدة لم يألفها العالم ولم يتوقعها فى يوم ما.. تعطل الحج مرات سابقة على مر التاريخ لأسباب قاهرة منها نشوب الحروب ومداهمة قطاع الطرق لأفواج الحجيج.. أيضا لانتشار الأمراض الفتاكة ومنها الطاعون لكن البشرية لم تواجه من قبل مثل ذلك الفيروس الذى لا يرى بالعين المجردة ولا يعرف الإنسان إلى الآن كيف يدافع عن نفسه أمام ذلك الهجوم المباغت الذى يحاصره دون أن يرى له أثرا.
مازال خطر العدوى معلقا فوق رءوسنا جميعا رغم كل ما ندعيه من علم ومعرفة.
أتم أولئك الذين حالفهم الحظ أداء شعائر الحج هذا العام بلا مشقة تذكر بأنفسهم وعلى أقدامهم بينما تعلقت قلوب كل مسلمى العالم بعرفات آملين أن يمنحهم الله سبحانه وتعالى أملا فى أن يلبو النداء فى أعوام قادمة بإذنه.
تحية واجبة للعربية السعودية التى ضربت مثلا رائعا فلم تعطل أعظم الشعائر الإسلامية بل منحت الجميع فرصة الحج والحق فى العيد.. عَلَّ هذا المثل يظل تجربة رائدة تمكننا بالفعل من تحقيق ما نتمناه من تجديد الخطاب الدينى فى ظل وجود ما نحترم من التراث ونجل.
عيد أضحى مبارك للجميع تحدى فيه الإنسان الخطر بكل ما يملك من إيمان وعلم فى طاعة الله سبحانه.. حج مبرور لكل من أقام الشعائر فى ظل تلك الممارسات الصحية أيضا لكل من تمنى على الله الحج فأذن له أن يحج من منزله ومن رحاله بقلبه وهذا والله ليس أضعف الإيمان إنما أعظمه.
كل عام والعالم إن شاء الله بخير.