لم تمنعنا القضايا الخارجية المتواترة والمعقدة على المستويين الإقليمى والدولى، من التحرك ناحية الداخل وترقب الاستحقاق السياسى المهم والمتعلق بالانتخابات البرلمانية، خصوصا ما أثير حول احتمالية إجرائها على مرحلتين: انتخابات مجلس الشيوخ ليعقبها انتخابات النواب، وربما تبدأ الاستعدادات لجميعها نهايات العام الجارى، حيث يوشك البرلمان الحالى على الانتهاء من الفصل التشريعى 2021_2026، وإن لم تصاغ تعديلات القوانين الجديدة، أو حتى تم تحديد موعد الانعقاد.
إن مهام ومدى فعالية هذه النوعية من السلطات السياسية تقتضى تحديث مفاهيمها وأطرها من حيث حجم المساهمات الدستورية والخبرة التشريعية للأعضاء وطبيعة الخطوط السياسية ما بين الأحزاب والتحالفات، إلى جانب حجم المساهمات الدستورية، والأهم التركيبة المؤسساتية والهيكلية للبرلمان نفسه، مع طبيعة صلاحياته وأدواره، ومن ثم تبرز فعاليته فى تجاوره والسلطة التنفيذية، من حيث تحقيق أوجه التنمية وبما يخدم على مختلف نواحى المجتمع سياسيا، اقتصاديا، عسكريا، وحتى مجتمعيا وثقافيا، ومن ثم تسهيل حياة الأفراد.
تكثر الاجتهادات حول الآليات التى تعقد من خلالها الانتخابات البرلمانية، كونها تجرى عبر مجموعة من الإجراءات المعقدة والمركزة، غير أن النظم الانتخابية والسائدة حسبما ينص الدستور، تقتضى تقسيم الجمهورية 4 دوائر، ويكون النظام الانتخابى 50% للقوائم المغلقة المطلقة، و50% للنظام الفردى، ما يسهم فى الدفع بالعديد من الفئات سواء المنصوص عليها فى الدستور أو الأحزاب الضعيفة، ويمنح الفرص للتمثيل الأنسب لمختلف القوى السياسية والحزبية، وإن اعتبر ضمن نظم إهدار الأصوات، وهنا يحضرنا تسليط الضوء على أنظمة الانتخابات البرلمانية والمعمول بها فى مصر تحديدا، فإلى جانب التقسيم النصفى ما بين نظامى القوائم والفردى، ثمة نظام آخر يقتضى القائمة النسبية بنسبة 100%، فى 15 دائرة انتخابية، بمعدل 40 مقعدا انتخابيا لكل دائرة انتخابية، طبعا مع الاحتفاظ بالتمييز الإيجابى والكوتة للنساء والفئات المنصوص عليها فى الدستور المصرى، ليصبح تمثيل النساء فى كل قائمة ما يعادل 10 مقاعد فى كل دائرة انتخابية، طبعا بإمكان هذه النوعية من النظم الانتخابية خلق حالة من التعددية من مختلف التيارات والقوى السياسية، وإن اعتبر من أصعب النظم الانتخابية وأكثرها تعقيدا كما تبرز برلمانا يفتقر للتجانس.
ثمة نظام ثالث يعرف بـ«المختلط» فيه يتم الجمع ما بين القوائم المطلقة والنسبية وأيضا النظام الفردى، ومن ثم تكون النسب 25%، 25%، 50% على الترتيب، وهنا أيضا لا بد من استيفاء نسبة المرأة فى القوائم، وربما اختيار نظام بعينه يتوقف على الطبيعة السياسية والاجتماعية للمجتمعات، ولعل تركيبة البرلمان لا تملك الدفع والارتقاء بالسلطة التشريعية، ما لم تتمكن من إضفاء جرعات تشريعية كفيلة بتحسين جودة حياة الأفراد، وعلى كل المستويات، وهذه طبعا الأولويات، والأهم أيضا تأطير مبادئ السياسات العامة للدولة فى أطر دستورية كفيلة بلعب الدور التشريعى وعلى نحو يحقق قدرة البرلمان على التمثيل الحقيقى للأفراد ومن ثم كسب ثقتهم، والأهم التمتع بالقدرات والإمكانات التشريعية والرقابية، بل وأيضا الدبلوماسية من أجل الانفتاح على البرلمانات الإقليمية والدولية.
• • •
إن كانت المعايير الديمقراطية تقتضى خلق التوازنات ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مع استقلال القضائية، فإن نفس المعايير تستوجب أيضا استقلالية فى التشريع لا تقل فى مضامينها عن استقلالية القضاء، تحديدا فى أداء البرلمان لدوره إن كان سن التشريعات أو اعتماد الموازنات، والأهم مراقبة ممارسات الحكومات ودون أية توجيهات، سيما أن مفاهيم التنمية المستدامة والتى تمت صياغتها من أجل تعزيز جودة حياة الشعوب والارتقاء بها، لن تتحقق بغير سن التشريعات اللازمة لدعمها، أيضا تحديد أولوياتها من خلال مراجعة الموازنة العامة، والانتهاء منها وعبر اعتماد الخطة العامة، فوفقا للمادة 124 من الدستور يعرض مشروع الموازنة على مجلس النواب قبل تسعين يوما - على الأقل - من بدء السنة المالية، ويتم التصويت عليه بابا بابا، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها، ولا يجوز أن يتضمن قانون الموازنة أى نص يكون من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة، كما يجب وفقا للمادة 125 من الدستور عرض الحساب الختامى للموازنة العامة للدولة على مجلس النواب خلال مدة لا تزيد عن ستة أشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية.
غير أن إعمال الرقابة على السلطة التنفيذية ومتابعة سياساتها من حيث كيفية وآنية تنفيذ الأولويات، للتخديم على هذه التنمية وآلياتها، ما يتحقق من خلال طلبات الإحاطة والاستجوابات، حيث تنص المادة 101 من الدستور الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية عبر هذه الطلبات والاستجوابات وتقصى الحقائق فى القضايا المختلفة، ومن ثم يقر المجلس ما يراه مناسبا، ووفقا للمادة 131 من الدستور فإن لمجلس النواب أن يقرر سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم، على أن يكون ذلك عقب الاستجواب وبناء على اقتراح عُشر أعضاء المجلس على الأقل، ويكون سحب الثقة بأغلبية الأعضاء، وإذا كان قرار سحب الثقة متعلقًا بأحد أعضاء الحكومة، وجبت استقالته، فإذا أعلنت الحكومة تضامنها معه قبل التصويت، وجب أن تقدم الحكومة استقالتها.
• • •
ربما حتمية استقلال الأجهزة التشريعية تبرز فى مهامه الأصيلة من حيث سن التشريعات، وبموجب المادة 226 من الدستور، يحق لرئيس الجمهورية، أو لخمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، مع ذكر المواد المطلوب تعديلها وأسباب التعديل فى الطلب، وعلى مجلس النواب مناقشة الطلب خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول الطلب كليا أو جزئيا بأغلبية أعضائه، وإذا رفض الطلب، لا يجوز طلب تعديل ذات المواد قبل حلول دور الانعقاد التالى.
يبرز اعتماد قرارات الحرب وحالات الطوارئ فى مقدمة مهام السلطة التشريعية، فلا يعلن رئيس الجمهورية الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة فى مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثى الأعضاء، وفى حالة ما إذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطنى، ووفقا للمادة 154 من الدستور، يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ بعد أخذ رأى مجلس الوزراء، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية، ليقرر ما يراه بشأنه، فإذا حدث الإعلان فى غير دور الانعقاد العادى، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورا للعرض عليه، وتجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثى عدد أعضاء المجلس، ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ .