ترامب.. والاستقطاب الأمريكى - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الإثنين 10 مارس 2025 12:03 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ترامب.. والاستقطاب الأمريكى

نشر فى : السبت 8 مارس 2025 - 7:15 م | آخر تحديث : السبت 8 مارس 2025 - 7:15 م

مساء يوم الثلاثاء الماضى، تحدث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أمام جلسة مشتركة لمجلسى النواب والشيوخ، وهو الخطاب الذى سبّب ضجة كبيرة داخل وخارج الولايات المتحدة. رغم أن هذا الخطاب لا يعد ضمن التقليد السنوى الذى يقوم به الرئيس الأمريكى تحت اسم «خطاب حالة الاتحاد» - على أساس أن الرئيس المنتخب حديثا لم يكن فى السلطة فى العام السابق ومن ثم فلن يكون لديه ما يقدمه عن حالة الاتحاد فى ذلك العام - إلا أن البعض تعامل مع خطاب ترامب بوصفه كذلك على اعتبار أن هذه ليست الفترة الأولى له فى الحكم.
أيا كان التوصيف المناسب لهذا الخطاب فلا شك أنه جاء مليئا بالإثارة سواء بسبب أسلوب ترامب المعتاد فى إظهار الثقة الزائدة بالنفس التى قد تصل إلى حد الغطرسة، أو بسبب المحتوى الجدلى للخطاب، وكذلك بسبب البيئة السياسية شديدة الاستقطاب التى سببها الخطاب سواء أثناء إلقائه أو بعده!
• • •
استغرق خطاب ترامب حوالى ساعة وأربعين دقيقة، فيما وصف بأنه ضمن أطول الخطب التى ألقاها أى رئيس أمريكى أمام الكونجرس، وقد قام ترامب فيه ليس فقط باستعراض ما فعله خلال أربعين يوما من توليه السلطة ولا ما ينوى فعله خلال السنوات الأربع القادمة، ولكنه قام أيضا وبأسلوب شديد السخرية والتهكم باتهام إدارة بايدن وكاميلا بالفشل، مدللا على ذلك بالعديد من الأرقام والإحصاءات فى كل المجالات تقريبا من السياسة إلى الاقتصاد، مرورا بالإدارة والرياضة، والطاقة، والصناعة، والتجارة!
بشكل غير مباشر اتهم ترامب سلفه بالفساد، ليعد الشعب الأمريكى بإعادة العظمة إلى الولايات المتحدة بعد ٤ سنوات من التعثر بسبب إدارة بايدن!
جاءت البيانات التى سردها ترامب لتشكل صدمة للعديد من المواطنات والمواطنين الأمريكيين، بين مصدق ومكذب لها، للدرجة التى دفعت جريدة نيويورك تايمز لنشر تقرير مطول، يوم الأربعاء الماضى، رصدت فيه ٢٦ حالة إما كذب فيها ترامب، أو ضلل من استمع له، أو حجب عن قصد السياق الأوسع للبيانات أو لم يقدم أى دليل لدعم هذه البيانات! لكن الجدل لم يتعلق فقط بالبيانات والأرقام، وإنما تعلق أيضا بالسياسة المحافظة التى أكدها ترامب فى خطابه بالإصرار على عدم اعترافه سوى بجنسين فقط «الذكر» و«الأنثى»، ورغم أن هذا لم يكن جديدا، لكنه تسبب فى صدمة كبيرة للتيارات الليبرالية والشبابية التى تعد قضية «التنوع» ضمن الأسس التى يقوم عليها المجتمع الأمريكى، والآن أصبحت أى مؤسسة أمريكية تعتمد على هذا التنوع والدمج كأساس للتوظيف أو الترقية معرضة للحرمان من الدعم الفيدرالى كما أوضح ترامب بجلاء وبتحذير من أى تحدٍ لقراراته!
بالطبع كان الحديث عن رفض هذا التنوع مبهجا ليس فقط للعديد من النواب الجمهوريين وعشرات الضيوف الذين حضروا الجلسة وقاموا عشرات المرات من مقاعدهم لتحية ترامب والتصفيق لما يقول، ولكن أيضا للملايين من المحافظين فى الشعب الأمريكى الذين يرون أن التيارات الليبرالية الأمريكية تمادت فى تحديها لقدسية القيم الدينية فى الحياة العامة وأن الوقت قد حان للعودة إلى القيم الأمريكية الأصيلة كشرط للتقدم الأمريكى والعودة إلى العصر الذهبى للعم سام!
كانت من الأمور الملفتة فى خطاب ترامب حرصه الشديد على توجيه التحية لعدد من الضيوف الذين حضروا الخطاب فى مقاعد الزوار وذلك بقصد ليس فقط التدليل على صحة مواقفه، ولكن أيضا للتأكيد على الجانب الشعبوى فى خطابه، بحيث يظهر مدعوما من العامة. فحينما تحدث عن إبعاد المهاجرين غير الشرعيين من البلاد فقد وجه التحية إلى روح طالبة التمريض فى ولاية جورجيا والتى تم قتلها على يد مهاجر فنزويلى غير شرعى، ثم نادى على أم الضحية وأختها ليقوم بالتصفيق لهما، فتعج القاعة بالتصفيق الحار! وحينما تحدث عن ضرورة طرد الذكور من المنافسات الرياضية للإناث - فى إشارة إلى رفض قبول المتحولين جنسيا فى الألعاب الرياضية - فقد نادى على فتاة من الحاضرين تعرضت لتصويبة قوية فى مباراة للكرة الطائرة من فتاة متحولة جنسيا، تعرضت على إثرها لشلل فى الجانب الأيمن من الوجه، فتقف الفتاة مثيرة تعاطف الحضور وتعج القاعة بالتصفيق الحار مرة أخرى وهكذا!
***
فى مواجهة ذلك شهدت قاعة الخطاب الكثير من الأعمال الاحتجاجية، فقام عدد كبير من النائبات الديموقراطيات بارتداء اللون الـ«بينك» كطريقة للاعتراض، فيما رفع عدد كبير من نواب الحزب الديموقراطى لافتات تحمل شعارات احتجاجية مثل «هذا كذب»، «ادعموا التأمين الصحى»، فيما تم طرد النائب الديموقراطى عن ولاية تكساس «آل جرين» من القاعة لمقاطعته خطاب ترامب أكثر من مرة معترضا على سياسات الأخير، بينما يشير إليه بالعصا التى يتكئ عليه قائلا «ليس لديك تفويض»!
كذلك فقد ترك عدد من النواب الديموقراطيين مقاعدهم فارغة، بينما حرص كل الحضور من الديموقراطيين على عدم الوقوف أو التصفيق كما فعل الأعضاء الجمهوريون تفاعلا مع الخطاب! كذلك وفى لقطة أخرى، قام نائب جمهورى بانتزاع ورقة رفعتها إحدى النائبات الديموقراطيات بالقرب من ترامب بينما يدخل الأخير القاعة، بها عبارة تقول «هذا غير معقول»، وقد حدث كل هذا أمام الكاميرات وعلى الهواء مباشرة! لم ينس ترامب بطريقته المتغطرسة المعهودة أن يشير إلى النواب الديموقراطيين بسبابته فى أكثر من مرة، مقرعا إياهم على عدم الوقوف والتصفيق له!
• • •
لم تحتل السياسة الخارجية الكثير من حديث ترامب باستثناء حديثه عن إعادة هيكلة سياسة المساعدات الخارجية وإيقاف العديد من أوجه الدعم غير المجدى – من وجهة نظره - للعديد من الدول الإفريقية والآسيوية! كذلك فقد اكتفى ترامب بإشارة سريعة إلى الشرق الأوسط مؤكدا على دوره فى وقف إطلاق النار فى المنطقة! وأمام هذه الإشارة المختصرة إلى إسرائيل والشرق الأوسط فقد سادت حالة من الإحباط فى الدولة العبرية عبرت عنها وسائل الإعلام هناك، كما انتقد البعض ترامب لعدم إشارته إلى الرهينة الإسرائيلية التى تم تحريرها من غزة «نوا أرجمانى» والتى كانت ضمن المدعوين لحضور الجلسة!
• • •
كانت هذه الجلسة بكل أحداثها المثيرة وغير التقليدية تأكيدا على حالة الاستقطاب الشديد التى تسود المجتمع الأمريكى، والتى تخطت كونها حالة من الانقسام حول السياسات والأيديولوجية الجمهورية فى مقابل تلك الديموقراطية، لتصبح حالة أعمق من الانقسام المجتمعى والدينى بين فريقين يرى أحدهما ضرورة الحفاظ على المبادئ الليبرالية والديموقراطية والتعددية، التى ميزت المجتمع الأمريكى على مدار العقود السابقة وكانت السبب فى رفعة شأن الأمريكان فى العالم، وبين تيار يرى أن الخلاص الأمريكى متمثل فى عودة الولايات المتحدة لمبادئها المحافظة المسيحية البيضاء المنفصلة عن العالم، وبينما أصبح وجود ترامب أحد أهم أسباب اشتعال هذا الاستقطاب، فهو يغذيه عن قصد لتعضيد سلطته وتأكيد شعبيته!

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر