أكمل الدبلوماسى والكاتب الصحفى جميل مطر، بعد نحو 20 عاما وتحت عنوان "حكايتى مع الصحافة»، تقديم ملخص تجارب الشطر الثانى من حياته المهنية، فقد سبقها بأول الحكايات من خلال كتابه «حكايتى مع الدبلوماسية»، والذى صدر عن دار الهلال فى عام 2002.
وفى حكاياته مع الدبلوماسية، قدم جميل مطر نظرة عميقة إلى بيئة العمل الدبلوماسى التى عايشها خلال شبابه فى العشرينيات من عمره فى ستينيات القرن الماضى فى حقبة الرئيس جمال عبد الناصر.
وأعاد مطر رسم المشاهد التى عاشها، ويقدم صورا حية عن الشخصيات التى تفاعل معها فى مواقع خدمته بسفارات مصر فى الأرجنتين، تشيلى، الصين، إيطاليا، وكذلك فى مقر الوزارة بالقاهرة.
سلسلة الأحلام وأول دروس هيكل
يتحدث جميل مطر عن بدايات مشاويره المهنية، حيث استهلها بالتدرب فى المكتبات العامة، وطرحت أمامها التجربة مجموعة من القواعد والأخلاقيات التى عززت من خبراته وأثرت على مختلف ت وامتداد تجاربه المهنية.
وينتقل مطر من تلك التجربة إلى الدبلوماسية، والتى سعى من خلالها لتحقيق حلم رائع لم يلبث إلى أن تكسرت أضلاعه على صخرة واقع عنيد رفض أن يتشكل وفقًا لتصوراته المثالية.
ومع ذلك، لم يكن الحلم المنتهى إلا بداية لسلسلة أحلام، يتوالى كل واحد منها ليحمل معه درسًا جديدًا وتجربة تستحق التأمل. ويصف مطر الصحافة بأنها ليست فقط سلسلة من الأحلام، بل أيضًا سلسلة من الدروس التى صقلت مهاراته وشخصيته المهنية. من بين هذه الدروس، يبرز درسًا محوريًا تلقاه من الأستاذ محمد حسنين هيكل، أول رئيس تحرير عمل معه، والذى أرشده بوضوح شديد: «أنت هنا كاتب صحفى، مهمتك الكتابة للقارئ العادى، بوعى سياسى معقول، وليس للعالم أو الناقد المتخصص، وذلك بعدما كتب مقالا سيطر عليه حينها ضغوط التباهى بتخصصه فى العلوم السياسية وتمكنه من اللغة والمصطلحات الأكاديمية».
كانت هذه النصيحة بمثابة نقطة تحول، دفعت مطر إلى تحرير أسلوبه من القيود الأكاديمية والتوجه نحو القارئ العام، وهو تحولّ لاحظه من خلال التفاعل الإيجابى مع مقالاته عندما تخلص من تلك الصرامة العلمية.
الأهرام: بطل الحكاية
وفى أول فصول كتابه الصادر حديثا عن الدار «المصرية اللبنانية»، يعود جميل مطر بذاكرته لسنوات الطفولة والصفا، والتى بدأ خلالها تعلقه وعلاقته طويلة بالصحافة من خلال تعلقه بجريدة الأهرام التى باتت بطل حكايته الثانية.
ويصف جميل مطر لقائه تلك العلاقة، بقوله: «لا جدال فى أن جريدة الأهرام كانت ولا تزال، بشكل أو بآخر، بطل حكايتى الثانية، حكايتى مع الصحافة. تبدأ علاقتى بها منذ سنوات طفولتي، كنت دائما أول من يفتح باب الشقة ليسحب نسخة الأهرام الموضوعة برفق وعناية فوق يأتى بها كل صباح صبى يكلفه بائع للصحف يحتكر التوزيع على «الدواسة». سكان ثلاثة أو أربعة شوارع تصب جميعها فى الميدان الكبير أو قريبا منه.
بكلمات أخرى كانت نسخة الأهرام الملقاة أمام باب شقتنا فاتحة علاقة طويلة الأجل مع الأهرام؛ جريدة ومؤسسة. كان بائع الصحف الأشهر فى الحى، الذى عشت فيه سنوات دراستى الابتدائية والثانوية وأغلب سنوات الجامعة، أى كل سنوات طفولتى ومراهقتى، يفرش بضاعته فى موقع يمكن وصفه بالاستراتيجى، اختار لفرش بضاعته مساحة واسعة، أو هكذا بدت لى فى ذلك الوقت، على رصيف يكاد يطل على جميع منافذ الميدان، وفى الوقت نفسه يكاد يلتصق بمحطة الترام وهى المحطة التى ينزل فيها كل صباح العدد الأعظم من رجال الحكومة».
تجربة إصدار الشروق.. صحيفة بلون الشباب ووقار الكبار
وبتتبع فصول الكتاب والمرور على محطات من مشوار الصحافة، يركز جميل مطر فى كتابه على تجربة أحدث فى مسيرته وهى «إصدار صحيفة الشروق اليومية»، والتى لا يزال عضوا فى مجلس تحريرها و من أبرز كتّابها.
ويروى مطر تفاصيل وكواليس التجربة، مشيرا إلى التحديات التى واجهتها الشروق عند انطلاقها، فأبرزها التعامل مع نسبة كبيرة من العاملين القادمين من مؤسسات صحفية أخرى بثقافاتها المختلفة. ورغم المخاوف من تأثير هذه الخلفيات على هوية الشروق، أثبت الفريق الصحفى ولاءه لمبادئ الصحيفة الجديدة، مما ساهم فى نجاحها.
وتميزت صحيفة الشروق، كما يصفها مطر، بأنها ولدت «شابة بجاذبية غير مسبوقة»، مليئة بالحيوية والجرأة فى تناول القضايا الفكرية والسياسية. لم تقتصر ميزاتها على الجرأة فقط، بل اتسمت بخفة الظل، وروح النقاش الواثق، والمغامرة المتزنة.
السؤال أهم من الإجابة.. خلاصة المشوار
ومن الدروس التى استلهمها مطر خلال مسيرته الدبلوماسية والصحفية هى أهمية السؤال كأداة أساسية للتعامل مع القضايا. يقول: «القضية الواحدة فى القصة الواحدة تحتوى على عديد من الإجابات وليس إجابة واحدة. تعلمت أن أصعب القضايا تستسلم لسؤال معد بعناية وذكاء واطلاع كاف».
يرى مطر أن السؤال الجيد، المصاغ بإتقان، هو أهم سلاح فى ترسانة الصحفى المتميز. وهو درس اكتسبه من سنوات عمله فى الدبلوماسية وأعوامه الطويلة فى الصحافة. الإصغاء: مهارة ضرورية للصحفى والدبلوماسى يشير مطر إلى أن الإصغاء كان مهارة أساسية تعلمها فى بيت والديه، ثم وظفها فى حياته المهنية. يقول: «الإصغاء الجيد كان وما زال رصيدًا معتبرًا بالنسبة لى. كثير من مقالاتى فى عمود الانطباعات الذى تنشره الشروق كل أربعاء، اعتمدت على ساعات طويلة من الإصغاء».
ويضيف أن هذه المهارة هى التى مكّنته من بناء جسور الثقة مع الشباب، مما دفعهم للإفصاح عما يحملونه من أفكار وهموم، مؤكداً أن الإصغاء لا يقل أهمية عن السؤال فى العمل الصحفى.