في مثل هذا اليوم، مع مطلع أول أيام شهر يوليو عام 1798، رسّت سفن أسطول القوات الفرنسية بقيادة الإمبراطور نابليون بونابرت على شواطئ الإسكندرية، وبعد أقل من أسبوع، كان قرار نابليون بالتحرك للقاهرة ليضمن خضوعها لسيطرته قبل أن تفيض مياه النيل، وأناب قائده كليبر على تمركز القوات بالإسكندرية.

لم يتوقف إعداد نابليون بونابرت لدخول القاهرة على الجانب العسكري فحسب؛ حيث رأى الإمبراطور الفرنسي، أن التأثير الثقافي والاستمالة الإعلامية لها مفعول لا يقل أهمية عن قوة السلاح، لذلك بدأت مصر عهدها مع الصحافة مع دخول الحملة الفرنسية.

* صحافة متنوعة

أصدر نابليون صحيفتين باللغة الفرنسية الأولى باسم "كورييه دي ليجيبت" في 28 أغسطس 1798 بعد شهر واحد من احتلال الفرنسيين مصر، والثانية باسم "لاديكاد أجبسين"، وظهرت في أكتوبر من العام نفسه وهدفت الصحيفة الأولى إلى إبلاغ أوامر وتوجيهات قيادة الحملة إلى جنودها وأعضائها وإحاطتهم علمًا بأخبار وطنهم الأم فرنسا؛ لرفع روحهم المعنوية خاصة بعد انقطاع هذه الأخبار، مع حصار الأسطول البريطاني للسواحل المصرية، أما الصحيفة الثانية فعنيت بنشر أخبار مصر الداخلية والتعريف بها وبحضارتها وأعيادها ومواسمها الدينية التي تحتفل بها، كما اهتمت بنشر بعض القصص المسلية، ترفيهًا لقرَّائها وتسلية لهم، واحتوت على بعض الإعلانات الخاصة بسلع وخدمات تهم الفرنسيين وحدهم، واستمرت الصحيفة في الصدور حتى 9 يونيو 1801 بعد أن صدر منها 16 عددا، حسب ما ذكره إبراهيم عبده بكتابه "تطور الصحافة المصرية 1798- 1981".

*تحت السيطرة

ويبيَّن هذا التنوع في إعلام الحملة الفرنسية، سواء الموجَّه إلى الفرنسيين أو المصريين؛ اقتناع قادة الحملة بأهمية الدور الذي يقوم به الإعلام، وخصوصًا المطبوع منه، في تحقيق أطماعهم العسكرية؛ فنابليون كان مؤمنًا بأن الترسانة العسكرية الفرنسية قادرة على أن تقمع الشعوب؛ ولكنها لا تستطيع أن تحقق التغير الثقافي الذي كان ينشده في مصر، ليقيم الإمبراطورية الفرنسية، التي كان يهدف إليها.

وهكذا لجأ نابليون، إلى الإعلام والدعاية لإقناع المصريين بتقبل سياساته كآلية مهمة لتأسيس الإمبراطورية، ويبين احتفاءه بالمطبعة، ويوضح وضعها تحت إشرافه المباشر مدى إيمانه بدور الإعلام في تحقيق أهدافه، ومن ثم سعى إلى إخضاع المطبوعات إلى سيطرته المباشرة، وهكذا يصدر أوامره بألاَّ يُطبع شىء دون الحصول على أمر منه، وأن يقدم مديرُ المطبعة كشفًا يوميًا بما طبع، وفقا لما قاله أستاذ الصحافة خليل صابات بكتابه "حرية الصحافة في مصر 1798- 1934".