عزوف الشباب عن الزواج..  كيف انتصر «النيش» على الحب؟ - بوابة الشروق
الأربعاء 3 يوليه 2024 8:56 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عزوف الشباب عن الزواج..  كيف انتصر «النيش» على الحب؟

معاذ حجازي
نشر في: الأربعاء 2 مايو 2018 - 8:27 م | آخر تحديث: الأربعاء 2 مايو 2018 - 8:27 م

العمر يخطو مسرعًا، يخطف عامًا وراء آخر، يقفز في قطار الحياة المنطلق بلا توقف، بلا إنصاتٍ لهؤلاء الذين ربما يدهسهم الوقت وتعنّفهم العادات، فلا يجدون ملجأ سوى الشكوى والتذمر، أو حتى الترحم على زمن ولى ولن يعود.

 

الشباب والزواج، كلمتان مترابطتان في المعنى متنافرتان في الواقع، لفظان يبدوان كالماء في الإناء، لكنهما بعيدان عن بعضهما، لخوف اقتراب أحدهما من الآخر خشية خوض تلك المعركة المستعرة نيرانها أمام المتفرج قبل المحارب، فبدا العزوف أمرًا مُطمئنًا لبعض الأرواح التي وجدت فيه مأمنًا من إصابات طفيفة وخطيرة لأولئك الذين اقتربوا من ساحة الزواج.

 

ولطالما كان «النيش» رمزًا ساخرًا لجميع الأشياء التي لا فائدة منها في الحياة، غير أن العادات والتقاليد تُحتم على المجتمع الالتزام بها، فهو أشبه بـ«متحف» لا زوار له في أغلب الأحيان، لكن «النيش» في ذلك التقرير ليس هو المقصود بذاته، وإنما هو رمز لكل إجراء لا فائدة منه من شأنه عرقلة حياة زوجية بسيطة، مثل العادات التي تضع سيفها على رقبة الحب والسلام.


«حلمٌ تبخّر»..

«تمنيت كثيرًا أن تكون زوجتي بصفات تلك الفتاة التي أعجبت بها، خصالها نادرة جدًا بالنسبة إليّ، ولذا، ما لبثت أن وجدتها حتى قررت خوض التجربة التي لو نجحت ستغير مسار حياتي للأفضل بلا شك»، بارقة أمل علّق «س.أ»، صاحب الـ 26 عامًا، عليها طموحاته، معتقدًا أن وضعه المادي كان مناسبًا.

في بداية حديثه رفض استرجاع ما وصفها بـ«محاولة الزواج الفاشلة»، لكنه استجاب في نهاية المطاف للأسئلة، فقال: «كان والدها متدينًا للغاية، وبدا ذلك لي شيئًا جميلًا ودافعًا أقوى لخطبة ابنته، وحينما جلست معه، أثنى على شخصي وأبدى سعادة كبيرة بي وبعائلتي التي يعرفها جيدًا، ثم تحدث كثيرًا عن تقسيم الله الرزق بين العباد، وأن لكل إنسان نصيب كتبه الله له، كما أن الرزّاق لا ينسى عبدًا من خلقه، وكم كان ذلك جميلًا ومحببًا بالنسبة إليّ، إذ شعرت بأن الأمور ستسير على ما يُرام».

 

ويضيف، لـ«الشروق» أن حديث والد الفتاة انتقل بشكل مباشر ومفاجئ إلى تفاصيل الحياة المادية البحتة، كراتب وظيفته شهريًا وعن وجود سكنٍ يملكه أم لا، إضافة إلى سؤاله بشأن صافي الأموال التي يوفرها من راتبه، موضحًا له أن ظروف المعيشة باتت صعبة للغاية، وفق قوله.

 

وتابع أن حديث والد العروس تحول إلى تعسير بعض الأمور، كحديثه عن توفير شقة مِلك، وإن لم تكن فواحدة لا يقل إيجارها عن 2000 جنيه، كي تكون في منطقة جيدة ومناسبة، فضلًا عن ضرورة تقاضيه راتبًا شهريًا لا يقل عن 5000 جنيه، وينقل الشاب على لسان والد الفتاة رفض الأخير، قائلًا: «لأن الظروف الحياتية صعبة للغاية، كل شيء سعره بات مرتفعًا، وسائل المواصلات والملابس والدواء، وكل شيء قسمة ونصيب يابني».



«تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن»..

لم يختلف أمر «ع»، البالغ من العمر 26 عامًا، عن سابقه سوى للأسوأ، والذي قال إنه كان يحب فتاة للغاية، فذهب لوالدها وأخبره بأنه يريد خطبتها، مضيفًا: «والدها طلب مني شقة تمليك، وذهبًا بقيمة 50 ألف جنيه ووظيفة مُرضية، ووافقت على تنفيذ كل ذلك، واتفقنا على مُهلة كي أجهز فيها نفسي لما طلب مني».

 

لم تسر الأمور كما نص عليه الاتفاق، ففي أمنيات المرء أشياء لا يُدركها، يُتابع «ع» لـ«الشروق»: «حدثت والدها هاتفيًا ذات ليلة للتأكيد على ما اتفقنا عليه، وأخبرني بأن كل شيء يسير حسب الاتفاق، لكنني فؤجئت في اليوم التالي لتلك الليلة بأن الفتاة تمت خطبتها، رغمًا عنها، لشخص يعمل في الخليج، لأنه كان جاهزًا من الناحية المادية، ففضله عليّ»، حسب تعبيره.

 

وأشار إلى رفض الفتاة شراء ذهب الخطوبة، لكن والدها أخذ شقيقتها لتقوم بدورها في هذا الشأن، لافتًا إلى حديثه مع والدها بعد خطبتها لسؤاله عن سبب مخالفتة الاتفاق، بقوله: «سألته عن سبب ما حدث فأجابني "مفيش نصيب"، ثم عاتبته على مخالفة الاتفاق ورأي ابنته، فقال لي إنه ديكتاتورًا، وبناته ليس لهن رأيًا».

«أخشى العواقب»..

بينما يرى «م.أ» -27 عامًا- أن مشكلته ليست في إتمام الزيجة نفسها، لأنه بمقدوره أن يتزوج في ظل مشاكله المادية الموجودة حاليًا، لكنه لم يفكر في تجربة الزواج حتى الآن لخوفه من عبء النفقات والتكاليف بعده، والتي قال إنه لم يجد لها حلًا بعد؛ لعدم استقراره وغياب الوظيفة الثابتة.

وتابع أن إتمام الزواج يتوقف على أهل الفتاة، لأنهم إذا كانوا يعيشون في مستوى اجتماعي معين فإنهم يرفضون أن تذهب ابنتهم إلى ما هو أدنى، أو حتى يُقدّم إليها ما يرونه أقل، موضًحا أن الآباء لديهم كل الحق في ذلك، لأن مصلحة ذويهم.
 
وفي لقاء تلفزيوني يوضح، محمد فكري هاني، صاحب الـ 35 عامًا، وأحد الذين يعانون من تكاليف الزواج، أنه خطب فتاة منذ فترة طويلة، لكنه لم يتزوجها بعد، مشيرًا إلى وجود مشكلة في عادات وتقاليد البعض في المجتمع المصري، والتي تتمثل في إلزام العريس بأشياءٍ معينة، كالاشتراط في الذهب عدد معين من الجرامات يتعدى الـ50 والـ60 ألف جنيه.

وأشار إلى عامل آخر يؤثر سلبًا في إقبال الشباب على الزواج، وهو السكن، معقبًا: «الشقة التمليك تحتاج إلى مبلغ وقدره، كما أن ترتيبها إضافة للأدوات المنزلية لهما تكلفة عالية، وبعض أولياء أمور الفتيات اعتبروا أن الزواج رهنًا ماليًا، لأنهم في الغالب يفكرون في تأمين بناتهم من الناحية المادية».

شاهد الفيديو..

«هرَبَ من العجز.. فانتحر»..

لكن الأزمة يبدو أنها لم تتعلق بالشباب مُريد الزواج العاجز عنه فقط، بل امتدت حتى طالت أولياء أمورٍ لفتياتٍ مُقبلات على الزواج، ففي شهر مارس من عام 2016 انتحر موظف بعد أن ألقى بنفسه من أعلى عقار بالمطرية في محافظة القاهرة؛ لعدم قدرته على تجهيز ابنته المقبلة على الزواج، وحاجته إلى المال، وكشفت تحريات المباحث أن المتوفي كان يمر بحالة نفسية سيئة في أيامه الأخيرة، بسبب عجزه عن تجهيز عرس ابنته.

الإحصائيات الرسمية أفادت بوجود ما يتخطى عشرة ملایین شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم الـ٣٥ عامًا ولم یتزوجوا بعد، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، العام الماضي.

مساعِ برلمانية

مساع برلمانية ظهرت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عقب تقارير تحدثت عن ارتفاع نسبة العنوسة في مصر، والتي من بين أسبابها بلا شك عدم القدرة المادية؛ فالنائب محمد عطا سليم، عضو البرلمان، قال، في تصريحات تلفزيونية، إن بعض الدراسات توضح أن عدد الفتيات غير المتزوجات، المتوسط أعمارهن 35 عامًا، يبلغن حوالي 11مليون فتاة، وهو ما دفعه للتقدم بمشروع قانون لمجلس النواب، موقعًا من 70 نائبًا، لإنشاء صندوق تمويل زواج الشباب دون فوائد؛ لعلاج مشكلة تأخر زواج البنات وتعثر زواج الشباب، حسب تعبيره.

وأشارت المذكرة الإيضاحية للمشروع إلى تولّد آثار ناتجة عن مشكلة العنوسة، والتي تتمثل في وجود مئات الدعوات لإثبات بنود المواليد من زواج عرفي، فضلًا عن زيادة أعداد اللقطاء من الأطفال حديثي الولادة أمام المساكن أو المساجد أو حتى في صناديق القمامة، فهناك أكثر من 14 ألف قضية منظورة أمام المحاكم لإثبات البنوة، وفق المذكرة.


«فئات مجتمعية تنتفض»..

ولم تكن مناهضة الأزمة عبر النواب فقط، لكن المشكلة أثارت حفيظة فئات قررت مبارزة العادات والتقاليد بالنزول بتفكيرهم إلى المنطق، وإدراكهم أن هناك أزمة ما يبدو أنها تتفاقم شيئًا فشيئًا، ففي قرية الدناوية التابعة لمركز العياط بمحافظة الجيزة دُشِنَت مبادرة بعنوان «القائمة الموحدة لمنقولات الزوجية»، إذ اقترح أصحاب المبادرة اكتفاء العريس بشراء 30 جرامًا من الذهب، كما كتبوا قائمة استرشادية لتجهيزات العرس من الأثاث والأجهزة المنزلية، وسار على هذا النهج بعض قرى محافظات أخرى.


ومن الجيزة إلى حملة أطلقتها، رانيا يحيى، تحت اسم «بلاها نيش وحاجات متلزمنيش»، موضحة أن هدف الحملة يتمثل في الاستغناء عن كل الأشياء الزائدة عن الأساسيات، وتضيف في تصريحات تلفزيونية: «شقق العرائس أصبحت معرضًا كبيرًا وليست مجرد منزلًا، ومفهوم الزواج ليس صحيحًا عند الأهالي، لأن هناك طلبات خيالية لإتمام الزواج، والتفكير الرجعي مستمر في المنافسة بين الأقارب».

الأزهر

مؤسسة الأزهر أعربت عن رفضها المبالغة في تكاليف للزواج، حينما قال الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن البعض يتفنن في أمورٍ سطحية، كما أن حفلات الأفراح تُقام في أندية كبيرة، مشددًا على ضرورة اقتصار الزواج على الأمور البسيطة، لأن هناك أشخاصًا يستفزون بعضهم بأمور معينة، حسب تعبيره.

 

 وأوضح، في تصريحات تلفزيونية، أن الأسرة البسيطة سواء في المهور أو التجهيزات أو المسكن هي أسرة سعيدة، حسبما تؤكد التجارب، لأنها لا ترى سعادتها في المظهر والمادة، إلا أن معظم الزيجات التي تتم في مصر والعالم العربي بيوتها تُملأ بأشياء لا حاجة للزوجين لها كـ«حجرة الأطفال التي تُنشئ أحيانًا خلافات مع أن الأبناء لم يأتوا بعد، وكذلك أطقم الطعام والشراب التي يكفي منها طقمًا واحدًا من 6 قطع لا من 90 قطعة».


«تويتر.. بين السخرية والانتقاد»..

وباعتبار «النيش» الرمز الأكبر لكل تجهيزات الزواج التي يرى البعض أنها بلا فائدة، كان له نصيب الأسد في سخرية وانتقاد رواد موقع التدوين «تويتر»..

 

 

 


وعلى الرغم من وجود مبادرات ومساعي لتيسير الزواج على الشباب، إلا أن نماذج شبابية عديدة تُثبت أن الأزمة لا زالت قائمة بالفعل، وأن العادات والتقاليد المجتمعية متمسكة في كثير من الأحيان والمناطق بالمادة عن الإخلاص والحب، وبات من الطبيعي أن يتردّد لفظ الطلاق على أسماع المجتمع؛ نتيجة للعديد من الزيجات غير المناسبة، والتي لو تمت جميعها وفقًا للإرادة القلبية لما كان معدّل حالات الطلاق في مصر 250 حالة يوميًا، أي واقعة طلاق كل 4 دقائق، ولما بلغ عدد المطلقين 710 آلاف و850 نسمة، تبلغ نسبة الإناث من هذا الرقم 64.9%، بينما الذكور بنسبة 35.1%، وفقًا لإحصائياتٍ، من العام الماضي، للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك