نبيل نعوم يكتب: زحمة يا دنيا - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 يناير 2025 9:04 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل نعوم يكتب: زحمة يا دنيا

نبيل نعوم
نبيل نعوم

نشر في: الجمعة 3 يناير 2025 - 7:22 م | آخر تحديث: الجمعة 3 يناير 2025 - 7:22 م

فى الدراسات الحديثة وأيضا القديمة هناك الكثير من الأحاديث والتجارب التى تحبذ وتشجع اللقاء الإنسانى وتبين أهميته بالنسبة للصحة العقلية والتى تنعكس على الصحة الجسدية.

وبالطبع ممكن ذكر هذا وخاصة أثناء فترات الاحتفالات السنوية بأعياد بداية العام الجديد بالتقويمات المتعددة من الصين إلى العالمين المسيحى والإسلامى.

وقد بينت دراسات حديثة أن استمرار اللقاء الإنسانى بين أفراد العائلة أو الأصدقاء أو حتى الجيران يساعد كثيرا على استمرار مرونة الذاكرة، وأيضا إطالة العمر.

وقالت معمرة يزيد عمرها على المائة عام والتى ما زالت تدير وتعمل بمطعمها فى مدينة ايسبرجس فى شمال فرنسا ولا تعتزم التقاعد بعد إذ ترجع سلامة صحتها الجسدية والعقلية إلى استمرارها فى العمل واستمرار علاقاتها الإنسانية المتواصلة مع المترددين على المطعم والبار إلى جانب أفراد عائلتها.

تقول مارى لويز ورث إنها بدأت العمل فى مطعم أبيها الذى تملكه هى الآن منذ كان عمرها أربعة عشر عاما فى عام 1913. وحتى يتم لها مواصلة الاتصال الإنسانى لا يوجد بمطعمها إمكانية لاستخدام الانترنت أو الكريديت كارت كما أنها هى نفسها لا تستعمل التليفون النقال.

وفى مصر يجب الاعتراف أن التواصل الاجتماعى والعائلى مازال بخير، ومازالت المقاهى تضم الأصدقاء لممارسة الحكى والشكوى وأيضا النم. كما أن السهرات فى الموالد مازالت مستمرة ومنتعشة. ولكن مع ذلك هنالك أيضا البحوث التى تتناول موضوع الزحمة وأضرارها على الإنسان من الأمراض وخاصة المنقولة بالعدوى كما فى فترات الأوبئة، وأيضا الاكتئاب والعنف والتفسخ العائلى واضطهاد الأقليات والمختلفين عن الكثرة، بل وحتى الحروب. حيث نجد فى الميثولوجيا اليونانية أن رب الآلهة زيوس كان يقيم الحروب بين البشر للتحكم فى عدد السكان.

وفى دراسة مهمة عن الفئران قام بها جون كالهون John Calhoun عالم البيئة والاجتماع، وذلك ببناء ما يشبه الأحياء الشعبية للسكن، حيث كان لكل عائلة من الفئران ما يشبه الشقة، وقد وفر لهم الشراب والطعام ويسر لهم استمرار الحياة الهنية إلى أن كثر عددهم وبدأ الزحام، وهنا ظهرت الأمراض وعلامات العنف أو الاكتئاب وانهار النظام المثالى الذى كانوا به قبل الزحمة.

ففى الثانى والعشرين من يونيو 1972، وقف عالم البيئة جون كالهون، مدير مختبر تطور الدماغ والسلوك فى المعهد الوطنى للصحة العقلية ومقره فى بيثيسدا بولاية ماريلاند، أمام الجمعية الملكية للطب فى لندن، وبدأ حديثه بأغرب الملاحظات الافتتاحية للجمعية الملكية فى تاريخها الذى يمتد لأكثر من مائتى عام: «سأتحدث إلى حد كبير عن الفئران، لكن أفكارى تدور حول الإنسان، والشفاء، والحياة وتطورها».

تحدث كالهون عن تجربة طويلة الأمد كان يجريها حول آثار الاكتظاظ السكانى وانهيار أعداد الفئران. وكان أعضاء الجمعية الملكية يحكون رءوسهم فى حيرة من أمرهم عندما أخبرهم كالهون عن «الكون الخامس والعشرين»، وهو نظام تجريبى عملاق بناه ووصفه بأنه «بيئة مثالية بُنيت للفئران».

ولكنهم استمعوا باهتمام وهو يصف ذلك الكون. وعلموا أن دراسة آثار الاكتظاظ السكانى تطلبت من كالهون، بالإضافة إلى كونه عالما، أن يكون مخططا لمدينة القوارض، التى سماها "الكون الخامس والعشرين"، حيث بنى نظاما سكنيا كبيرا ومعقدا للفئران.

كان هناك 16 مبنى سكنيا متطابقا مرتبة فى مربع من أربعة مبان على كل جانب. وأخبر كالهون جمهوره أن كل مبنى كان به «أربع شقق من غرفة واحدة ذات أربع وحدات»، بإجمالى 256 وحدة، وكل منها يمكن أن تستوعب بشكل مريح حوالى 15 من سكان الفئران.

وكانت هناك أيضا سلسلة من قاعات الطعام فى كل مبنى سكنى، ومجموعة من النوافير على السطح حتى يتمكن السكان من إرواء عطشهم. وقد وضع كالهون علامة على كل مقيم من الفئران بمزيج فريد من الألوان، وجلس هو أو فريقه فى علية فوق مدينة الفئران، لساعات كل يوم، لأكثر من ثلاث سنوات، وراقبوا ما حدث.

لقد أخبر كالهون أعضاء الجمعية الملكية أن ما بدأ كعالم مثالى للقوارض، حيث كان لدى الفئران أماكن إقامة فاخرة، وكل ما قد تحتاج إليه من طعام وماء، وكانت خالية من الأمراض والافتراس. ولكنه تحول مع مرور الوقت إلى جحيم للفئران.

وقد بدأ هذا الجحيم نتيجة لانفجار سكانى مبكر، أدى إلى ركود وانحدار لاحق، حيث أظهرت الفئران مجموعة من السلوكيات الشاذة، بما فى ذلك فقدان الرغبة الجنسية من جانب الذكور وغياب الرعاية الأمومية لدى الإناث، وأيضا علامات العنف.

وحاليا مع الزيادة غير المعقولة لسكان الكرة الأرضية حيث كان عدد السكان عام 1970 3،7 مليار نسمة أى أقل من نصف عددهم اليوم 8،2 مليار نسمة. أى إن البشر تضاعف عددهم خلال أقل من 50 سنة فقط.

فى مقال نشرته مجلة تايم عام 1971 تحت عنوان «الانفجار السكانى: هل الإنسان محكوم عليه بالفناء حقا؟»، لاحظ الكاتب بحزن أنه «حتى لو أمكن إيجاد وسيلة لإطعام الملايين من البشر، فإنهم قد يواجهون مصيرا نفسيا مماثلاً للمصير الذى حل بفئران الدكتور جون كالهون البيضاء». وعن الزحمة يقول المثل الشعبى المصرى «اللى اختارك وسط الزحمة، غير اللى ملقاش فى طريقه غيرك».

وكما فى أغنية أحمد عدوية الذى رحل عنا منذ أيام، من كلمات حسن أبو عتمان وألحان هانى شنودة إنتاج 1969، تقول الأغنية بما ينطبق على الكثير من الأزمنة: زحمة يا دنيا زحمة.. زحمة وتاهو الحبايب زحمة ولا عادشى رحمة.. مولد وصاحبه غايب اجى من هنا زحمة.. واروح هنا زحمة.. هنا او هنا زحمة زحمه يا دنيا زحمة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك