محمد بصل يكتب: وزراء فى مجالس البنوك بعد 10 سنوات من قانون تعارض المصالح - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:27 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد بصل يكتب: وزراء فى مجالس البنوك بعد 10 سنوات من قانون تعارض المصالح

أرشيفية، اجتماع سابق لمجلس الوزراء
أرشيفية، اجتماع سابق لمجلس الوزراء

نشر في: السبت 5 أغسطس 2023 - 7:44 م | آخر تحديث: الأحد 6 أغسطس 2023 - 2:42 ص
• القانون 106 لسنة 2013 يعتبر الجمع بين المسئولية الحكومية والعمل بالشركات الخاصة «تعارضا مطلقا»
• الدستور يحظر على الوزراء تقاضى أى مرتب أو مكافأة أخرى مع وجوب تقديم ونشر إقرارات الذمة المالية
• قانون الشركات المساهمة وضع قيودا عديدة على الترخيص بالجمع بين العملين.. وقانون تعارض المصالح أصبح واجب التطبيق
• لجنة الوقاية من الفساد لم تنشأ حتى الآن لكن تطبيق القانون غير مشروط بوجودها
فقط من خلال البورصة عرف الرأى العام بتعيين بعض الوزراء أعضاء بمجالس إدارة بعض البنوك الخاصة التى تأخذ شكل الشركات المساهمة، وبأن رئيس الوزراء قد رخص ذلك بموجب قرارات لم تنشر فى الجريدة الرسمية.. والمشهد ليس جديدا إذ إن وزيرة سابقة أيضا قد انضمت للحكومة وغادرتها وهى عضوة بمجلس إدارة بنك خاص.

يصعب «تقبل» هذه الظاهرة فى دولة لها تاريخ من التقاليد الحكومية والتشريعات التى رسمت حدود الوظيفة العامة والمنصب التنفيذى حتى لا تختلط المصالح الشخصية بالمسئولية الرسمية، ولها أيضا تاريخ من الأزمات السابقة المرتبطة بهذا الملف وبعضها وصل ساحات القضاء كتعيين بعض الوزراء وأعضاء البرلمان فى شركات مساهمة حكومية أو خاصة فى السنوات القليلة السابقة على ثورة 25 يناير 2011.

يزداد الأمر صعوبة بالنظر إلى المهام الموكلة لهؤلاء الوزراء وتخصصاتهم الاقتصادية المتداخلة مع أعمال البنوك وأنشطتها الاستثمارية وتمويلها وعلاقاتها الخارجية، فحتى إذا ابتعدوا فعليا عن شبهات المحاباة أو الفساد واجتمعت الآراء على كفاءتهم وإخلاصهم، فإن ذلك لن يمنع القيل والقال والتشكيك عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وهو آخر ما تحتاجه أي حكومة.

من السياسة إلى القانون.. ماذا تقول التشريعات المختصة؟

وإذا نحينا تلك الاعتبارات جانبا، بزعم أنه لا عيب فى ذلك استغلالا لبعض نصوص قانون الشركات المساهمة التى تجيز بتصريح خاص من رئيس الوزراء الجمع بين أعمال الحكومة والقطاع العام وبين عضوية مجلس إدارة الشركات المساهمة أو الاشتغال بها فى أى وظيفة، فإن هذا الطرح يتناسى تماما حقيقة أن هناك قانونا صدر عام 2013 فى أعقاب ثورة 30 يونيو يحظر بوضوح وحسم عمل المسئولين الحكوميين كأعضاء بمجالس إدارة الشركات والمشروعات التجارية الخاصة أو حتى العمل بها.

بل إن قانون الشركات المساهمة ذاته (رقم 159 لسنة 1981) قد وضع قيودا عديدة على مسألة الترخيص بالجمع بين الوظيفة الحكومية وعضوية مجلس إدارة الشركات أو الاشتراك فى تأسيسها أو الاشتغال فيها ولو بصفة عرضية بأى عمل عادى أو استشارى وسواء كان ذلك بأجر أو بدون أجر، وأكد سريان هذه القيود على من يعملون بالحكومة فى أى وظيفة أو القطاع العام أو الهيئات العامة.

وتأكيدا على اتجاه القانون نحو تقليل هذه الحالات، اشترط صدور إذن خاص من رئيس الوزراء، على ألا يسمح لمن صدر له الإذن بالعمل رئيسا لمجلس الإدارة أو كعضو منتدب، وشريطة أن يصدر الإذن بعد بحث الأمر، والتأكد من عدم ارتباط وظيفة الشخص بعمل الشركة أو التأثير فيها، وبشرط ألا يتعارض هذا العمل الإضافى مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها.

إن وضع هذه الشروط التى تضيق بشدة مساحة الترخيص بعمل الموظف الحكومى ــ أيا كان موقعه، ولا سيما إذا كان مسئولا بدرجة وزير ــ يعكس أن الأصل فى الأمر هو الحظر، وأنه يتوجب على السلطة التنفيذية أن تتحلى بأعلى درجات الحساسية تجاه هذه المسألة، وأن ينأى رئيس الوزراء والوزراء بأنفسهم عن تلك الوظائف الإضافية إلا إذا كانت هناك حالة ضرورة قصوى أو منفعة وطنية تقتضى ذلك.

كما يتطلب الأمر ــ فى أوضاع مثالية ــ أن تصبح هذه الإجراءات تحت بصر ورقابة البرلمان باعتباره سلطة الرقابة على أعمال الحكومة، ليتأكد تماما من مراعاة الشروط المنصوص عليها لإصدار الترخيص.

مستجد تشريعي مهم بعد ثورة يونيو:

غير أن تطبيق هذا النص من قانون الشركات المساهمة الآن أصبح محل نظر، نتيجة مستجدات تشريعية طرأت فى أعقاب ثورتى 25 يناير و30 يونيو تتمثل فى قانون حظر تعارض مصالح المسئولين فى الدولة (رقم 106 لسنة 2013) والذى يتضمن أحكاما تنسخ ما جاء فى قانون الشركات المساهمة، وتقيده بشكل أكبر.

صدر هذا القانون فى عهد أول حكومة بعد ثورة 30 يونيو، وتحديدا فى 30 نوفمبر 2013، وصدق عليه رئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور، فى ظل مطالبات حكومية وشعبية واسعة باستحداث نصوص ضامنة للشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد، تمنع تكرار التزاوج بين العمل السياسى والحكومى والاستثمارات الخاصة كما كان الأمر فى نهاية عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

وعملا بالقاعدتين القانونيتين المعروفتين: اللاحق ينسخ السابق، والخاص يقيد العام.. نجد أن هذا القانون هو الذى يجب أن يسرى فقط على حالة تعيين الوزراء كأعضاء بمجالس إدارة شركات مساهمة أو أى مشروعات غير ذات صلة مباشرة بالدولة.

فهذا القانون لا يخاطب كل العاملين بالحكومة والقطاع العام، بل يخاطب فقط من يسميهم «المسئولين الحكوميين» ويحددهم بشكل واضح تماما غير قابل للتأويل: رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء والوزراء، المحافظون وسكرتارية عموم المحافظات ورؤساء الوحدات المحلية، رؤساء الهيئات والمؤسسات والمصالح والأجهزة العامة، وأخيرا نواب ومساعدو شاغلى المناصب السابقة.

وبالتالى.. فإنه يجب فهم قواعد عمل أصحاب تلك الوظائف فى الشركات المساهمة، على أنها استثناء من النص العام فى قانون الشركات المساهمة الذى يخاطب بشكل عام العاملين فى الحكومة والقطاع العام والهيئات العامة.

كما يحدد قانون حظر تعارض المصالح المعنى المقصود بمصطلح تعارض المصالح، بأنه: «كل حالة يكون للمسئول الحكومى أو الشخص المرتبط به (بصلة قرابة حتى الدرجة الرابعة) مصلحة مادية أو معنوية تتعارض تعارضا مطلقا أو نسبيا مع ما يتطلبه منصبه أو وظيفته من نزاهة واستقلال وحفاظ على المال العام، أو تكون سببا لكسب غير مشروع لنفسه أو للشخص المرتبط به».

وبعبارات صريحة أيضا يعتبر القانون فى مادته السادسة من صور التعارض المطلق: «الجمع بين عمل المسئول الحكومى وبين عضوية مجالس إدارة الشركات أو المشروعات التجارية الخاصة أو العمل فيها» ونلاحظ هنا أن القانون استخدم تعبير الشركات التجارية الخاصة لتشمل الشركات المساهمة المملوكة للقطاع الخاص وأى صورة أخرى من صور الكيانات التجارية الهادفة للربح، وليميز بينها وبين الكيانات التابعة للدولة سواء كانت شركات قابضة أو مساهمة أو غيرها مما قد يشغل المسئول الحكومى عضوية مجلس إدارتها بصفته بموجب القانون أو قرارات تأسيسها.

بل إن القانون يحظر على المسئولين المذكورين تقديم الخدمات الاستشارية سواء كانت مدفوعة الأجر أو مجانية، كما يحظر عليه عند تركهم مناصبهم ولمدة 6 أشهر تالية أن يعملوا فى أى وظيفة أو منصب بالقطاع الخاص لدى شركة أو جهة كانت تابعة أو مرتبطة بعمله السابق أو خاضعة لرقابته، وذلك إمعانا فى الفصل بين المسئولية التنفيذية فى الدولة وبين التأثر والتأثير بأى شكل فى مجال الأعمال والاستثمارات الخاصة.

قانون حظر تعارض المصالح يسانده الدستور:

فبدون مزايدة أو تحميل للنصوص بما ليس فيها، فإن التطبيق المباشر لهذا القانون الذى يبلغ عمره الآن 10 سنوات، يلقى بظلال كثيفة من الشكوك على مشروعية تعيين الوزراء ــ أو غيرهم من المسئولين المذكورين سلفا ــ أعضاء فى مجالس إدارات البنوك والمؤسسات الخاصة وغيرها من الشركات المساهمة والشركات الخاصة بمختلف أشكالها.

لقد ولد هذا القانون فى وقت استثنائى من عمر الوطن، ونص بأمانة عما يجب أن يستقر فى ضمير كل مسئول قبل أن يكون واجبا على الحكومة، بالابتعاد عن شبهات تعارض المصالح وتأثير المنصب الرسمى على الوظيفة الخاصة، وكأنه يلعب دور خط دفاع متقدم عن نزاهة وحياد الحكومة، بل إنه نص على إنشاء لجنة للوقاية من الفساد، هكذا اسمها، تتولى تطبيق أحكامه، إلا أن هذا لم يحدث ولم تشكل هذه اللجنة أبدا.

كما أن الدستور يدعم ما نص عليه القانون بتشديده فى المادة 166 على أنه لا يجوز لأعضاء الحكومة أن يتقاضوا أى مرتب أو مكافأة أخرى وألا يزاولوا طوال مدة توليهم المنصب بالذات أو بالواسطة مهنة حرة أو عملا تجاريا أو ماليا، مع وجوب تقديمهم إقرار ذمة مالية عند توليهم وعند تركهم مناصبهم، وفى نهاية كل عام، ونشرها فى الجريدة الرسمية.

هل هذا القانون واجب التطبيق بذاته؟

قد يزعم البعض أن تطبيق هذا القانون موقوف على تشكيل اللجنة التى من ضمن اختصاصاتها تقدير ما يعد تعارضا مطلقا أو نسبيا، والرد على ذلك بسيط بأن القانون ذاته تضمن بعض الحالات التى اعتبرها تعارضا مطلقا للمصالح، ومن بينها الجمع بين عمل المسئول الحكومى وعضوية مجالس إدارة الشركات الخاصة، كما نص على بدء العمل به فى ديسمبر 2013 وليس بتشكيل اللجنة أو إصدار اللوائح التنفيذية له، فضلا عن أن أغلب مبادئه عمومية ونافذة بذاتها وغير معلقة على إجراءات أخرى.

إن التصرف الوحيد المقبول فى هذا الملف هو أن تبادر الدولة لتفعيل قانون حظر تعارض المصالح بأمانة فتبث رسائل الثقة والطمأنينة لدى المواطن والمستثمرين المحليين والأجانب، وليس أن يُضرب به عرض الحائط عمدا أو سهوا فيُطرق بابٌ جديد للشائعات والاتهامات، مفتاحه غياب الشعور بسيادة القانون.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك