أكد الدكتور فؤاد عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأروقة العلمية بالجامع الأزهر، أن القرآن الكريم يحمل في طياته الموعظة والشفاء والرحمة والهدى، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌۭ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًۭى وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾.
وأوضح أن هذه الآية جاءت بصيغة الخطاب العام "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" لأنها موجهة لكل البشر، مؤمنهم وكافرهم، ليعلموا أن هذا الكتاب العظيم هو الموعظة والشفاء الحقيقي لكل ما في القلوب من شكوك وظلمات. لكنه في نهاية الآية حدد أن هذا الشفاء والرحمة لا ينالها إلا المؤمنون الصادقون، فهم الذين يتدبرون آياته ويعملون بها.
جاء ذلك خلال درس التراويح في الليلة السابعة لشهر رمضان في الجامع الأزهر، والذي كان موضوعه عن هداية القرآن الكريم وفضله وأثره في القلوب، مبينًا أن القرآن الكريم أعظم هدية ربانية للبشرية، فهو الذي يرشد الإنسان إلى طريق الخير، ويضيء له دروب الحياة، ويبعث الطمأنينة في قلبه، ويكون له شفاءً ورحمة إذا أقبل عليه بإيمان صادق وقلب مفتوح. مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًۭا كَبِيرًۭا﴾، فهذا الكتاب العظيم منهج حياة لكل من أراد الفلاح في الدنيا والآخرة، وأن من يعمل بما فيه، ينال الأجر العظيم من الله.
وبيَّن فؤاد أن الله عندما يخاطب الناس جميعًا، فإنه يدعوهم إلى الإيمان دون تكليف، لكن عندما يخاطب المؤمنين، فإنه يكلفهم بالأوامر والنواهي، ولهذا قال في مواضع الأحكام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾، و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾. وهذا يدل على أن الإيمان بالله واختيار طريق الحق لا يكون بالإجبار، بل هو قرار ينبع من داخل الإنسان، ومن يختار طريق الله، فهو الذي سيجد في القرآن الشفاء والرحمة والهداية.
وشدد على أن القرآن الكريم لا يُنتفع به إلا إذا كان القلب سليمًا مستعدًا لاستقباله، فقد قال الله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌۭ وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًۭا﴾، مما يعني أن هذا النور الإلهي لا يزيد المنافقين والكافرين إلا بعدًا وضلالًا، بينما يكون للمؤمنين شفاء ورحمة. وضرب مثالًا بجهاز الاستقبال، موضحًا أن العيب ليس في إرسال القرآن، وإنما في القلب الذي يستقبله، فإذا كان القلب نقيًا مطمئنًا متفتحًا لنور القرآن، فإنه سيرى أثره وبركته، أما إذا كان مليئًا بالضغائن والشكوك والأنانية، فلن يتمكن من الاستفادة منه.
وختم مؤكدًا أن القرآن هو الشفاء الحقيقي للمؤمنين، وهو النور الذي يضيء دروبهم، وهو الرحمة التي تهدئ قلوبهم، فمن أراد الانتفاع به، فليستقبله بقلب مؤمن ونفس صافية، لأنه لا ينفع من كان في قلبه غل أو حقد أو كراهية. فالقرآن ليس مجرد كلمات تتلى، بل هو حياة كاملة لمن تدبره وعمل به، وهو الرسالة الإلهية الخالدة التي تقود الإنسان إلى الطمأنينة في الدنيا والسعادة في الآخرة.