ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي وموالد آل البيت والأولياء الصالحين؟‬ - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 10:16 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي وموالد آل البيت والأولياء الصالحين؟‬

منال الوراقي
نشر في: الجمعة 6 سبتمبر 2024 - 11:14 ص | آخر تحديث: الجمعة 6 سبتمبر 2024 - 11:16 ص

تحل ذكرى المولد النبوي الشريف أو مولد الرسول، وهو اليوم الذي ولد فيه النبي محمد بن عبدالله، خاتم الأنبياء والمرسلين، في 12 ربيع الأول، في الذكرى التي يحتفل بها المسلمون كل عام، ليس باعتباره عيدًا أو عبادة، بل فرحة بولادة نبيهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حيث تبدأ الاحتفالات الشعبية من بداية شهر ربيع الأول إلى نهايته.

هذا العام، أعلن المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية عن موعد المولد النبوي الشريف، والذي سيوافق الإثنين، 16 سبتمبر 2024، الموافق 12 ربيع الأول 1446 هـ.

ولكن، ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي وموالد آل البيت والأولياء الصالحين؟

ردت دار الإفتاء المصرية على هذا السؤال بأن المولد النبوي الشريف إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشري جميعه؛ فلقد عَبَّر القرآن الكريم عن وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه رحمة للعالمين، وهذه الرحمة لم تكن محدودة؛ فهي تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان؛ بل تمتد على امتداد التاريخ بأسره ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ [الجمعة: 3].

والاحتفال بذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء والمرسلين نبي الرحمة وغوث الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصل من أصول الإيمان.

وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أَجمَعِينَ» رواه البخاري.

قال ابن رجب: "محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصول الإيمان، وهي مقارِنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها اللهُ بها، وتَوعَّدَ مَن قدَّم عليها محبة شيء من الأمور المحببة طبعًا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك، فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة: 24].

ولما قال عُمَرُ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يا رسول الله، لأنتَ أَحَبُّ إليَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلا مِن نَفْسِي"، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا والذي نَفْسِي بِيَدِه؛ حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليكَ مِن نَفْسِكَ»، فقالَ له عُمَرُ: "فإنه الآن واللهِ لأَنتَ أَحَبُّ إليَّ مِن نَفْسِي"، فقالَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الآن يا عُمَرُ» رواه البخاري.

والاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم هو الاحتفاء به، والاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلم أمر مقطوع بمشروعيته؛ لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى، فقد عَلِمَ الله سبحانه وتعالى قدر نبيه، فعرَّف الوجودَ بأسره باسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته، فالكون كله في سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته على العالمين وحُجَّته.

الاحتفال بالمولد النبوي وموالد آل البيت والأولياء الصالحين

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق: "قد دَرَجَ سلفُنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس على الاحتفالِ بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والأذكار، وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نَصَّ على ذلك غيرُ واحدٍ من المؤرخين مثل الحافظين ابن الجوزي وابن كثير، والحافظ ابن دحية الأندلسي، والحافظ ابن حجر، وخاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي رحمهم الله تعالى.

ونَصَّ جماهيرُ العلماء سلفًا وخلفًا على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بل ألَّف في استحباب ذلك جماعةٌ من العلماء والفقهاء، بَيَّنُوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل؛ بحيث لا يبقى لمَن له عقل وفهم وفكر سليم إنكارُ ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف.

وقد أطال ابن الحاج في "المدخل" في ذكر المزايا المتعلقة بهذا الاحتفال، وذكر في ذلك كلامًا مفيدًا يشرح صدور المؤمنين، مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه "المدخل" في ذم البدع المحدثة التي لا يتناولها دليل شرعي، وللإمام السيوطي في ذلك رسالة مستقلة سماها "حُسن المَقصِد في عمل المولد".

ماذا يعني الاحتفال بالمولد؟

الاحتفال في لغة العرب: من حَفَلَ اللبنُ في الضَّرع يَحفِل حَفلا وحُفُلا وتَحَفَّل واحتَفَلَ: اجتمع، وحَفَل القومُ من باب ضرب، واحتَفَلوا: اجتمعوا واحتشدوا. وعنده حَفلٌ من الناس: أي جَمع، وهو في الأصل مصدر، ومَحفِلُ القومِ ومُحتَفَلُهم: مجتمعهم، وحَفَلهُ: جلاه، فَتحَفَّلَ واحتَفَلَ، وحَفَل كذا: بالى به، ويقال: لا تحفل به.

وأما الاحتفال بالمعنى المقصود في هذا المقام، فهو لا يختلف كثيرًا عن معناه في اللغة؛ إذ المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي هو تجمع الناس على الذكر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم وإطعام الطعام صدقة لله، إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإعلانًا لفرحنا بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

ويَدخُل في ذلك ما اعتاده الناس من شراء الحَلوى والتهادي بها في المولد الشريف؛ فإن التهادي أمر مطلوب في ذاته، لم يَقُم دليلٌ على المنع منه أو إباحَتِه في وقت دون وقت، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخُرى كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام، فإنه يصبح مستحبًّا مندوبًا إليه؛ لأن الوسائل أحكام المقاصد، والقول بتحريمه أو المنع منه حينئذ ضرب من التنطع المذموم.

الرد على من ينكر الاحتفال بالمولد النبوي وموالد آل البيت والأولياء

مما يلتبس على بعضهم دعوى خُلو القرون الأولى الفاضلة من أمثال هذه الاحتفالات، ولو سُلِّم هذا -لعمر الحق- فإنه لا يكون مسوغًا لمنعها؛ لأنه لا يشك عاقل في فرحهم رضي الله تعالى عنهم به صلى الله عليه وآله وسلم ولكن للفرح أساليب شتى في التعبير عنه وإظهاره، ولاحرج في الأساليب والمسالك؛ لأنَّها ليست عبادة في ذاتها، فالفرح به صلى الله عليه وآله وسلم عبادة وأي عبادة، والتعبير عن هذا الفرح إنما هو وسيلة مباحة، لكل فيها وجهة هو موليها.

وقد ورد في السنة النبوية ما يدل على احتفال الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع إقراره لذلك وإِمضائه، كما في حديث حسان بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَفْصَحُكُمْ لِسِبَةٍ أَحْسَنُكُمْ لِسِبَةٍ، وَأَجْوَدُكُمْ لِسِبَةٍ»؛ إذ كان الصحابة رضي الله عنهم يفخرون بانتسابهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويفرحون ويشرفون بذلك.

فهذا يتعارض مع القول بعدم مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أو بحلول ذكرى آل البيت والأولياء، فهي من الوسائل المباحة التي لم يرد نص يمنعها. والله أعلم.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك