«منذ أن خطت قلمه أولى الحروف، وحتى رحيله، ظل بهاء طاهر يشدو بلغة سحرية، يرسم لوحات إنسانية تعبر عن هموم وآمال الناس. ففى عالم متشابك المعالم، قدم لنا بهاء طاهر رؤية عميقة لوحدة الوجود الإنسانى، متجاوزًا الحواجز الزمنية والمكانية. أثره وتأثيره كبيرًا فى أجيال الكتّاب، وفى السطور التالية نقدم عدة شهادات عنه لنعرف مدى تأثيره فى الأدب المصرى والعربى.
حسين حمودة: كتابات بهاء طاهر تقوم على وحدة العالم
قال الناقد الدكتور حسين حمودة إن على تنوع كتابات بهاء طاهر، وعلى امتداد الرحلة التى قطعتها، منذ الستينيات وحتى سنوات قريبة، فإنها جميعا تنهض على سمات متقاربة وملامح متجانسة، كلها تشير إلى نوع من «وحدة العالم».
وأضاف أنه، ومنذ قصته الأولى «الخطوبة»، وحتى آخر ما كتب، نستطيع أن نلاحظ اهتمامًا واحدًا بقضايا بعينها، وأن نشهد حرصًا ممتدًا على صياغات فنيّة خاصة، كما نستطيع أن نجد أنفسنا، عقب الانتهاء من قراءة كل عمل من هذه الكتابات، فى حالة متعة مشرعة على تأملات فى تجربة إبداعية مسكونة بجمال هادئ، حافلة فى أحايين كثيرة بالأسئلة والتساؤلات.
وتابع حمودة أن السمات والملامح هى الاهتمام بالأوضاع العربية التى تدفع الإنسان الفرد إلى ما تدفعه إليه، وبما يستدعيه ذلك من حضور لوقائع محددة التواريخ أحيانًا، ثم بما يقود إليه ذلك من إقامة نوع من التفاعل والتجاوب بين هذه الوقائع العامة، من جهة، وحياة الإنسان الفرد، الخاصة والشخصية، من جهة أخرى. والاهتمام بالأوضاع العربية الراهنة، فى زمن الكتابة، حاضر حتى فى أعمال بهاء طاهر التى التمست عوالمها فى أزمنة قديمة، بعيدة أو قريبة، ومنها «محاكمة الكاهن نن»، و«خالتى صفية والدير»، و«واحة الغروب».
سيد محمود: اتسم دائمًا بالتواضع الشديد.. واهتم ببناء الحكاية وكتب بلغة سردية بسيطة
قال الكاتب والناقد سيد محمود، إن علاقته بالأستاذ بهاء طاهر تمتد لسنوات طويلة، ودائما ما غلفتها المحبة والود، وأن تلك العلاقة بدأت منذ أول مقال كتبه فى حياته، والذى كان عن الأعمال الكاملة لبهاء طاهر، ومنذ ذلك السن الصغير ربطته علاقة متميزة ببهاء طاهر.
وتابع محمود أن بهاء طاهر اتسم دائما بالتواضع الشديد، وببساطة التعامل، وكان دائما يحب الجلوس فى المدينة فى مكان ثقافى، وكان ذلك المكان فى أحيان كثيرة هو مقهى زهرة البستان بوسط البلد، وهنالك تعرف هو نفسه عليه، وظل محتفظا بتلك العادة حتى تدهور صحته الأخير، فكان يقابل شباب الكتاب على مقهى زهرة البستان، ومقهى عمر الخيام بالزمالك، وكان يصر على التواصل معهم، وكان دائما يكون علاقات مع الناس فامتلك شبكة علاقات واسعة، وكان بهاء طاهر من الناس الذى يسهل بناء علاقة معهم بمنتهى السهولة.
وأضاف أنه لدى بهاء طاهر على المستوى الكتابى مميزات كثيرة منها العناية باللغة التى كانت بها أناقة، والأسلوب الرشيق، وكان لا يميل للحيل اللغوية واختراقات اللغة، فكان يهتم ببناء الحكاية، ويكتب بلغة سردية بسيطة.
وأكمل أنه، وكما كانت قصصه بالنسبة لى على المستوى الشخصى جميلة، كانت رواياته تترك أثرا كبيرا فى نفوس القراء، وأذكر رواية «قالت ضحى»، والتى تركت أثرًا فى جيله من الكتاب، وأن بهاء طاهر كتب عن ذلك فى مقدمة روايته «خالتى صفية والدير»، أن الشباب حولوا ضحى إلى رمزية، وهذا أثر على جيل كامل، وأنه يعتبر رواية «قالت ضحى»، أهم رواية كتبت عن ثورة يوليو.
واختتم سيد محمود حديثه بأنه لم تكن القضايا السياسية هى التى تتصدر أعمال بهاء طاهر، ولكنها كانت تتواجد بها، بالإضافة للقيم الإنسانية الكبيرة، وهذا ما كان يبرع فيه بهاء طاهر وهو وضع القضايا داخل قوالب أدبية يعزز فيها الحب، وهذا ما جعل كتاباته تتسم بالعذوبة الاستثنائية، وتصل للناس بطريقة لم تتحقق لكتاب جيله.
منصورة عز الدين: بهاء طاهر أثبت أن الأدب الكبير ينبع من نفس كبيرة
قالت الكاتبة والروائية منصورة عز الدين إنها عرفت بهاء طاهر لأول مرة عبر قصته البديعة «بالأمس حلمت بكَ»، والتى قرأتها، وهى طالبة فى المرحلة الثانوية، فى عدد قديم لمجلة إبداع ففتنت بها، وتعاطفت مع بطلتها آن مارى بشدة، ولمستها حيرتها وأوهامها وهشاشتها والقلق الوجودى الساكن فيها، بدت لها شخصية فنية بامتياز، شخصية قد لا تفهم دوافعها تماما كقارئ، وقد تسمها شبهة عنصرية ما، إلا أنك لا تملك إلا التعاطف معها، ومحاولة تفهمها.
وأضافت عز الدين أن «بالأمس حلمت بك» كانت نقطة انطلاقتها للتعرف على عالمه وكتاباته، وتتتذكر أنها بمجرد انتقالها للقاهرة للدراسة فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة، كان مجلد الأعمال الكاملة لبهاء طاهر طبعة دار الهلال من أول الكتب التى اقنتيتها، وأحببت الحس الصوفى الأصيل فى كتابته، وقدرت اهتمامه بالحبكة الروائية باعتباره أحد أساتذتها.
وأكملت أنها وبعدها بوقت قليل تعرفت عليه من خلال صديقه المقرب الكاتب محمد البساطى، لتكتشف شخصية راقية نبيلة لا تقل إبداعا عن كتابته. ولعل أهم ما ميز بهاء طاهر دعمه غير المحدود لشباب الكتاب، بصداقته وإنصاته وقراءته الواعية والمحبة لأعمالهم وكرمه بالوقت والاهتمام، وأكدت أنه لقد عنى لها دعمه الكثير فى أوقات صعبة ولحظات مصيرية فى مشوارها مع الكتابة.
وعن إبداع بهاء طاهر قالت عز الدين إنه يكفيه أنه اختط لنفسه خطا إبداعيا مخلصا لرؤاه وأفكاره، وكان متمهلا فى إنضاج صوته الخاص والمتفرد بهدوء وتمهل بداية من مجموعته القصصية الأولى المهمة «الخطوبة» مرورا بـ«بالأمس حلمت بكَ» و«أنا الملك جئت»، وحتى أعماله الأخيرة.
وتابعت أنه طوال مسيرته أثبت بهاء طاهر أن الأدب الكبير ينبع من نفس كبيرة راقية منفتحة على الآخرين ومحبة لهم، وعلى أن الثقافة والإبداع لا خير فيهما إن لم يتحولا إلى منهج حياة.
واختتمت أن اللافت فى ما يخص علاقتها بأدبه، أن «آن مارى»؛ بطلة «بالأمس حلمت بكَ» ظلت حتى هذه اللحظة بين الشخصيات الفنية المفضلة بالنسبة لها، ولو لم تخنها الذاكرة فقد عبرت عن ارتباطها بهذه الشخصية فى الإهداء الذى كتبته له على نسخته من روايتها الأولى «متاهة مريم».
زينب عفيفى: بهاء طاهر فارس فى سياق الإبداع السردى
قالت الكاتبة زينب عفيفى إن من أحب الحوارات التى أجرتها مع عمالقة الأدب والفكر، حوارها مع المبدع بهاء طاهر، الذى تضمنه كتابه «موعد مع الورق»، والذى ضم نخبة من أدباء جيل الستينيات الذى أتى منه بهاء طاهر فارسا فى سياق الإبداع السردى، حاملا تجربة مكثفة، لم يقع فى فخاخ الأيدلوجية أو لغة الشعارات.
وتابعت عفيفى أن الكتابة عند بهاء طاهر تجربة مختلفة، وربما لهذا السبب كان مقلا فيها، إنتاجه الأقل فى أبناء جيله لكنه إبداع حقيقى؛ لم يعترف بمقولة الأكثر مبيعا، فهو عصامى الإبداع إن صح التعبير، لم ينشغل بالجوائز، فهى تذكر دوره الوطنى كمبدع حين رد جائزة مبارك للآداب التى حصل عليها عام 2009 وقال «إنه لا يستطيع أن يحملها بعد أن أريقت الدماء الذكية للشباب فى ميدان التحرير».
وأضافت أن كتابات بهاء طاهر هامسة تنساب فى هدوء آسر وتربت على مشاعرنا فى نعومة ورقة مهما بلغت حدتها الدرامية وعمقها الدلالى، وتذكر حين سألته: «ما الذى تبحث عنه فى كتاباتك؟ هل تبحث عن الحقيقة؟».
أجابها: «كل ما كتبته «خربشات» لمحاولة البحث عن الحقيقة؛ هذا السؤال المطروح من المهد حتى النهاية، ما هى الحقيقة؟» وهذا هو نفس السؤال التى تطرحه علينا الحياة من أول يوم نعى فيه الحياة، ماذا نريد؟ من نحن؟ أظن أن الإبداع فى العالم القديم والحديث أيضا هو الإجابة، فهناك بيت شعر لزهير بن أبى سلمى يقول فيه: ومن يوف لا يذمم ومن يهدى قلبه.. إلى مطمئن البر لا يتجمجم «ربنا يهدى قلب الإنسان، وأن يكون مطمئنا».