المؤرخ رشيد خالدي: إسرائيل تعصف بالشرعية والقانون والمحاكم.. والجيل الجديد لا ينخدع بشعاراتها - بوابة الشروق
السبت 12 أكتوبر 2024 12:51 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المؤرخ رشيد خالدي: إسرائيل تعصف بالشرعية والقانون والمحاكم.. والجيل الجديد لا ينخدع بشعاراتها

منى غنيم
نشر في: الجمعة 11 أكتوبر 2024 - 9:30 م | آخر تحديث: الجمعة 11 أكتوبر 2024 - 9:30 م

وصول كتاب "حرب المائة عام على فلسطين" للمؤرخ رشيد خالدي إلى قائمة "نيويورك تايمز" لأكثر الكتب غير الخيالية مبيعًا

أجرت الصحفية الأوغندية رازيا إقبال، مقابلة حديثًا مع المؤرخ الفلسطيني الأمريكي رشيد خالدي، الذي يعمل برفيسورًا للدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، ومديرًا لمدرسة الشؤون الدولية والمحلية التابع لمعهد الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا تم نشرها في صحيفة "الجارديان" البريطانية تحدث من خلالها بصراحة عن رأيه في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المتأجج الآن، وتبعات هجمات السابع من شهر أكتوبر الماضي، وتأثير ما يحدث الآن من إبادة عرقية للفلسطينيين على العالم الغربي.

وتزامنت المقابلة مع تقاعد الأستاذ الفلسطيني الأمريكي الوشيك من منصبه حيث شغل كرسي الأستاذ الراحل إدوارد سعيد للدراسات العربية في قسم التاريخ بجامعة كولومبيا، وفي صباح تلك المقابلة كان تلقى أخبارًا مثيرة للقلق: حيث اقتحمت عصابة من المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين منزلًا في أحد الشوارع في القدس، وهو عقار كان في حوزة عائلته منذ عهد جده الأكبر في القرن الثامن عشر.

كان العقار مهجورًا لفترة وجيزة مؤخرًا بعد وفاة أحد أبناء عمومته الذين كانوا يعيشون هناك، وكانت الخطة هي تحويل المنزل إلى امتداد لمكتبة "الخالدي" التي تقع في الجهة المقابلة لطريق المنزل مباشرة، والتي تضم أكثر من 1200 مخطوطة، بعضها يعود تاريخه إلى أوائل القرن الحادي عشر.

وقال "خالدي" إنه يعتقد أن المستوطنين كانوا يتسمون ب "الاستراتيجية"، وأنهم كانوا يراقبون العقار، أو ربما نعي الضحايا بالصحف، وكانوا مستعدين للتحرك في أي لحظة من اجل الانقضاض على العقار، وفي حين أن عائلته تمتلك وثائق الملكية المتعلقة بالعقار، قال "خالدي" إن ذلك لم يشعره بالطمأنينة: "لقد حصلنا على قرار من المحكمة لصالحنا، ينص على أننا نملك العقار، لكن هؤلاء الناس يدوسون على الشرعية والقانون والمحاكم، وهم مدعومون من قبل الشرطة والحكومة".

وهنا وجب الإشارة إلى أن رشيد خالدي يبلغ من العمر 76 عامًا هذا العام؛ وهو في نفس عمر دولة إسرائيل، ويعتبر هذا الحادث أحدث مثال على ما يحدث للفلسطينيين منذ تأسيس إسرائيل: أي على حد تعبيره، "السلب والنهب المنهجي والجماعي للشعب الفلسطيني".

وقالت الصحفية إن "خالدي" كان يبدو كأستاذ ودود عندما تحدثت إليه في جنوب فرنسا، وكان في مزاج تأملي بعض الشىء، وكان الابتعاد عن الولايات المتحدة هو بمثابة راحة من ما كان من بين أكثر الفصول الدراسية صخبًا في جامعة كولومبيا خلال أكثر من عقدين من الزمان قضاها هناك.

لقد بدأت حركة الاحتجاج الطلابية ضد تصرفات إسرائيل في غزة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي في حرم جامعة كولومبيا، وجمعت بين فصيلين هيمنا على حياته: السياسة في فلسطين وإسرائيل، وكونه باحثاً في شؤون الشرق الأوسط في كلية نخبوية.

وفي اليوم التالي لإرسال الشرطة لفض معسكر كولومبيا، ظهر "خالدي"ومعه مكبر صوت لدعم الطلاب، وبصفته مؤرخ ، ذكّر جمهوره بأنه، كما حدث مع احتجاجات فيتنام ، فإن التاريخ سيحكم على الطلاب بأنهم كانوا على الجانب الصحيح، وأن شجاعتهم ستتدون بأحرف من نور.

وكان صوته وسلطته السردية حول موضوع فلسطين محل بحث مكثف منذ السابع من أكتوبر الماضي، ويرجع ذلك أساساً إلى كتابه الأخير، "حرب المائة عام على فلسطين: تاريخ الغزو الاستعماري الاستيطاني والمقاومة".

لقد استمتع "خالدي" بحياة مكرسة للتعليم والسياسة والأسرة، ولكن هذه الحياة كانت أيضًا مشبعة بعذاب مشاهدة ما حدث في فلسطين وما يحدث لها، وبينما يتطلع إلى التقاعد وتولي منصب فخري في جامعة كولومبيا، فإنه يفعل ذلك باعتباره المثقف الفلسطيني الأبرز في جيله في الغرب ــ وهي المكانة التي ورثها عن إدوارد سعيد، وليس فقط لأنه شغل لفترة طويلة الكرسي الذي تم إنشاؤه باسم "سعيد".

ومع ذلك، يمكن القول إن "خالدي" كان أكثر تأثيرًا من "سعيد" في الأشهر الأخيرة، فقد احتل كتاب "حرب المائة عام على فلسطين" المركز الخامس في قائمة "نيويورك تايمز" لأكثر الكتب غير الخيالية مبيعًا لأكثر من ثلاثين أسبوعًا. وقال "خالدي" إنه سلاح ذو حدين، فهو يريد المبيعات العالية لكتابه - كأي كاتب - ويعلم أيضًا أن نجاحه ينبع من الحاجة إلى فهم تاريخ المنطقة في أعقاب عشرات الآلاف من الوفيات الفلسطينية، لذا فهو يتبرع بعائداته للجمعيات الخيرية.

ويقدم الكتاب إطارًا مقنعًا بأن ما حدث لفلسطين هو نتيجة لمشروع استعماري استيطاني، والمقاومة التي أثارها ذلك، كما يروي قصة تاريخ عائلته البارزة: حيث أرسل عمه والده لتسليم رسالة إلى الملك عبد الله الأول ملك الأردن للتحدث نيابة عن الفلسطينيين، وهو ما يؤكد غياب القنوات الدبلوماسية للفلسطينيين الذين تم إسكات أصواتعم.

كما ذكرت افتتاحية الكتاب رسالة حادة كان قد كتبها عمه الأكبر، يوسف ضياء الدين باشا الخالدي، إلى ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة في عام 1899،حيث اعترف يوسف ضياء في الرسالة أن تحقيق المشروع الصهيوني من شأنه أن يستلزم تجريد الشعب الفلسطيني من ممتلكاته. وبالفعل تحققت نبوءة جده في الكتاب وعلى أرض الواقع.

لقد فقد جد "خالدي" منزل العائلة في يافا في النكبة أو الكارثة التي تجسدت في النزوح الجماعي وطرد الفلسطينيين خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وتشتتت عائلته، في ذلك الوقت، كان والداه في نيويورك، حيث كان والده يكمل تعليمه. ولأنهم لم يتمكنوا من العودة إلى فلسطين، فقد مكثوا في نيويورك، حيث وُلد رشيد.

وكان "خالدي" جزءًا من دفعة عام 1970 في جامعة ييل، وهي أول دفعة لم يكن لديها حصص للطلاب السود أو اليهود. وقد انهارت هذه الحدود بعد حركة الحقوق المدنية، وقال "الخالدي": "كنا أول دفعة لم تتكون في الغالب من أولاد المدارس الإعدادية البروتستانت الأنجلوساكسونيين بيض البشرة، وكدت أترك الدراسة بعد السنة الأولى حيث كان من الصعب أن أشعر بالراحة حول أشخاص مثل رئيس أمريكا السابق جورج دبليو بوش، الذي كان طالبًا في السنة الأخيرة".

في النهاية، وجد "خالدي شعبه" ، الذين شاركوا في النشاط الفلسطيني، والتنظيم المناهض لحرب فيتنام، وتذكر "خالدي" زيارة قامت بها رئيسة وزراء إسرائيل جولد مائير إلى جامعة ييل في أواخر ستينيات القرن العشرين حيث قالت إن الفلسطينيين "غير موجودين" من الأساس، وقد اُستقبلت مائير بحفاوة بالغة من نحو ألف طالب، ولم يعارض زيارتها سوى أربعة أشخاص، من بينهم "خالدي".

وقال "خالدي": "لو أن تلك الزيارة تكررت الآن لانقلب الوضع رأسًا على عقب، حيث سيحتج الآلاف من الطلاب الآن ضد دولة إسرائيل بعد أفعالها المشينة".

وعزا "خالدي" هذا التغيير إلى تحول كبير على عدة مستويات؛ ففي الأوساط الأكاديمية وفي الدراسات الجادة، تغيرت الطريقة التي يتم بها تدريس موضوع إسرائيل وفلسطين، وهناك أيضًا ما يصفه بالازدراء التام من جانب الجيل الأصغر سنًا لوسائل الإعلام التقليدية، وبيّن أن ابن ، وهو كاتب مسرحي، يحثه باستمرار على إلغاء اشتراكه في صحيفة "نيويورك تايمز ، قائلاً له إنه من العار أن يدفع للصحيفة.

وقال "خالدي" "إن الجيل الجديد ولله الحمد متشكك بشدة في الشعارات والأساطير والأكاذيب والتشوهات التي يعتز بها الساسة ووسائل الإعلام والمؤسسات التي تهيمن على المجتمعات الغربية، والتي تفرضها بالقانون على كل شخص آخر إذا تظاهرت لصالح شيء لا يحبونه".

وبالحديث عن ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي، قال "خالدي: "كان هناك شيئان يحدثان في نفس الوقت، لقد صدمت أهوال ذلك اليوم الناس لأسابيع متتالية ،فمن جهة كان هناك أولئك الذين قالوا إن الانفجار أمر لا مفر منه عندما تفرض احتلالًا أو حصارًا وحشيًا على الناس لأربعة أو خمسة أجيال، ومن جهة أخرى بدأ الناس يرون إبادة جماعية حقيقية نصب أعينهم وعلى هواتفهم المحمولة كل يوم؛ وكان لذلك تأثير عميق".

وتحدث "خالدي" عن انتفاض الشباب في جميع أنحاء العالم لدعم فلسطين، فقال: "إن فهم التجربة المؤلمة التي مر بها الإسرائيليون أمر ضروري لفهم ما يحدث الآن، وفهم ما تنتويه إسرائيل في المستقبل"، وأضاف: الخسائر فادحة على الفريقين،، فمن ناحية هناك عشرات الأطفال القتلى من الجانب الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى هناك آلاف الأطفال القتلى من الجانب الفلسطيني. وإذا كنت غاضباً من الحقيقة الأولى، فلابد وأن تستشيط غضبًا من الحقيقة الثانية، وتابع: وسائل الإعلام أو الساسة دائمًا ينظرون للوفيات من جاتب واحد؛ فبالنسبة لهم إنه أمر عادي أن يكون هناك مئات بل وآلاف الفلسطينيين القتلى، ولكن العكس لا يجوز، فوفيات الإسرائيليين بالنسبة لهم أكثر رعبًا وفظاعة، والخبر الجيد في كل ذلك أن نفاقهم العنصري الصارخ هذا وراء تلك المواقف أصبح جليًا بالنسبة لكثير من الناس".

إن تأثير الاحتجاجات في الجامعات من المرجح أن يظل محسوسًا لبعض الوقت، فقد فقد ثلاثة رؤساء من كليات النخبة وظائفهم، ولا يزال بعض الطلاب يواجهون قضايا أمام المحاكم، وستظل التساؤلات حول الدور الذي تلعبه الجامعات في المجتمع المدني محل نقاش. ولكن "خالدي"، الذي كرس حياته لمتابعة التعلم، سئم الحياة الروتينية للأكاديمي.

وقال: "لم أعد أرغب في أن أكون جزءاً من هذه الآلة، صرت لفترة أشعر بالاشمئزاز والرعب من الطريقة التي تطور بها التعليم العالي إلى آلة تسجيل نقدي ــ في الأساس عملية لكسب المال، يديرها محامون، وصناديق تحوط وعقارات، مع نشاط جانبي بسيط في التعليم، حيث يحدد المال كل شيء، وحيث يكون احترام التربية في أدنى مستوياته. إنهم يحترمون البحث الذي يجلب المال. لكنهم لا يهتمون بالتدريس، على الرغم من أن الطلاب هم الذين يوفرون نسبة ضخمة من ميزانيات الجامعات الخاصة".

وبغض النظر عن خيبة أمله الشخصية، فإن "خالدي" محبوب من طلابه: فقد حضر أكثر من 60 من طلاب الدكتوراه الذين أشرف على رسائلهم خلال حياته المهنية من جميع أنحاء العالم لتقديم التحية له في نيويورك الصيف الماضي. وكان ذلك جزءًا من ندوة استمرت يومين تناولت إرثه الأكاديمي ــ وكان لابد من إيجاد مكان جديد في غضون مهلة قصيرة، حيث كانت كولومبيا تحت الإغلاق.

واعتذر "خالدي" عن الأسئلة التي يعجز عن إجابتها، فهو مؤرخ يفضل التركيز على تحليل ما تخبرنا به الأفعال الماضية، وسوف يركز كتابه القادم على أيرلندا، وكيف كانت بمثابة مختبر لفلسطين، وينبع هذا الكتاب من زمالة حصل عليها مؤخرًا في كلية ترينيتي في دبلن. ويقول إنه لفهم فلسطين، يتعين عليك فهم الاستعمار البريطاني على نطاق أوسع. وهو يأمل في دراسة الشخصيات الرئيسية في الطبقة الأرستقراطية البريطانية التي كانت تجربتها الأيرلندية محورية في كل ما فعلته بعد ذلك ــ أشخاص مثل آرثر جيمس بلفور، والسير تشارلز تيجارت، والجنرال السير فرانك كيتسون. ويأمل "خالدي" أن يبين كيف تم تصدير التجربة الأيرلندية إلى الهند ومصر وفلسطين، ثم عادت إلى أيرلندا مرة أخرى أثناء الاضطرابات، بعد أن تم تضخيمها في المستعمرات. وعن ذلك قال: "من المدهش كيف تجد الأساليب العسكرية وأساليب مكافحة التمرد، مثل التعذيب والاغتيال، جذورها في البريطانيين الموجودين في أيرلندا".

إن تاريخ عائلته الشخصي، ومنحته الدراسية، والمقعد الأمامي الذي شغله كجزء من المجموعة الاستشارية الفلسطينية أثناء المحادثات في مدريد في أوائل التسعينيات، يظهر له حقيقة واحدة؛ ألا وهي أنه ما لم تغير الولايات المتحدة دعمها الكامل وغير النقدي لإسرائيل، فلن يحصل الفلسطينيون على أي شيء قريب من الاستقلال.

وعندما ينظر إلى الوراء إلى التسعينيات من القرن الماضي، يتذكر ما كان الفلسطينيون يواجهونه، ولماذا لم تكن لديهم فرصة. ولماذا كان مصير جهود السلام في ذلك الوقت الفشل. ولم يكن لدى إسرائيل محاموها الخاصون الذين يفحصون كل التفاصيل فحسب، بل كانت تحظى بدعم الولايات المتحدة أيضًا، وأدرك الخالدي أن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة يمكن أن تكون "وسيطًا نزيهًا" كان خطأً أساسيًا ارتكبه ياسر عرفات وفريقه.

وأضاف: "لا تستطيع إسرائيل أن تقتل هذا العدد من الفلسطينيين [أكثر من 40 ألفاً وقت كتابة هذه السطور] من دون الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية؛ فالولايات المتحدة تمنح إسرائيل الضوء الأخضر، وهي طرف في الحرب على فلسطين، وهذا ما يحركني كأميركي، فأنا لا أفعل هذا لأنني فلسطيني فحسب. بل لأنني أميركي أيضًا".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك