• ونعمل لتقريب وجهات النظر بين السياسات والرؤى المختلفة
قال مدحت نافع، الخبير الاقتصادي وعضو لجنه الاقتصاد الكلي الاستشارية لمجلس الوزراء، إن أهم الملفات المعنية بها لجنة الاقتصاد الكلي هي النمو الاقتصادي والتضخم والدين العام.
ويرى نافع، في حوار مع «الشروق»، أن اللجنة الاستشارية ليست «لجنة موظفين»، لذلك من الممكن أن تتحرك بحرية لتقريب وجهات النظر بين السياسات والرؤي المختلفة دون التعدي على اختصاصات لجنة تنسيق السياسات الموجودة بمجلس الوزراء، « لجنة الاقتصاد الكلي أستطيع القول إنها ستضع الخطوط العريضة لكل اللجان الفرعية»، مؤكدا أن كل يذكره معبر عن آرائه وليس عن اللجنة.
الهند وفرنسا وأمريكا لديها نماذج تشبه تلك اللجان ساهمت في تطوير استراتيجيات اقتصادية فعالة
وأضاف نافع أنه اطلع على التجارب الدولية السابقة فيما يتعلق بهذا النوع من اللجان وطبيعة عملها لكي «أستفيد منها شخصيا قبل مشاركتها مع زملائي»، موضحا أن هناك العديد من التجارب الناجحة أبرزها المجلس الاستشاري الاقتصادي في الهند، والذي أعيد تشكيله في عام 2017 ويقدم النصائح للحكومة بشأن السياسات الاقتصادية وساهم في تحقيق نمو اقتصادي وتقليل الفقر بشكل كبير.
وتابع أن هناك أيضا اللجنة الاقتصادية الوطنية بالولايات المتحدة والتي جرى تشكيلها منذ عام 1993 لتقديم المشاورة للرئيس الأمريكي وكان لها دور مؤثر في الأزمة المالية عام 2008، كما يوجد لجنة في سنغافورة تأسست في 2002، ساهمت في تطوير استراتيجية اقتصادية فعالة عززت من النمو الاقتصادي، ولجنة مثلها في تشيلي وأستراليا، ولجنة شبيهة في فرنسا تأسست في 2017 أسسها الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون.
وأوضح نافع أن القواسم المشتركة من اللجان السابق ذكرها هي المساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي وتحليل دقيق للبيانات الاقتصادية وتقييم المخاطر وتحسين وترشيد اتخاذ القرارات وزيادة الشفافية والمساءلة والتنبؤ والتحليل الاقتصادي والتعاون مع المنظمات الدولية المختلفة، قائلا "طالبت سابقا بوجود لجنة لمتابعة تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي تكون مستقلة، وأعتقد أن اللجنة الحالية تستطيع القيام بتلك المهمة خاصة وأنها ليست تنفيذية".
ويرى نافع أن أهم التحديات التى يجب التغلب عليها في كل لجنة هو عدم التجانس بين الأعضاء، لذلك يجب تطوير آلية عمل داخلية للتوفيق بين الآراء وإيجاد مساحات مشتركة ولتحسين المنتج الاستشاري حتي في حالة تضمن آراء مختلفة تكون مدعومة بالدراسة للتسهيل على متخذ القرار.
وتابع أن من الأولويات الأساسية والتى حددتها لمناقشتها مكافحة التضخم وتعزيز الانضباط المالي والإصلاح المالي والمؤسسي وتحسين وضبط الدين العام ومعالجة عجز الإنتاج ومكافحة الفقر، وعلى سبيل المثال في مسألة مكافحة التضخم يجب تعزيز القوي الشرائية للجنيه وخفض الإنفاق الحكومي والتوقف عن التضخم "الحلزوني" من خلال زيادة اسمية للأجور واتباع سياسات تحفز الإنتاجية.
قرارات المركزي حول الفائدة ساهمت في إحداث توازن
وأكد أن اللجان الاستشارية دائمة وليست مؤقتة أو للتعامل أو معالجة أمر معين، لذلك لابد أن تكون لها آلية ومنهجية عمل، كما ستكون هناك اجتماعات دورية وفق ما أعلن رئيس مجلس الوزراء، مشددا على ضرورة أن تساهم اللجان في تحقيق مكاسب سريعة يشعر بها المواطن العادي والذى «يراهن علينا بعد تشكيل اللجان وإعلانها».
وعلى صعيد المؤشرات الاقتصادية، يري نافع أن قرارات البنك المركزي المتعلقة بأسعار الفائدة من زيادة أو تثبيت كانت صائبة لإحداث توازن، خاصة من بعض السياسات المالية التى تحدث بعض الموجات التضخمية، متوقعا أن يكون 2025 عام التيسير النقدي إذا لم نشهد صدمات جديدة متعلقة بتوترات جيوسياسة أو حدوث شح دولاري، موضحا أن وتيرة التيسير ستعتمد على معدلات التضخم.
وعن الحزم الاجتماعية المنتظرة وانعكاسها على معدلات التضخم يرى نافع أنه لابد أن نفرق بين البعد الاجتماعي والأثر التضخمي، وأنه لابد قدر المستطاع تجنب «التضخم الحلزوني»، ولكن في الكثير من الأحيان يكون من الضروري إقرار حزم للحماية الاجتماعية، لذلك لابد أن توازن الحكومة في الدعم المقدم وألا تعتمد فقط على دعم مادي يزيد من المعروض النقدي في الأسواق، إنما يجب أن تنظر أيضا للدعم العيني كأداة للتخفيف عن المواطن، مشيرا إلى أن السياسة النقدية لها دور في تقليل أثر الحزم الاجتماعية التى تضطر لها الحكومة على التضخم كعمليات السوق المفتوح والتى تمتص فائض السيولة.
تحقيق معدل نمو حقيقي يحتاج دعما باستثمار وصافي صادرات إيجابي وليس بالاستهلاك
كما يرى نافع أنه لتحقيق معدل نمو حقيقي لابد أن يكون معززا بالاستثمار وبمعدل صافي صادرات إيجابي وليس بالاستهلاك، خاصة أنه حاليا معزز باستهلاك القطاع العائلي، كما أن صافي الصادرات بالسالب، لذلك لابد من تعزيز معدلات النمو بكل المقومات لأننا كدولة نامية لابد أن تكون معدلات نموها أكبر من المتوسط العالمي.
وأضاف أن المشكلة الأساسية التى تواجه الصادرات المصرية هي مدى توافر المواد الخام، والاعتماد بنسبة كبيرة على المكون الاستيرادي مما يجعل القيمة المضافة للصادرات قليلة، لذلك لابد من التوجه بسياسة تشجيعية للصادرات ذات القيمة المضافة وذات الاعتماد الأقل نسبيا على الطاقة لأنها أصبحت موردا نادرا ومكلفا ومتقلب السعر، مما يؤثر سلبا على قدرة الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة على تحقيق فائض صادرات كبير.
وأشار إلى أن هناك عددا من التحديات تواجه زيادة الصادرات منها صعوبة استصدار التراخيص وتعدد جهات الولاية على الأراضي وتحديات الطاقة والتمويل، لكنه يرى أن الدولة تولي اهتماما كبيرا بالصادرات وتوفير برامج جيدة لمساندة المصدرين، فيما يرى ضرورة الاهتمام بالتصدير الخدمي كالسياحة لأنه لا يحتاج تكاليف استثمارية كبيرة وليس بحاجة إلى أي مكون استيرادي لاكتمال عملية التصدير.
وتابع أنه بقليل من الاستثمارات الجديدة يمكن زيادة حصيلة التصدير للخدمات، كالاقتراح باستغلال الشقق السكنية المغلقة بشكل دائم في جميع أنحاء الجمهورية وتحويلها إلى شقق فندقية للاستفادة منها في زيادة أعداد السائحين بدلا من بناء فنادق جديدة.
وأوضح أن التشجيع المطلوب للصادرات الخدمية والسلعية ليس بالشكل التقليدي أو في صورة إعفاءات ضريبية ولكن بحاجة أكثر إلى تسهيلات ضريبية أخري فضلا عن الوضوح والشفافية الضريبية، كما أنه مع ارتفاع أسعار الفائدة من الممكن توفير صناديق خارج الجهاز المصرفي حتى لا يتم تشويه هيكل أسعار الفائدة لدعم بعض الأنشطة بعائد مخفض.
وعن وثيقة سياسات ملكية الدولة يري نافع أنها في طريقها للتنفيذ المرهون بعوامل كثيرة جدا مرتبطة بالتوترات الجيوسياسية ومعدلات السيولة في الأسواق وعدم بالخس في التسعير وتقييم الأصول، كما أن التخارج من الأصول المملوكة للدولة جزء من الإصلاح الهيكلي لذلك لابد من السير في ذلك المسار بوتيرة أفضل وتحديد هدف واضح وتكون مستهدفاته تتجاوز حصيلة البيع.
علينا عدم الاستدانة من الخارج بالدولار إلا لمشروعات لها عائدات بالعملة الصعبة
وفيما يتعلق بأزمة الدين يري نافع أن إطالة أمد الدين مسألة هامة جدا مع إعادة هيكلته قدر المستطاع، ووضعه على مسار نزولي لنقلل من أعبائه سواء داخليا أو خارجيا، كما أن خطورة الدين الداخلي يضاعف من أزمة التضخم لأن يدفعنا لطباعة جنيه لتمكن من السداد وتلتم خدمة الدين جزء كبير من مصروفات الموازنة.
وفيما يتعلق بالدين الخارجي قال إنه لابد للرجوع إلى القاعدة الذهبية التى كانت موجودة في عام 2005 وهي عدم الاستدانة من الخارج بالدولار إلا إذا ستساهم في مشروعات يكون لها عائدات بالعملة الصعبة، وسدادها في العام نفسه حتى لا يكون لدينا صافي دين دولاري.
وعن قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصادية، يري نافع أنه لابد أن نكون مستعدين بسياسات مضادة للتقلبات ونتعامل بمرونة مع كل الاحتمالات وليست سياسات رد فعل، ونحن الآن في خضم حرب تجارية بين الصين وأمريكا كانت في الماضي فقط على الرقائق الالكترونية والأن انضم إلى الصراع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتتطور ويتسع مداها لذلك لابد من إدارة المخاطر لتعظيم العائد منها وتفادي وقوع الضرر والتقليل من أثر المخاطر التى يصعب تجنبها.
وأشار أن العام الحالي مليء بالتوازنات الصعبة خاصة مع الدولة "الترامبية الثانية"، مضيفا أن في عهده لا تقل الحرب الاقتصادية خطورة عن حرب الأسلحة وبالتالي لابد من الاستعداد للتصعيد في هذا المجال بكافة الاحتمالات.