- نصوص تكشف عن حركة فنية عميقة ذات أبعاد اجتماعية وثقافية

بين ثنايا نصوص كتاب "فن الشارع"، ينطلق بنا الكاتب سيد عبدالحميد في رحلة شيقة عبر عالم الراب، عالمٍ تحول فيه الشارع إلى مسرحٍ واسع، وكلمات الأغاني إلى وسيلة سحرية للتعبير عن الذات،حيث يسلط الكاتب الضوء على مجموعة شخصيات بارزة في هذا المجال، وكيف أن حياتهم المهنية والشخصية تشبه لعبة الشطرنج، تتقلب بين المكاسب والخسائر، بين الصعود والهبوط.

ما يميز هذا الكتاب الصادر عن دار صفصافة هو قدرة الكاتب على تقديم تحليل عميق دون أن يفقدنا متعة القراءة، فبدلًا من تقديم أحكام قاطعة، يترك لنا الكاتب مساحة للتأمل والتفكير، فهو لا يقتصر على وصف مسيرة هؤلاء الفنانين، مثل ويجز ومروان بابلو والجوكر وشاهين وأبيوسف، بل يتعمق في تحليل أسباب نجاحهم أو فشلهم، وكيف أن تجاربهم الشخصية تؤثر على أعمالهم الفنية.

من مقدمة الكتاب نقرأ : "إلى الشوارع كلها، خاصة شوارع وسط البلد.
إلى محطات المترو والقطار والإذاعة، تحديدًا إذاعة الأغاني، إلى الأصدقاء، كل أصدقائي لأنه أيضًا كتاب عن الصداقة، إلى "مخلص العدوي" صديقي الذي علمني حب الموسيقى والأدب، وإلى صديقتي الفنانة مُنى عبد الوهاب، التي تُساهم في جعل كل شيء أفضل، ولأن هذا الكتاب بالكامل كُتب من أجل هذا الإهداء".

يأتي ضمن أبرز مايميز الكتاب، هو قدرته على تحويل القارئ من مجرد مستمع إلى محلل، فقد أتاح الكتاب فرصة لاستكشاف عالم جديد، واكتشاف جوانب خفية في موسيقى أعتقد كثيرون أنهم يعرفون عنها كل شئ، ليدرك القارئ بعد مطالعة النص، أن موسيقى الراب والتراب ليست مجرد موضة عابرة، بل هي حركة فنية عميقة ذات أبعاد اجتماعية وثقافية واسعة.

فن الشارع" ليس مجرد كتاب عن موسيقى، بل هو دعوة إلى الانفتاح على الآخر، دعوة إلى احترام التنوع الثقافي والفني. فمن خلال هذا الكتاب، يدعونا الكاتب إلى أن ننظر إلى الراب بعيدًا عن الأحكام المسبقة، وأن نكتشف الجمال والإبداع المخفيين وراء كلماته وألحانه. إنه كتاب يتيح الفرصة لكل من يرغب في فهم أعمق للثقافة الشبابية المعاصرة، ولكل من يبحث عن تجربة ممتعة ومفيدة.

بأسلوب سلس وممتع، يدعونا الكاتب إلى الانغماس في عالم الراب، عالم مليء بالحيوية والإيقاع، عالم يزخر بالقصص الحقيقية والشخصيات الكاريزماتية. ففي هذا الكتاب، نلتقي بنجوم الراب، نستمع إلى قصص صعودهم وسقوطهم، نتعرف على أسلوب حياتهم الفني والإبداعي، ونكتشف كيف استطاعوا أن يخلقوا لأنفسهم مكانة خاصة في قلوب محبي الموسيقى، حيث انطلق الكاتب سيد عبدالحميد في رحلة استكشافية عميقة عبر عالم موسيقى الراب في كتابه "فن الشارع"، متجاوزًا حدود التحليل النقدي التقليدي ليقدم لنا لوحة فنية بانورامية تبرز جذور هذا النوع الموسيقي وتتتبع مساره المتعرج عبر دهاليز التاريخ. ففي صفحات هذا الكتاب، نتعرف على كيف تشكلت هوية الراب وتفاعلت مع الأنساق الثقافية والاجتماعية، وكيف صاغت هويات جديدة للشباب، وكيف أصبحت صوتًا يعبر عن همومهم وآمالهم.

تصدر الكتاب سؤال: "أين اختفت الأغنية الكلاسيكية؟ ومتى ظهر بيننا كل هؤلاء النجوم الذين يعدون المجتمع بإحداث طفرة في هذا المجال بالاعتماد على ما قدمه السابقين، في محاولة لتطوير المشهد الغنائي المصري لمجاراة المشهد الغنائي العالمي؟"

يركز الكاتب على ظاهرة صعود مغني الراب وتصدرهم المشهد الغنائي في فترات متتالية. ويشدد على الارتباط الوثيق بين كلمات الأغاني وهوية الفنان، مؤكداً أن الراب ليس مجرد موسيقى بل هو شكل من أشكال الكتابة الأدبية التي تعتمد على الإيقاع والموسيقى لتوصيل رسالة معينة. فكلمات الراب، سواء كانت تعبر عن قضايا اجتماعية أو تجارب شخصية، هي في الأساس قصص شعرية يرويها الفنان بصوته الخاص.

تهدف نصوص الكتاب إلى استكشاف الأفكار المحورية التي يقوم عليها مشروع كل مغني راب على حدة. ولتحقيق ذلك، قام الباحثون بتحليل دقيق لكلمات الأغاني، مقارنين بينها وبين القصص القصيرة والتدوينات الشخصية. كما قارنوا بين المشهد الغنائي المصري والعربي والعالمي، مستكشفين أوجه التشابه والاختلاف بينها من حيث الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي نشأت فيها، والدوافع التي دفعت الفنانين إلى اختيار هذا النوع من الموسيقى، وما توصلوا إليه من نتائج فنية.

من خلال هذا الكتاب، نكتشف أن الراب ليس مجرد نوع موسيقي، بل هو حركة ثقافية تعكس هموم الشباب وتطلعاتهم. إنه فنٌ يعتمد على الكلمة، والكلمة هي سلاحٌ ذو حدين، يمكن أن تبني أو تهدم، يمكن أن توحد أو تفكك، ومن خلال أسلوب رصين ومقاربة نقدية عميقة، استطاع الكاتب أن يكشف لنا عن الروابط العميقة بين حياة الفنانين وإبداعاتهم الفنية،فالأغاني، كما يرى الكاتب، ليست مجرد مجموعة من الكلمات والألحان، بل هي مرآة عاكسة لواقعهم، وانعكاس لتجاربهم الحياتية وأفكارهم،وقد أظهر لنا الكتاب كيف أن كل فنان، رغم تشابه الملامح العامة لهذا النوع الموسيقي، يقدم رؤية خاصة وفريدة للعالم من حوله.

سيد عبد الحميد هو كاتب مصري شاب صدر له من قبل ثلاث أعمال وهي: "لارا..ومن الحب ما قتل"، "الاكتئاب.. بين التعايش والانتحار"، ورواية "امرأة عابرة ورجل وحيد"، ويعد كتاب "فن الشارع..حكايات عن كتابة الراب والموسيقى" رابع أعماله، كما يقوم بنشر العديد من المقالات في مواقع، وصحف، ومجلات مختلفة.