قارئة نهج الدباغین.. الكتابة كتأسیس للوجود والتابوه كمحور للمجتمع - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 3:42 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قارئة نهج الدباغین.. الكتابة كتأسیس للوجود والتابوه كمحور للمجتمع

محمود عماد
نشر في: الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 7:10 م | آخر تحديث: الثلاثاء 20 فبراير 2024 - 7:10 م

الكتابة ھي أداة التعبیر عن كل ما في النفس البشریة عن كل ما تفكر فیه، عن كل ما یشغلها ویتعبها، عن قضایا المجتمعات الشائكة، وعن تابوهاتها المحرمة التي یحظر الدخول إلیھا، تلك مھمة الكتابة، أو ما وضعت في إطاره خاصة تلك الكتابة التجریبیة التي تؤسس لنفسها مكانة ووضع یختص بالاشتباك والتقاطع مع كل ما ھو محرم ومحظور، وھذا ما نواجهه في روایة قارئة نهج الدباغین للكاتب التونسي سفیان رجب الصادرة في منتصف العام الماضي عن دار منشورات میسكلیاني للنشر والتوزیع، والتي وصلت للقائمة الطویلة للجائزة العالمیة للروایة العربیة(البوكر) 2024.

إذا فالكتابة تعبر عن كل تلك القضایا، وتلك النفس البشریة ومداخلھا الكثیرة المعقدة، إلى جانب ذلك سيكون السؤال من إذا سیعبر عن الكتابة؟ من سیعبر عن مشاكل الإبداع، وتناقضات الكتاب، وقضایا الوسط الأدبي؟ نعم إنها الكتابة نفسها فهي الأداة الأفضل للتعبير عن نفسها.

هنا سفيان رجب یستخدم أداة الكتابة للتعبير عن الأدب إلى جانب التابوهات المحرمة فیصنع مزیج بدیع من ھذا وذاك بطریقة تجریبیة في البنیة الروائیة، فالروایة تدور أحداثها في نهج الدباغین الذي ھو سوق للكتب القدیمة والقیمة، ومنذ بدایتها منذ أن تمسك أیدینا بها، وتبدأ في تصفح صفحاتها الأولى منذ الغلاف والعنوان نعرف أنه بطریقة أو أخرى تدور فلك الأحداث التي سنواجهها في ھذا النص حول القارئة لیلى الشخصیة التي تحمل الروایة صفتها والتي تحاول أن تعرف عن طریق القراءة مصائر كل الشخصیات الأخرى فلیلي ھي تلك القارئة التي ساقتها الأقدار للالتقاء بالنوري عن طریق المصادفة، وھي تشتري بعض الكتب فتتعرف على والده الضریر الذي تقرأ له الكتب بعد ذلك، وتجد فیه الأب لذي تبحث عنه، وتجد الحب في ابنه النوري الذي في البدایة كانت تتحجج بأبیه حتى تبقى قریبة من حبها، لكنها بعد ذلك تقیم مع أبیه وتصفه ببابا جابر وتخدمه في مرضه حتى ینعتها سكان النهج وباعته بخادمة بیت النمس.

بعد موت بابا جابر تعرف ما یخفیه النوري وھو لب القصید في النص رابطة الكتاب الأشباح التي أسسها النوري من أجل إثراء المشھد الأدبي، وھنا یطرح الكاتب التساؤل الأول ھل ھنالك حریة إبداع؟ فهنا یقوم الٌكتاب بالكتابة في الرابطة بكل حریة عن كل الموضوعات والقضایا المحرمة التي تشغلهم بكل جرأة دون خوف فلا أحد سوف یعلم أنهم من یكتبون فالكتب أو الروایات تنشر بأسماء وهمیة لا وجود لها في الحقیقة، ھكذا أسس النوري تلك الرابطة لیحرر الكتاب من وجهة نظره من كل القیود المجتمعیة، ویثري العملیة الإبداعیة فتلك النصوص تناقش وتفتح الآفاق بین الأوساط الأدبیة، ولقد ضم لیلى إلى رابطته كقارئة معه، ھو رئیس أو مدیر الرابطة ومعه محررین ومدقق لكي تظھر الروایات إلى النور بكل تماسك ممكن، وبكل جرأة ممكنة.

ھنا یضع الكاتب یدیه على الكثیر من التساؤلات حول حریة الكتابة، ومخاوف الكتاب والقیود الذي یصنعها المجتمع لیكبلهم بها، ویثیر فكرة موت المؤلف، لكن بطریقة مغایرة للمتعارف علیه یمضي النص ونمضي معه إلى حقبة ما بعد الثورة التونسیة فالرابطة أصبحت تكتب یومیات أو مذكرات المعتقلین الذین كانوا یقبعون سجون بن علي فتشمئز لیلى من حكایاتهم وخداعهم ومسكنتهم المختلقة.

تتوالى الأحداث حتى نصطدم بالكاتب الشبحي ناصر ھارون الذي یقنعه النوري بكتابة روایة شبحیة عن ما یخاف الكتابة عنه من عائلته التي تقاطعه ومن المجتمع عن قصته مع صدیقه إبراھیم العابر جنسیا فیسكن ناصر الغرفة الزرقاء لیتفرغ لكتابة روایته بكل تعمق وصدق. یصطدم بعدھا ناصر ونصطدم معه بمریم إسماعیل التي تطارد ناصر لكي تخبره برأیها ونقدها في أحد قصصه الشهیرة التي كتبھا بإلھام من صدیقه إبراهیم وقصته في العبور الجنسي، والتي یسعى الآن إلى تحویلها إلى روایة یعكف على كتابتها في تلك الغرفة، تتفق مریم مع النوري بعد التعرف عليه على الإقامة في غرفته ھو في أعلى البیت الذي صار یقطنه ھو ولیلى بعد موت أبیه بعدما تخبره مریم أنها ترید إعادة بناء قصة ناصر التي یرید تحویلها لروایة فیستغل النوري ذلك لدفع الإثنین إلى كتابة نفس الروایة لیمزج بین إبداعهما بطریقة جهنمیة.

یكون دور لیلى ھنا ھو القراءة دون معرفة النوري أو الكاتبان عن طریق إختلاس مخطوطاطهما عن طریق حفة الأعرج.

یبدأ العالم الروائي الذي شیده الكاتب في إظهار ملامحه مع بعض التشویش فهنا یظهر النص المؤسس على نصوص أخرى متداعیة روایتان تتشعب لاحقا لثلاث ویومیات إضافة للسرد الأصلي في الحكي منذ البدایة فهنا تتشابك النصوص، یومیات ناصر ھارون وروایته التي یكتبها، وروایة مریم إسماعیل التي تتشعب إلى روایة أخرى الغرض من الإثنتین أو الثلاث ھو تأسیس الروایة الشبحیة التي یحركها النوري مدیر الرابطة المقنع الذي یتلاعب بالأقنعة، وبأقلام الكتاب الأشباح.

ھنا تؤسس تلك النصوص المتداخلة لنفس الموضوع الروائي للنص الأصلي الذي نقرأه ھنا نحن في روایة تقبع فیها روایات أخرى ونصوص أخرى لتعبر أكثر عن فكرة الإبداع التي تناقشها الروایة منذ بدایتها إلى نهایتها، مع الاشتباك الإبداعي یوجد الدخول إلى التابوه الجنسي المحرم فهنالك قصة العابر الجنسي إبراھیم الذي یتحول إلى أنثى بكل متناقضاته وتلابیبه النفسیة، ونظرة أھله والمجتمع له ومشاعره وعلاقته بصدیقه ناصر ھارون، وكل ذلك عن طریق النصوص التي یكتبها الشبحان كما أسمتهما لیلي، كما یوجد علاقة النوري بلیلي التي یتحدث عنها أھل النهج، ووصف اللا جنسي الذي استخدمه النوري، فهنا الجنس حاضر بقوة في النص، لكنه موظف بما یخدم النص دون أي ابتذال بل مفردات عذبة واستعارات شدیدة الجمال.

یتداعى النص أكثر وأكثر وتزید ألوانه التجریبة مع جریان النص بوصوله إلى كرنفال النهج. ھنا نرى نصا استخدم الاستعارات والتشبیهات الجمالیة بكل العذوبة الممكنة وبالتجریب البنائي في الروایة، وبطرح التساؤلات في المجال الإبداعي بخصوص الكتابة والكتاب والأوساط الثقافیة كما كسرت الأبواب المغلقة على التابوه الجنسي المحرم لیؤسس لنا سفيان رجب نصا فریدا یقوم على الكتابة للكتابة والمجتمع وقضایاه والتجریب من أجل الإبداع.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك