المكتبة الإسلامية (22).. المغني لـ ابن قدامة موسوعة الفقه المقارن - بوابة الشروق
الأحد 23 مارس 2025 2:12 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المكتبة الإسلامية (22).. المغني لـ ابن قدامة موسوعة الفقه المقارن

محمد حسين
نشر في: السبت 22 مارس 2025 - 10:54 ص | آخر تحديث: السبت 22 مارس 2025 - 10:54 ص

اكتمل الوحي الإلهي بقول الله -تعالى- في سورة المائدة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"، وذلك يوم عرفة في حجة الوداع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من ألف عام ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير، والحديث، والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم الشرعية.

وفي هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.

الحلقة الثانية والعشرون..


-ابن قدامة.. الإمام الفقيه والمحدث الزاهد

أبو محمد موفق الدين عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، المعروف باسم ابن قدامة المقدسي، هو أحد أبرز فقهاء الإسلام في القرن السادس الهجري، حيث وُلد عام 541هـ في قرية جماعيل الواقعة في جبل نابلس بفلسطين، نشأ في بيئة علمية، فحفظ القرآن الكريم، وتلقى الحديث والفقه عن والده، كما تتلمذ على يد مجموعة من كبار علماء عصره، منهم أبو المكارم ابن هلال وأبو المعالي بن صابر.

رحل إلى دمشق حيث تعمق في علوم الدين، ثم شد الرحال إلى بغداد برفقة ابن خالته الحافظ عبدالغني المقدسي، وهناك نهل من علوم فقهائها وعلمائها قبل أن يعود إلى دمشق، حيث أصبح من أعلام المذهب الحنبلي وأحد أعمدته الفقهية الكبرى.

تميّز ابن قدامة بسعة علمه وعمق فهمه، وكان بارعًا في الفقه والحديث، متمكنًا من الفتوى، كما كان مناظرًا قويًّا في المسائل الفقهية والعقائدية، إلى جانب ما عُرف عنه من الزهد والورع والتواضع وحسن الأخلاق، فقد كان كثير التلاوة للقرآن، مواظبًا على الصيام والقيام.


أشاد به كبار العلماء، فقال عنه ابن تيمية: "ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من ابن قدامة"، ووصفه ابن الحاجب بقوله: "كان إمام الأئمة ومفتي الأمة، اختصه الله بالفضل الوافر والخاطر العاطر والعلم الكامل، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار، قد أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية، فأما الحديث فهو سابق فرسانه، وأما الفقه فهو فارس ميدانه، وأعرف الناس بالفتيا، وله المصنفات الغزيرة".

يُعد ابن قدامة المقدسي من العلماء الذين تركوا بصمة واضحة في الفقه الإسلامي، ومن أبرز مؤلفاته "المغني"، الذي يعد من أهم كتب الفقه المقارن، حيث جمع فيه آراء المذاهب المختلفة، مع بيان أدلتها والترجيح بينها بأسلوب علمي دقيق. توفي عام 620 هـ بدمشق، تاركًا إرثًا علميًا أثرى المكتبة الإسلامية لعصور متتالية.

-المغني.. جامع فقه المذاهب

يُعد كتاب "المغني" للإمام ابن قدامة المقدسي من أعظم كتب الفقه الإسلامي، حيث جمع بين أحكام الفقه الحنبلي والمقارنة بين آراء المذاهب الأربعة، مستندًا إلى الأدلة الشرعية من القرآن والسنة والإجماع والقياس، وذكر الحاجي خليفة في "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" أن "المغني" يمثل أوسع كتب الفقه الحنبلي وأحد أهم المراجع الفقهية الإسلامية، حيث عرض المسائل الخلافية بأسلوب علمي دقيق، مما جعله من أكثر الكتب اعتمادًا لدى الفقهاء والقضاة والمفتين.

اعتمد ابن قدامة في كتابه منهجًا متوازنًا يجمع بين الفقه النقلي والفقه العقلي، حيث يبدأ بعرض حكم المسألة الفقهية وفقًا للمذهب الحنبلي، ثم يورد آراء المذاهب الأخرى مستعرضًا أدلتها الشرعية مع مناقشتها وترجيح الأقوى منها.

-دقة النقل وتثبت الاستدلال

وأشار الذهبي في "سير أعلام النبلاء" إلى أن ابن قدامة كان دقيقًا في النقل، متثبتًا في الاستدلال، غير متعصب لمذهبه، بل يسعى لبيان الحق بدليله، مما جعل كتابه مرجعًا لا غنى عنه لدارسي الفقه الإسلامي، وأحد أعظم الكتب التي جمعت بين الفقه النقلي والاستدلال العقلي.

-المغني.. المرجع الشامل والمكانة الرفيعة

حظي كتاب "المغني" بمكانة رفيعة بين العلماء، حيث لم يقتصر أثره على الفقه الحنبلي بل أصبح مرجعًا فقهيًا شاملًا يُرجع إليه في مختلف المذاهب، فقد أورد ابن بدران في "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" أن "المغني" كان أحد الكتب الأساسية التي اعتمدها القضاة والمفتون في إصدار الأحكام الفقهية، نظرًا لما يتمتع به من سعة استيعاب للمذاهب المختلفة ودقة في عرض الأدلة، مما جعله أحد أعمدة الفقه الإسلامي التي بقيت مؤثرة لعصور متتالية.

ورغم مرور قرون على تأليفه، لا يزال "المغني" مرجعًا أساسيًا في الفقه الإسلامي، حيث تعتمده المجامع الفقهية الحديثة في استنباط الأحكام وإصدار الفتاوى، كما أنه يُدرّس في الجامعات الإسلامية ويُستشهد به في الأبحاث الفقهية، وذكر محمد أبو زهرة في "تاريخ المذاهب الإسلامية" أن "المغني" يمثل حلقة وصل بين الفقه التقليدي والاجتهاد المعاصر، حيث يمكن الاستفادة من منهجه في دراسة القضايا المستجدة، مما جعله من أهم المراجع الفقهية التي لا غنى عنها للمتخصصين في الفقه الإسلامي.

يتكون "المغني" من 12 مجلدًا، يبدأ فيها ابن قدامة بكتاب الطهارة وينتهي بكتاب الفرائض متبعًا ترتيب كتب الفقه التقليدية، ويتميز بأسلوبه السلس، حيث يعرض المسائل بوضوح، ويورد الأدلة الشرعية ثم يناقشها بعقلانية، وأورد الزبيدي في "تاج العروس" أن ابن قدامة لم يكن مجرد ناقل للمذاهب، بل كان ناقدًا للأدلة، قادرًا على الترجيح، مما جعله من أبرز الفقهاء في علم الفقه المقارن، حيث تمكن بأسلوبه العلمي الرصين من تقديم مرجع فقهي شامل يجمع بين الأصالة والتجديد.


يبقى "المغني" أحد أبرز الكتب الفقهية التي أثرت في الفكر الإسلامي، حيث جمع بين دقة النقل وسعة الاستدلال والبعد عن التعصب، مما جعله مرجعًا أساسيًا لطلاب العلم والباحثين في الفقه الإسلامي، وقال ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"، إن ابن قدامة بلغ بكتابه مرتبة لا يكاد يدانيها أحد في الفقه الحنبلي، بل في الفقه الإسلامي كله، مما جعله نموذجًا للموسوعة الفقهية الشاملة التي يستفيد منها الفقهاء والمجتهدون عبر العصور.

وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية..

حلقة 21 اقرأ أيضا



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك