جلسات غنائية ونوادر ساخرة يوجهونها ضد أنفسهم أحيانا قد تهون جزءا من همومهم يتخللها صدى ضحكات رنانة تنعش القلوب وتضىء المكان نورا وتملأه بهجة، لا تخلو من دردشة سياسية التى اصبحت الشغل الشاغل للشعب المصرى بعد ثورة 25 يناير، تتطرق إلى جميع الأزمات التى تمر بها البلاد وأهمها الانتخابات الرئاسية.
كل ذلك تجده فى مقهى «الفيشاوى» الشهير بحى الأزهر، وبالتحديد فى أحد أزقة «خان الخليلى» المجاورة لمسجد الإمام الحسين والمعروف بمقهى «نجيب محفوظ» بعدما أصبح مقهاه المفضل فى الالتقاء باصدقائه وكتابة أعماله الروائية.
الرواد الأصليون لمقهى «الفيشاوى» الذى انشأه الحاج فهمى على الفيشاوى عام 1797 «غير مسيسين» كل ما يشغلهم قضاء وقت ممتع فى مقهاهم المفضل على أنغام العود والقانون، يحصلون على كوب من الشاى بالنعناع الذى يشتهر به المقهى، إلأ أنه امتنع الكثير منهم عن التردد على المقهى منذ احداث ثورة 25 يناير، حسبما يقول ضياء الفيشاوى حفيد الحج فهمى، والمسئول عن إدارة المقهى حاليا.
ويستكمل الفيشاوى حديثه: «الناس خايفة من الاحداث السياسية المتلاحقة ومليونيات ميدان التحرير»، ويوضح الفيشاوى أن أغلب رواد المقهى الآن أصبحوا «زوار المصادفة» كما وصفهم الفيشاوى يتصادف مرورهم بشارع خان الخليلى، فيزورونه لأخذ قسط من الراحة وتناول مشروب.
وتابع الفيشاوى: «خان الخليلى بيعانى ماديا بعد الثورة، ومافهوش فلوس، بعدما انخفضت اعداد السائحين المترددين عليه تخوفا من الاحداث التى تمر بها البلاد وكان على الحكومة تقديم الدعم لأصحاب محال خان الخليلى فى شكل إعفائهم عن جزء من الضرائب أو رسوم الكهرباء».
فى الجولة الأولى اختار الفيشاوى مرشحا محسوبا على الثورة وهو عبدالمنعم أبوالفتوح، ورغم ذلك يؤكد الفيشاوى أن الإخوان لم يحصلوا على فرصة كافية تمكنهم من مزاولة عملهم فى البرلمان، فى وقت تعانى فيه البلاد من غياب الاستقرار، مما صعب عليهم مهمتهم، مستدركا: «لكن لو محمد مرسى فاز لابد أن نصطف جميعا وراءه من أجل بلدنا».
وفى غرفة البوسفور المبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس، والمليئة بالتحف والكنب العربى المكسو بالجلد الطوبى، وأدواتها من الفضة والكريستال والصينى، يجلس مجموعة من الشباب يرددون أغنية «سواح» لعبدالحليم حافظ على أنغام العود يعزفه رجل فى الستين من عمره يرتدى بذلة وطربوش، رنين ضحكاتهم يتعالى ما بين وقت إلى الآخر، وعشرات من الباعة الجائلين تحيط بالمقهى بضائعهم متنوعة سلاسل فضية، أكياس جلدية، صف من الكتب فى مجالات متنوعة يحملونها الشباب على أيديهم متكئين على صدورهم.
كان من بينهم ابراهيم الذى يمتلك مشغل قطع ذهبية، قاطع انتخابات جولة الإعادة، بعدما رأى أن كلا المرشحين لا يصلحان لإدارة البلاد، خاصة أحمد شفيق الذى عمل معه ابراهيم لمدة 4 سنوات منذ عام 1997 حتى 2000 فى دار القوات الجوية، وكان ضمن طاقم العاملين فى إعداد وتقديم المأكولات فى الخيام الرمضانية التى كان تقيمها الدار سنويا فى شهر رمضان.
أحمد العشماوى مهندس ديكور الذى أعد رسالة ماجستير فى التاريخ والآثار لا يتخوف على مصر من الأزمات التى تمر بها بعد الثورة، «مصر تخطت عبر تاريخها أزمات أصعب كثيرا، أصل المصريين دول فراعين نماردة بيخلقوا الشىء من اللا شىء».