محمود محيي الدين يكتب: ‎الحياة مع الاستدانة وبعدها.. كرَّة رابعة - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:10 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمود محيي الدين يكتب: ‎الحياة مع الاستدانة وبعدها.. كرَّة رابعة


نشر في: الأربعاء 24 يوليه 2024 - 8:03 م | آخر تحديث: الأربعاء 24 يوليه 2024 - 8:05 م

‎على النقيض مما كان مع أزمات مالية واقتصادية سابقة التى أتت بغتة، جاءت أزمة الاستدانة الدولية الراهنة تمامًا على النحو المتوقع. إذ تؤكد الظواهر والمؤشرات التى عرضتها فى المقالات الثلاثة السابقة أن الأزمة الراهنة قد تعدت مجرد التوقع إلى ما يصرخ به الواقع.
‎ورغم فداحة خسائرها بالنسبة للبلدان النامية فإنها أزمة صامتة، بخلاف ما كان مع أزمات مديونية سابقة عانت منها بلدان نامية.
‎ويرجع الصمت الدولى غير اللائق بالآثار الجسيمة للاستدانة لسببين: الأول، يرجع لاختلاف هيكل الدائنين؛ فبعدما كانت المديونيات السابقة تشكل القروض الرسمية من الدول المتقدمة الأعضاء فى نادى باريس 40 فى المائة من إجمالى المديونية، فقد تراجعت لأقل من ربع هذه النسبة، بما يعقد من إجراءات إعادة الجدولة المعتادة عما حدث من قبل. كما أن الدائنين من البنوك الكبرى التى تتخذ من البلدان المتقدمة مقرات رئيسية لها، ويسهم فيها جهات نافذة فيها، قد خفضوا مديونياتهم للبلدان النامية إلى أقصى حد، وما أقرضوه بالفعل فقد جعلوا له من المخصصات ما يحمى أوضاعهم المالية على عكس ما كان فى الأزمات السابقة.
‎أمَّا السبب الثانى فيتعلق بالبلدان النامية المدينة نفسها، والتى أمست تقوم بأى إجراء مهما كانت تكلفته، حتى لا تواجه مسارًا وعرًا، إذا ما تعثرت فى السداد، وطلبت إعادة الجدولة من الدائنين الجدد من حملة السندات الدولية، والدول التى لا يضمها نادى باريس. وتجدها لا تأتى بعمل قد يستحث مؤسسات التصنيف الدولية على تخفيض مرتبتها الائتمانية. وهى فى سبيل ذلك تعطى الأولوية لخدمة الديون على ما قد تتطلبه خدمة عموم الناس من تعليم وصحة ومنافع أخرى أساسية. وهى فى ذلك بلا مأرب إلا استمرار ولوجها إلى أسواق الديون، فهى تظن أن حجبها عن الديون الجديدة بلوغ نهاية الأجل.
‎ولعلاج أزمة الاستدانة الراهنة ظهرت مبادرات عدة على المستوى الدولى سأشير إليها بوصفها مفاتيح تستدعى التفاصيل:
‎أولًا، مبادرات تستند إلى معايير أخلاقية وأسس العدالة الإنسانية:
‎ومنها ما تبنته الاقتصادية إستر دوفلو، الحائزة جائزة نوبل، بأن البلدان الغنية عالية الانبعاثات الضارة لا يقتصر أثرها السلبى على المناخ، ولكن بما تتكبده البلدان النامية من خسائر وأضرار وتكاليف فى التكيف معها. وقد قدرت فائض الانبعاثات الضارة سنويًا بنحو 14 مليار طن، واستخدمت تقدير الاقتصادى مايكل غرينستون بمبلغ 37 دولارًا للطن، لتقدر حجم المديونية البلدان المتقدمة المستحقة للبلدان النامية بنحو 500 مليار دولار سنويًا. وحددت مسارات تعبئتها من ضرائب على الكربون والدخل والثروة فى البلدان المتقدمة؛ بما يخفف من أزمة الاستدانة الراهنة، ويتصدى لآثار تغيرات المناخ فى آنٍ واحد.
‎ولهذا النوع الأخلاقى من المبادرات، يمكن إضافة مناشدات البابا فرانسيس، وكان آخرها فى اجتماع شاركت فيه فى الفاتيكان فى الخامس من يونيو الماضى، لتفعيل نهج إعفاء الأفقر من مديونياتهم، كما جرى العرف مع الاحتفال بما يُعرف بـ«اليوبيل» فى السابق، والذى يحل مجددًا فى عام 2025. بما يعد مناسبة لتخفيض الديون التى لا يعدها الفاتيكان «أمرًا سياسيًا واقتصاديًا فحسب، بل أمرًا أخلاقيًا بتداعيات بالغة على حياة الملايين ومعايشهم».
‎ثانيًا، مبادرات إصلاحية تستحث تفعيل التعاون الدولى:
‎مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة لدفع التنمية المستدامة.
‎مبادرات بريدج تاون فى نسخها الثلاث التى تتبناها رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلى.
‎ميثاق باريس للبشر والأرض، الذى خرج عن القمة التى دعا إليها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.
‎أجندة «فى 20»، وتضم 68 دولة أكثر عرضة لمخاطر تغيرات المناخ. إعلان نيروبى.
‎والقاسم المشترك لهذه المبادرات هو تضمينها قضية علاج أزمة الديون: وهى تتنوع بين تبنٍّ لتفعيل إطار مجموعة العشرين لعلاج الديون؛ إلى تطبيق إعفاءات وإرجاءات لخدمة الديون فى الظروف القهرية؛ وتعديل الإطار التحليلى لاستدامة المديونيات لمؤسستى «بريتون وودز»؛ وضم كافة الدائنين، وليس فقط أعضاء نادى باريس والأسواق الناشئة بل القطاع الخاص أيضًا فى اتفاقات إعادة الهيكلة، وتخفيض أو إرجاء التكاليف الإضافية للاقتراض من صندوق النقد الدولى، وتفعيل أدوات الابتكار المالى وتخفيض مخاطر الائتمان والتأمين عليها، ومراجعة منهجية وأساليب عمل مؤسسات التصنيف الائتمانى.
‎وبافتراض سخى، فى ظل الصراعات الجيوسياسية الراهنة، أن هذه المبادرات جميعًا ستلقى حظها من التطبيق، فهى ستخفف عندئذ فقط من آثار الاستدانة المضنية للبلدان النامية وفقرائهم وطبقاتهم الوسطى المنحسرة، ولكنها لن تعالج جذور أزمة الاستدانة، ولن تمنع تكرارها؛ فالعلاج يكمن، على مستوى الدولة تحديدًا، فى إصلاح النهج المعوج لتمويل النمو والتنمية الذى أفرط فى الاعتماد على الديون بأنواعها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك