• أحداث الرواية تتناسب مع أسلوب اللقطات الخاطفة
• كل صورة تم التقاطها فى الرواية تحمل فكرة تتجاوز العين المجردة
أحد أبرز الأصوات الأدبية المعاصرة التى تجمع بين البعد الإنسانى العميق والطرح الجرىء المختلف، الكاتبة رشا عدلى تُعرف برواياتها التى تتناول أبعادًا نفسية وفنية وتاريخية، لكن ما يميزها أكثر هو قدرتها على الغوص فى أعماق الشخصيات والربط بين الماضى والحاضر بأسلوب يترك القارئ مشدودًا من الصفحة الأولى حتى النهاية، تُفضل عدلى الكتابة بأسلوب يشبه العدسة التصويرية، حيث تقدم لقطات خاطفة مليئة بالمعانى العميقة، مما يجعل أعمالها تجربة أدبية وفكرية متكاملة. فى روايتها «جزء ناقص من الحكاية» الصادرة عن «دار الشروق» والدار العربية للعلوم «ناشرون»، تنطلق عدلى من فكرة مستوحاة من الواقع، لكنها تعيد صياغتها بنظرة فلسفية تُبرز التناقضات بين الكمال والنقص، وبين ماضٍ ملىء بالتحديات وحاضر يُحاول تجاوزها، وقد أجرت الشروق حوارا مع رشا عدلى، عبرت خلاله عن أن إحدى أهم نقاط تميز روايتها، تكمن فى استخدامها لتقنيات مبتكرة مثل التداخل الزمنى والفلاش باك، بالإضافة إلى تأثرها بحركة «الموجة الجديدة» السينمائية، ما أضفى على النصوص طابعًا خاصًا يمزج بين الرواية والفن التشكيلى والسينما.
● كيف نشأت فكرة «جزء ناقص من الحكاية»؟ وهل استلهمتها من وقائع حقيقية أم أنها بالكامل من نسج خيالك؟
ـ نشأت الفكرة عندما حضرت معرض للطلبة فى الأكاديمية كانت أعمالهم التشكيلية مستوحاة من أعمال فنانة فوتغرافية أمريكية ولكنها فرنسية الأصل تدعى فيفيان ماير وهى واحدة من أهم فنانى القرن العشرين فى فن تصوير الشارع، بالبحث بعدها عن أعمال هذه الفنانة التى لفتت نظرى وجدت وراءها قصة أغرب من الخيال وتصلح لعمل روائى.
● فى الرواية، استعرضتِ أحداثًا بين أزمنة مختلفة، من نكسة 1967 وحتى العصر الحالى. كيف أثرت هذه الأزمنة على مسار الشخصيات وحبكة العمل؟
ــ لقد تعودت على الانتقال عبر أزمنة مختلفة فى كتابة أعمالى، استخدمت تقنيات مختلفة فى كتابة هذه الرواية من ضمنها الفلاش الباك، كان تأثير الأزمنة معبرا عن تعقيداتها وتناقضاتها وأيضا نضجها مع الوقت والظروف الصعبة التى مرت بها واستطاعت التغلب عليها، فجميع الشخصيات فى الرواية هى ذوات متعبة مرت بأحداث صعبة فى حياتها سواء على الصعيد الشخصى أو العام فهناك مأس كبرى كالحروب والهزائم وهناك أيضا تخلى وخذلان وكل ذلك يساعد فى إضفاء بعد أكثر عمقا وثراء للعمل وفى الوقت نفسه يحتاج جهدا أكبر من الكاتب للتعبير عن ضعف هذه الشخصيات فى مواقف حياتية معينة وكيفية تأثير ذلك عليها مستقبلاً ثم تبلور ونضج هذه الشخصيات وتغيرها مع مرور الزمن وتنامى الأحداث.
● كيف كان التنقل بين الحقب الزمنية تحديًا أثناء الكتابة؟ وهل واجهتِ صعوبات فى الحفاظ على سلاسة السرد؟
ــ أعجبتنى حركة الموجة الجديدة La Nouvelle Vague التى انبثقت فى فرنسا فى الخمسينيات من القرن الماضى؛ واستمرت حتى منتصف السبعينيات وهى حركة سينمائية وأدبية تميزت بالتحرير السريع؛ واللقطات المقربة للوجوه، مشاهد مقطوعة، والتصوير السريع، جمل شذرية، حوار من منطلق المشهد ذاته، اختلاط وتداخل الأزمنة، التركيز على الحالة النفسية، وكنت أريد أن أقدمها فى أحد أعمال وبالتأكيد ليس كل قصة تصلح لكتابة هذا النوع ولكنى وجدت أن أحداث هذه الرواية تحديدا يتناسب مع هذا النوع فالأحداث مستوحاة من حياة أشهر مصورة شارع؛ والتى كان أسلوب عملها هو اللقطة الخاطفة، ليس هناك فصول فى هذه الرواية بل لقطات خاطفة فى عمر وحياة أبطالها. تماماً كما فى حياة كل منا. وذلك أفادنى كثيرا فى التعبير عن شخصيات وأحداث هذه الرواية.
● شخصية «فيفيان ماير» تلعب دورًا محوريًا فى الرواية كيف استطعتِ المزج بين البُعد الفنى لشخصيتها وسرد القصة؟
ــ فيفيان ماير هى عقدة الوصل ما بين جميع شخصيات الرواية وهى المحرك الرئيسى لهذه الشخصيات، عندما بحثت عن قصة فيفيان ماير وحياتها حتى أفهم فنها وشخصيتها وذلك حتى قبل أن أقرر الكتابة عنها وجدت أننا لا نستطيع الفصل بين شخصيها وأعمالها، إبداعها هو الجزء الناقص من حكايتها، دائما ما ينظر إلى أعمالها وكيفية إخراجها بهذا الشكل أو حتى السر وراء إخفائها فنها دون التأمل فى قصة حياتها أو محاولة فهمها أو حتى البحث فى تاريخها ونشأتها فمن رأيى أن حياتها وطفولتها البائسة هى من صنعت منها ذلك، وأردت فى الرواية أن أشير إلى ذلك، النظر إليها من سياق آخر، لما أقصد أن أظهر التناقض ما بين شخصية فيفيان ونانى بقدر ما كنت أقصد أن أظهر التناقض ما بين عالمين مختلفين تماما، تانى كانت ضحية السوشيال ميديا وربما لو أن فيفيان ماير وجدت فى هذا الزمن كانت ستمر هى الأخرى بنفس الظروف فالأحداث تظهر الفرق فى مفهوم الصورة فى عصر فيفيان وعصرنا هذا فالتناقض هنا فى مفهوم الذى اختلف وليس فى الشخصيات لأنى أرى أنهما بالرغم من كل شىء إلا أنهما متشابهتان إلى حد كبير يكفى لجوء كل منهما للعدسة فى التقاط حياتهما وحياة الكون من حولهما كمحاولة للتغلب على معاناتهما.
● يُلاحظ فى الرواية استخدامك للعدسة التصويرية كرمز فلسفى. كيف توصلتِ إلى هذا الأسلوب فى السرد؟
ــ تماما مثلما كانت فيفيان ماير تفعل كل صورة تم التقاطها يكون وراءها فكرة أو معنى خارج سياق العين المجردة، وبالتأكيد كانت أحداث وشخصيات الرواية تدفعك لمثل هذا.
● الواضح أنكِ تتجنبين الوصف الخارجى للشخصيات، وتعتمدين على أفعالها وأفكارها، ما الدافع وراء هذا الأسلوب؟
ــ أهتم فى أعمالى بوصف الشخصيات والأجواء وكل ما يتعلق بتفاصيل العمل، أريد أن تكون الرواية بالنسبة للقارئ كفيلم سينمائى وربما تأثرت بذلك من خلال دراستى لتاريخ الفن التى تمنح الوصف والتفاصيل المتعلقة بالعمل دقة بالغة، وربما أحب أنا أيضا عند قراءة عمل ما أن يعرفنى الكاتب على ملامح وشكل الأبطال، لأنه جزء مهم من تكوين الشخصية فى ذهن القارئ وأعتبرها خيط وصل ما بين خيال الكاتب وإدراك القارئ، فى هذا العمل لم أمنح الأبطال وصفا دقيقا كما تعودت ولكنى قمت بوصفها بالتأكيد ولكنى منحت الحرية الأكبر للقارئ ليقوم بتكوين صورة للشخصية فى ذهنه يستمدها من كيان هذه الشخصية كما يراها فى الرواية.
● الرواية تحمل رسائل بين السطور عن تأثير السوشيال ميديا وعلاقة الأهل بأبنائهم. هل تعمدتِ إيصال هذه الرسائل؟
ــ بالتأكيد تعمدت ذلك، وما كتبته عن عالم السوشيال ميديا هو حقيقة ما يحدث بالفعل، فمن الصعب العيش هذه الأيام بعيدا عن السوشيال ميديا حتى الأطفال أصبحوا يستخدموها ومن خلال بعض المؤثرين والبلوجرز الذين فى سبيل الحصول على عدد متابعين أكبر ومشاهدات أكثر يمكنهم فعل أى شىء مهما كان سواء أفكار مدمرة، معلومات مغلوطة، سلوك ينافى عاداتنا وتقاليدنا، مثلا فى دراسة أجرتها الولايات المتحدة عن نسبة قبول وراحة الأفراد لحياتهم وجدوا أن النسبة الأكثر رفضا وعدم رضا عن حياتها هم المراهقون من الجنسين وذلك لأنهم يقومون دائما بمقارنة حياتهم بمستوى حياة من يتابعوهم من المشاهير، والكارثة هنا أن ذلك أحد أسباب الإصابة بالاكتئاب والدفع إلى الانتحار أو محاولة الحصول على المال بطرق غير شرعية ليستطيع أن يعيش فى هذا المستوى الذى يراه، هذا نموذج من أمثلة كثيرة.