جيولوجيا هضبة الأهرامات معروفة ولدينا أبحاث كثيرة عليها.. ويجب الرد على تلك المزاعم بشكل سريع لمنع تداولها
لدينا باحثون أكفاء فى مصر قاموا بأعمال رائعة للكشف عما بداخل الأهرامات
تقنيات التصوير الحرارى والتصوير المقطعى والطرق الجيوفيزيائية تُستخدم فى دراسة الأهرامات
قال ياسر الشايب أستاذ هندسة الصخور وتطبيقاتها فى الآثار والتراث بجامعة القاهرة، نائب مدير مركز هندسة الآثار، إن الدراسة التى انتشرت موخرًا وآثارت جدلاً واسعًا والتى زعمت وجود أعمدة ضخمة وغرف تحت أهرامات الجيزة، ليست دقيقة وغير علمية؛ حيث اعتمد الباحثان فى بحثهما المزعوم على استخدام صور الأقمار الصناعية والتى بحسب قولهما كشفت أعماقا تصل إلى أكثر من نصف كيلومتر تحت هضبة الأهرامات.
وأضاف الشايب، فى حواره لـ«الشروق»، أن الدراسة التى انتشرت بشكل كبير غير دقيقة، إذ إن جيولوجيا هضبة الأهرامات معروفة جيدًا، وهى مكونة من طبقات من الحجر الجيرى التى قد تحتوى على كهوف أو فجوات طبيعية صغيرة، لكن لا يمكن أن توجد بها أعمدة بهذا الحجم أو غرف بهذه الأبعاد.
وإلى نص الحوار:
> ما مدى صحة الدراسة المنشورة عن وجود أعمدة أسفل الأهرامات؟
ــ هذه الدراسة نشرت بواسطة باحثين اثنين، أحدهما كان يعمل بجامعة فى جلاسكو فى إسكتلندا، والآخر بجامعة بيزا فى إيطاليا، وبحثت عن اسميهما فى مواقع الجامعتين ولم أجد لهما أى وجود حاليًا، ما يعنى أنهما لم يعودا مرتبطين بهذه المؤسسات الأكاديمية. ورغم ذلك، لديهما العديد من المنشورات العلمية على موقع جوجل سكولار.
فى عام 2022، نشر الباحثان دراسة زعموا فيها اكتشاف ممرات داخل هرم خوفو باستخدام الأقمار الصناعية والموجات الزلزالية الطبيعية، وهو أمر غير محقق علميًا وغير متعارف عليه، إذ إن الأقمار الصناعية لا تستطيع كشف ما بداخل الأجسام المصمتة أو ما يوجد تحت الأرض، وعندما يتم تطوير أى برنامج أو«سوفت وير» جديد لتحليل البيانات، يجب أن يكون متاحًا للعلماء الآخرين للتحقق من نتائجه، وهو ما لم يحدث فى هذه الدراسة، كما أن بيانات البحث غير متاحة للمجتمع العلمى للتدقيق.
ماذا عن المزاعم الأخيرة المتعلقة بهرم خفرع؟
ــ فى 16 مارس الجارى، عقد الباحثان مؤتمرًا صحفيًا فى إيطاليا، زعما فيه أنهما باستعمال نفس التقنية اكتشفا خمس غرف شبيهة بغرفة دفن الملك خوفو (غرفة مستطيلة أعلاها 5 غرف معروفة بغرف تخفيف الضغط) فى داخل هرم خفرع، بالإضافة إلى 8 أعمدة إسطوانية يبلغ طول كل منها 648 مترًا (!) تحيط بها ممرات حلزونية، وأسفلها غرفتان بمساحة 80×80 مترا، بل وادعى الباحثان أن هناك ممرا تحت الأرض يربط الأهرامات ببعضها على عمق 2 كيلومتر.
هذه المزاعم تفتقر تمامًا إلى الأساس العلمى، فجيولوجيا هضبة الأهرامات معروفة جيدًا، وهى مكونة من طبقات من الحجر الجيرى التى قد تحتوى على كهوف أو فجوات طبيعية صغيرة، لكن لا يمكن أن توجد بها أعمدة بهذا الحجم أو غرف بهذه الأبعاد، ومن المستحيل تخيل أن قدماء المصريين قد قاموا بحفر وإنشاء غرف بهذه الأحجام على هذه الأعماق.
> هل من الضرورى الرد على هذه الدراسة رغم عدم منطقيتها؟
ــ نعم، فترك هذه الادعاءات دون رد يسمح بتداولها بمرور السنوات وكأنها حقائق، بخاصة وأن بعض الجهات قد تدعم مثل هذه الأبحاث لأغراض مختلفة، مما يمنحها مصداقية زائفة.
وهذا قد يؤدى إلى مكاسب مادية كبيرة للباحثين الذين يروجون لهذه الأفكار غير الدقيقة.
هل لدينا خرائط جيولوجية موثوقة لمنطقة الأهرامات؟
ــ بالطبع فالمؤسسات العلمية المصرية مثل هيئة المساحة الجيولوجية (حاليًا هيئة الثروة المعدنية)، وكليات العلوم والهندسة بالجامعات تمتلك خرائط ودراسات عن جيولوجيا منطقة الأهرامات منذ القرن الثامن عشر وحتى اليوم، وهذه الخرائط كلها لا تشير لوجود أى منشآت ضخمة تحت هضبة الأهرامات.
كيف استجاب المجتمع العلمى لهذه المزاعم؟
تواصل معى العديد من الباحثين الدوليين للتأكد من صحة هذه الادعاءات، وجميعهم يعلمون أنها مجرد مزاعم تفتقر إلى الدقة العلمية، فالعالم ملىء بمن يسعون وراء الشهرة بنشر أفكار غير مدعومة بأدلة حقيقية.
> كيف يمكن التمييز بين الدراسات العلمية الحقيقية والتكهنات؟
ــ البحث العلمى الجاد يتطلب سنوات من التحقيق والمراجعة قبل إعلان نتائجه، فى حين أن الدراسة التى نشرها الباحثان فى 2022 تم تقديمها للنشر فى 30 أغسطس 2022، ونُشرت فى 12 أكتوبر من نفس العام، وهو وقت قصير جدًا بالنسبة لأى نشر علمى جدير بالثقة، بخاصة إذا كانت النتائج بهذا الحجم المزعوم.
هل المصريون القدماء قادرون على بناء منشآت تحت الأرض؟
ــ فى بعض العصور خلال الأُسرات الثالثة والرابعة، تم بناء مقابر وغرف تحت الأرض فى مناطق مختلفة ومنها منطقة سقارة، ومقابر أودية الأقصر (وادى الملوك، وادى الملكات… إلخ)، والتى تمت بعد حوالى 1000 سنة أو أكثر من بناء أهرامات الجيزة.
أما فى هرم خوفو، فالغرفة الوحيدة المعروفة تحت الأرض تقع على عمق 30 مترًا فقط، وهى صغيرة نسبيًا، ولا يوجد أى دليل أثرى أو نقوش تشير إلى وجود أعمدة ضخمة أو غرف هائلة تحت الأهرامات.
هل يمكن للذكاء الاصطناعى والتصوير ثلاثى الأبعاد كشف ما أسفل الأهرامات؟
ــ التقنيات مثل التصوير الحرارى والتصوير المقطعى (Tomography) والطرق الجيوفيزيائية تُستخدم فى دراسة الأهرامات، لكن للاستعانة بها محددات معروفة للعلماء والباحثين، وقطعا لا تستطيع الوصول إلى أعماق كبيرة.
وتوجد أيضا طرق المسح الزلزالى والكهربائى التى تستعمل فى مجال البترول للكشف عن باطن الأرض، غير أن دقة تلك الطرق لا يمكنها أن تصل لدرجة تحديد بئر عمقه ٦٤٨ مترا.
كيف يمكن مواجهة الباحثين الذين ينشرون دراسات عن الحضارة المصرية دون الرجوع للعلماء والخبراء؟
ــ هناك الكثير من الباحثين سواء أجانب أو مصريين، ينشرون معلومات غير دقيقة أو خرافات عن الحضارة المصرية، وينبغى أن يكون هناك تواصل مستمر بين المؤسسات البحثية المصرية والعالمية لضمان أن يتم الرجوع إلى الخبراء المصريين عند نشر أى دراسات تتعلق بآثارنا.
> ما رأيك النهائى فى هذه الدراسة؟
ــ هى مجرد «أضغاث أحلام»، لا تستند إلى أى دليل علمى، لأن كل ما ورد فيها لا يستند إلى أسس علمية موثوقة.
ويمكن لبعض الدراسات غير الدقيقة أن تثير الجدل دون وجود أدلة علمية حقيقية تدعمها. لذلك من الضرورى أن يكون هناك دور أكبر للمؤسسات البحثية المصرية فى الرد على مثل هذه الادعاءات للحفاظ على المصداقية العلمية لحضارتنا العريقة.