يضم العالم في جوفه وظاهره كنوزا أثرية مهيبة وتحفا فنية عديدة، بل ومعالم لم يقل رونقها رغم مرور الزمن، كل منها تحوي وتحمل قصتها وأسرارها الخاصة، فوراء كل اكتشاف ومعلم حكايات ترجع لعصور بعيدة وأماكن مختلفة، على رأسها تلك القطع الفريدة والمعالم التاريخية المميزة في بلادنا، صاحبة الحضارة الأعرق في التاريخ، والتي ما زالت تحتضن أشهر القطع والمعالم الأثرية في العالم.
لذلك، تعرض "الشروق" في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسلة "قصة أثر"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء القطع والمعالم الأثرية الأبرز في العالم بل والتاريخ.
…
سُمي بـ"تابوت العهد" عند اليهود، و"تابوت داود" أو "تابوت الرب" أو "تابوت الشهادة" عند المسيحيين، و"تابوت السكينة" عند المسلمين، ذلك التابوت المقدس الذي يعد اليوم أحد الكنوز الأثرية العالمية المفقودة، التي حيرت علماء العالم وما زالت تمثل جزءا غامضا في الديانات السماوية.
صندوق مذهب يحمل الوصايا العشر
ورغم اختلاف الروايات حول حقيقة صنع ومكان تواجد تابوت العهد المطلي والمزين بالذهب، إلا أن الحقيقة المتفق عليها أن هذا التابوت، المذكور في كل الأديان السماوية، يمثل كنزا دينيا وتاريخيا، لا تقدر قيمته ومحتوياته بثمن، فهو التابوت الذي حُفظت به ألواح العهد للنبي موسى -عليه السلام- وهي ألواح حجرية محفور عليها الوصايا العشر، بحسب وصف الكتاب المقدس.
وصُنع التابوت، الذي يبلغ طوله ما يتخطى 40 بوصة، وعرضه حوالي 30 بوصة وارتفاعه حوالي 30 مثلها، من خشب السند، وهو مرصع من خارجه وداخله بالذهب الخالص، ومحاط بإطار ذهبي بديع، وثُبت على الغطاء الذهبي المتين تمثالان ذهبيان، واحد عند كل طرف ورأساهما إلى بعضهما البعض، برأسين منحنيين وأجنحة مبسوطة إلى الأعلى.
• الكتاب المقدس.. تابوت العهد في اليهودية والمسيحية
بالنسبة لبني إسرائيل، كان تابوت العهد أجلَّ شيء على وجه الأرض، فكان التابوت المحوري والمركزي في حياة الأمة العبرية عبارة عن صندوق خشبي مذهب ومزخرف، أمر الله موسى أن يصنعه بعد هروب بني إسرائيل من جنود فرعون في مصر، لإيداع ألواح الوصايا داخله.
وعلى مدار الأربعين عامًا التي قضوها في التجول برا، حمل اليهود هذا التابوت معهم، إلى أن سكنوا لاحقا معبد الملك سليمان في القدس، بالقرن السابع قبل الميلاد، ليستقر داخل هيكل سليمان الذي احتضنه لعدة قرون، وعندما حاصرهم البابليون ذبحوا أكثر من مليون يهودي، ودفعوا الناجين إلى المنفى، ولكن عندما عادوا إلى أماكنهم، وبعد 70 عاما، لم يجدوا التابوت الذي اختفى بجانب الكثير من الكنوز الأخرى.
ووفقا للمسيحيين الأرثوذكس في إثيوبيا، نقل "منليك"، ابن ملكة سبأ، وملك إسرائيل سليمان، التابوت إلى مدينة أكسوم الإثيوبية، في القرن العاشر قبل الميلاد، ويقال إنه تم وضعه على مدار الـ50 عاما الماضية في كنيسة أنشأها الإمبراطور هيلاسيلاسي، في المدينة، ولا يسمح لأحد بالوصول إليه باستثناء راهب وحيد.
• تابوت السكينة.. آية ملك لبني إسرائيل
في إحدى الحلقات التلفزيونية، تحدث الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء عن "تابوت العهد" أو تابوت موسى، فقال إنه يسمى "تابوت السكينة" طبقًا للتسمية القرآنية، حيث ذكر في قول الله تعالى: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ".
فوفقا للقرآن الكريم، فالتابوت كان يحمل أمورا معظمة مما ترك آل موسى وآل هارون، وذكر القرآن أن ضياعه كان سببا في تخلف وانكسار بني إسرائيل، جزاء ما قتلوا من الأنبياء، حتى إذا بعث إليهم ملكا (طالوت)، كانت علامة ملكه أن يرد الله عليهم التابوت الذي أخذ منهم، تحمله الملائكة، وفيه سكينة من ربهم، أي وقار وجلالة، وفيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، أي فيه شيء من عصا وملابس موسى وهارون ويقال الألواح المقدسة.
• المعجزات المنسوبة لتابوت العهد
وفق ما ذكره الكتاب المقدس العبري "التوراة"، فإنّ تابوت العهد مرتبط بالعديد من المعجزات، أولها انفلاق مياه نهر الأردن لحظة دخول بني إسرائيل إلى أرض كنعان، بجانب أحداث خارقة ارتبطت بالتابوت، كسقوط تمثال داجون أمام التابوت في أشدود، والطاعون الذي أصاب الرجال الذين لم يتعاملوا بقدر كاف من الاحترام مع التابوت، وموت عوزة جراء لمسه للتابوت أثناء هجرة التابوت إلى أورشليم، وغيرها من الروايات التي تسردها التوراة حول هذه المعجزات التي رافقت التابوت.
• من فلسطين مرورا بمصر ليستقر بالحبشة
ظل مصير هذا الأثر الذي لا يُقدر بثمن محل تخمين كبير منذ ذلك الحين، ولكن تقول أشهر الفرضيات إن التابوت تم تهريبه من الهيكل في فلسطين إلى مصر، وتحديدا إلى مكان يسمى بئر الأرواح، ويعتقد بأنه تم نقله من هناك إلى جزيرة تقع على نهر النيل في أسوان هي جزيرة الفنتين، والتي تحتوي على معبد يهودا، وواصل التابوت رحلته ليستقر في كنيسة السيدة مريم في مدينة أكسوم في إثيوبيا.
فيما يؤمن أصحاب المذهب الشيعي أن التابوت موجود في بحيرة طبرية، الواقعة بالأردن، وسوف يخرجه المهدي المنتظر عند ظهوره.