مواليد حديقة الحيوان.. رحلة أدبية ساحرة تمزج بين خيوط الواقع والخيال - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 2:59 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مواليد حديقة الحيوان.. رحلة أدبية ساحرة تمزج بين خيوط الواقع والخيال

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 26 يوليه 2024 - 7:11 م | آخر تحديث: الجمعة 26 يوليه 2024 - 7:11 م

نصوص أشرف العشماوى تعكس صراعات داخلية وخارجية فى رحلة البحث عن الذات

تجربة أدبية فريدة، تلامس مشاعر القارئ وتدفعه للتأمل فى أحلامه وطموحاته، برع فيها الكاتب الكبير أشرف العشماوى، فى كتابه «مواليد حديقة الحيوان»، حيث نصوص تحذر قارئها من مخاطر التورط فى مواقف تتجاوز قدراته، إنها رحلة عبر عوالم إنسانية غنية بالتفاصيل، تبهر القارئ وتبقيه معلقا حتى الصفحة الأخيرة.
يغوص قارئ «مواليد حديقة الحيوان» فى رحلة أدبية آسرة، يوقعها الكاتب أشرف العشماوى ببراعة فائقة، من خلال ثلاث روايات قصيرة صدرت عن الدار المصرية اللبنانية، حيث تنسج هذه الروايات خيوطها السردية بين الواقع والخيال، حاملة بين طياتها أحلاما عادية وطموحات مشروعة لشخصياتها.
لكن سرعان ما تنقلب مسارات حياتهم رأسا على عقب، عندما يجدون أنفسهم متورطين فى مواقف تتجاوز قدراتهم، مما يدفعهم إلى خوض صراعات داخلية وخارجية، فى محاولة يائسة للخروج من هذا الفخ الذى نصبوه لأنفسهم.
مع كل صفحة، يتعمق القارئ فى مشاعر الشخصيات، ويسمع أصواتها، ويشعر بآلامها وأفراحها، وكأنه يعيش معها لحظاتهم بكل تفاصيلها الدقيقة.
ولكن، مع كل خطوة على طريق الأحداث، تزداد الأمور تعقيدا، وتصبح الصور خادعة، وتنكشف الحقائق تباعا، تاركة القارئ فى حالة من التشويق والترقب لمعرفة مصير هذه الشخصيات، وكيف ستواجه تحدياتها وتخرج من هذه المتاهة.
تتوجه أنظارنا فى البداية نحو «مزرعة الخنازير»، الرواية الأولى، حيث نغوص فى أحداثها المشوقة برفقة راو عليم يحيط خيوط السرد بعناية. ثم ننتقل إلى «كابينة لا ترى البحر»، الرواية الثانية، لنشارك بطلها رحلة البحث عن الذات وسط صراعات الحياة وتحدياتها.
وتأتى خاتمة هذه الرحلة مع «مواليد حديقة الحيوان»، الرواية الثالثة، التى تحمل اسم الكتاب نفسه، حيث يتنقل السرد بين ضمير المتكلم والراوى العليم ليكشف لنا عن خيوط التشابك بين مصائر الشخصيات وأحلامها.
يطل علينا الكاتب أشرف العشماوى بثلاث روايات قصيرة متلاحمة تحت عنوان «مواليد حديقة الحيوان»، ليبحر بنا فى رحلة سردية مثيرة تلامس خيوط الواقع والخيال ببراعة فائقة، يؤكد الكاتب على غموض الواقع وعدم إمكانية الجزم بحقيقته، مما يضفى على الأحداث بعدا فلسفيا عميقا. ويربط خيط سردى خفى بين الروايات الثلاث، ليكشف لنا عن أحلام عادية وطموحات مشروعة تصادف أصحابها مواقف صعبة تقلب حياتهم رأسا على عقب.
يجسد العشماوى ببراعة صراعات الإنسان الداخلية وخطاه المتعثرة نحو تحقيق أحلامه، ليقدم لنا عملا روائيا متميزا يثير التساؤلات ويحفز على التأمل، ويتضح ذلك فى نوفيلا «كابينة لا ترى البحر» التى تدور فى الزمن الحالى يحكى الفتى المراهق «عارف» قصة ضياع أسرته الفقيرة جيلا بعد جيل، وفى «مزرعة الخنازير» التى تدور فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضى، يلجأ «فايز حنا» أحد الأقباط فى صعيد مصر إلى الادعاء بأنه مات «حياتك فى موتك» وذلك خوفا من التطرف الدينى.
أما «مواليد حديقة الحيوان» التى تدور أيضا فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات فتستعرض حكاية «إسماعيل»، الشاب الجامعى المتخرج فى كلية الطب البيطرى والذى ولد فى استراحة حديقة الحيوان حيث كان يعمل والده قبل أن يموت متأثرا بهجوم الأسد عليه.
تنطلق روايات «مواليد حديقة الحيوان» من رحم الواقع، لكنها لا تقف أسيرة حدوده الضيقة، بل تتخطاها لتغوص فى عوالم من الخيال الجامح والأحداث المذهلة. فما وراء الحكاية الواقعية، تكمن فانتازيا ساحرة تمنح الأحداث عمقا وتأثيرا لا مثيل لهما، وتجذب القارئ إلى متاهة من التشويق والإدهاش.
تتنوع إسقاطات الروايات وترميزاتها، لتشمل أزمات أجيال بأكملها، وتسلط الضوء على معاناة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المتوسطة والدنيا، التى سحقتها الطبقات العليا والنخب المسيطرة، فتكشف الروايات عن طموحات وآمال محطمة، وماض مشوه، وحاضر قاتم، ومستقبل مهدد بالضياع.
بأسلوب مميز تفجر «مواليد حديقة الحيوان» قضايا ملحة مثل الفساد والبطالة والمحسوبية والتشرذم الأسرى وغياب العدالة. تصبح الكتابة أداة لفضح الواقع المرير، وكشف عيوب المجتمع، والمطالبة بالتغيير، حيث تجسد «مواليد حديقة الحيوان» فلسفة الكتابة الإبداعية، التى تبحر فى تلك المنطقة الضبابية بين الواقع والخيال، بين الحقيقة والوهم.
يقول العشماوى على غلاف هذا الكتاب القيم: «لا تر بأذنيك، ولا تسمع بعينيك، ولا تصدق كل ما يقال لك.. فبعض الكلمات صور، لو تأملتها لرأيت تفاصيل لم تدركها من النظرة الأولى، أطياف مهزوزة فى خلفيتها، وأشياء صغيرة دالة على زمانها ومكانها، وإذا ما قلبتها لربما صافحت عيناك كلمات دونها صاحبها قد تغير رؤيتك عنها.. الحقيقة نراها منقوصة دوما لكننا نشعر بها كاملة، فلا تثق إلا بقلبك». ثلاث روايات قصيرة لأشرف العشماوى ببناء سردى يضفر الواقعية باللا معقول عبر حكى مشوق ومشهدية ساحرة، يكشف السخرية المتوارية فى المسافة بين أحلام أبطال رواياته وواقعهم الأغرب من الخيال.
نصوص هذا العمل تصبح معه الكلمات نافذة على عوالم غامضة، حيث تتداخل الأحلام والأساطير والسحر مع الواقع، وتصبح الأحلام حقيقة، والخيال ملموسا. تلامس الروايات مشاعر القارئ وتثير تساؤلاته، وتدفعه إلى إعادة النظر فى العالم من حوله، لتقدم «مواليد حديقة الحيوان» تجربة أدبية فريدة من نوعها، رحلة عبر عوالم متناقضة، تثير المشاعر وتحفز العقل، وتبقى عالقة فى ذاكرة القارئ طويلا.
أشرف العشماوى، من مواليد عام 1966، درس القانون بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وعقب تخرجه عمل لفترة بسيطة محاميا تحت التمرين، ثم انتقل للعمل بجريدة الأهرام بقسم الميكروفيلم، بعدها التحق بالنيابة العامة حيث عمل محققا جنائيا لسنوات طويلة، شارك خلالها فى تحقيق معظم قضايا الرأى العام فى مصر بحقبة التسعينيات وحتى منتصف الألفية الجديدة.
وصدر له روايات منها رواية «سيدة الزمالك» و«تويا» التى رشحت ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2012، كما حصل العشماوى على جائزة أفضل رواية بمعرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2014 عن روايته «البارمان» وجائزة أفضل رواية تاريخية من ملتقى البحرين عام 2019 عن روايته «كلاب الراعى»، كما فاز بجائزة كتارا عن روايته «الجمعية السرية للمواطنين».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك