نبيل نعوم يكتب: من يخاف من فرجينيا وولف - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:08 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل نعوم يكتب: من يخاف من فرجينيا وولف

نبيل نعوم
نبيل نعوم

نشر في: الجمعة 26 يوليه 2024 - 7:37 م | آخر تحديث: الجمعة 26 يوليه 2024 - 7:39 م

هذا اسم المسرحية التى كتبها الكاتب المسرحى الأمريكى إدوار ألبى الفائز بجائزة البولتزر ثلاث مرات، وعُرضت فى برودواى عام 1962، وفى عام 1966 نقل المخرج الأمريكى مايك نيكولز المسرحية إلى الشاشة الكبيرة، وأدت بطولتها إليزابيث تايلور التى حصلت عن دورها فى الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، كما شاركها فى بطولة الفيلم الممثل القدير ريتشارد بيرتون. ويدور موضوع المسرحية عن زوجين يمران بفترات نفسية صعبة، وقد تقدم بهما العمر، ولم يعد بإمكان الزوجة الإنجاب، واختلاقهما لشخصية وهمية. هذه الشخصية الوهمية هى الابن الذى لم يولد. وبعد سهرة فى منزل والد الزوجة ورئيس الجامعة التى يدرس بها الزوج، يدعوان زوجين شابين لتناول بعض الشراب، ولكن يلعب الكحول بعقليهما، فيخرجان كل عواطفهما المكبوتة وكراهيتهما المتبادلة والألم العاطفى الذى يكابدانه فى حياتهما الزوجية، وذلك على مدار ليلة مؤلمة وكاشفة للحقيقة. المهم هنا هو هذا الاتفاق الضمنى بين الزوجين على كذبة ما فى محاولة لتسيير أمور معيشتهما معا، وهذا من وجهة نظرى إلى جانب الإشارات النفسية والاجتماعية التى بنى المؤلف عليها هذه المسرحية، هنالك شبه كبير لما يحدث فى الفترات الأخيرة، بين الحكومات المختلفة، وذلك باتخاذ عدو مشترك وهمى، لصنع التكتلات السياسية التى تخدم فى نهاية الأمر النزعات الذاتية للرؤساء والقادة، أو شركات البترول والأسلحة مثلا. وقد يحدث هذا فى بعض الدول مع اختلاف أنظمتها السياسية، كأن تخلق الحكومات أعداء على الحدود، أو تحذر من تهديدات تمس الأمن الداخلى، أو من زيادة عدد المهاجرين، وذلك لصرف انتباه الشعوب عن سوء إدارة هذه الحكومات للأمور، بينما قد يكون العدو الحقيقى هو الفقر أو المرض، أو عدم المساواة. ولعل أحد الشعراء الذين عبروا عن هذه الفكرة ببراعة هو الشاعر اليونانى المصرى كفافيس فى قصيدته الخالدة «فى انتظار البرابرة»، وفيها البرابرة كالابن فى مسرحية ألبى لا وجود لهم وإنما من صنع مجلس الشيوخ والإمبراطور والخطباء.

وينهى كفافيس قصيدته:

وصل بعض جنود الحدود وقالوا
أنه ما عاد للبرابرة من وجود.
والآن؟ وبدون البرابرة، ما الذى سيحدث لنا؟
هؤلاء البرابرة كانوا حلا من الحلول.

أما اسم المسرحية فليس عن الكاتبة الهامة فرجينيا وولف (1882-1941)، التى انتحرت بالغرق. ولكن من المعروف أن وولف استخدمت فى رواياتها أسلوب التداعى الحر للأفكار، بتداخل الوعى على شكل غير مصرح به. وبذلك من الممكن قول كل شىء، حتى أفظع الأفكار عن العلاقات الاجتماعية والجنس والانطباعات عن الآخر. الأفكار غير المألوف التصريح بها حسب القواعد الاجتماعية التى لا يخضع لها الزوجان فى المسرحية، وعلى هذا من الممكن فهم سبب تسمية المسرحية. وعن مدى أهمية فرجينيا وولف فى تاريخ الأدب المعاصر، فقد عبر بعض النقاد عن أهمية أعمالها بسبب علاقته بالصدق فى التعبير عن صعوبة التعايش مع الكذب كوسيلة لحل المشاكل المستعصية، كما فى المسرحية باختلاق كذبة الابن الذى لم يولد. ومن الطريف أن اسم المسرحية هو تحوير لأغنية شهيرة وهى «من يخاف الذئب الشرير»، لوالت ديزنى «ثلاث خنازير صغيرة» (1933). وفى الفيلم يردد الزوجان هذه الأغنية مع العلم بأن اسم فريجينيا وولف، حيث وولف بالإنجليزية هو الذئب.

أما عن فرجينيا وولف، فلم تكن فقط الكاتبة التى كتبت روايات هامة مثل «غرفة تخص المرء»، وفيها تؤكد إيمانها بوجوب حصول المرأة المبدعة على المصادر التالية كى تبدع: المال، المكان، والخصوصية. كما أعلنت فى كتاباتها عن إيمانها بوجوب أن ينظر إلى المرأة الكاتبة باعتبارها محترفة كتابة لا موضوعا للكتابة، كما بينت ضرورة أن يكون الكاتب أو الكاتبة عموما مثقفا. وفى رواية أورلاندو المنشورة عام 1928، وتعتبر إحدى أشهر روايات فرجينيا وولف، واقتبست عدة مرات للإنتاج المسرحى والسينمائى؛ يصف الكتاب مغامرات شاعر يغير جنسه من رجل لامرأة ويعيش لعدة قرون، ويقابل الشخصيات الرئيسية فى تاريخ الأدب الإنجليزى، وتعتبر الرواية كلاسيكية فى تاريخ الأدب النسوى حسب الباحثون فى هذا النوع من الأدب وإن كان هنالك الكثير من المعترضين على تقسيم نوع الأدب حسب الجنس.
ولكن وولف كتبت أيضا مقالات سياسية عن حقوق المرأة وعن تدّنى الأوضاع المعيشية للعاملات، وعن دعمها فى ذلك الوقت للجمهوريين فى الحرب الأهلية فى إسبانيا.

وبالنسبة للوهم، وهو أحد صفات العفريت حسب المثل الذى يقول:
«اللى يخاف من العفريت يطلع له»

ولطالما خفنا من العفاريت الخارجية والداخلية، ولكن بالمواجهة كثيرا ما تبين لنا أنها كانت من أوهامنا. ولعل من أبلغ ما عبر عن ذلك الكوان Koan (اللغز) اليابانى:
إن قابلت البوذا على الطريق اقتله.
فلا عدو لك سوى نفسك، لأن هذا البوذا ما هو إلا من وهمك كى تبتعد عن الحقيقى وهو أنت. أو لو اعتقدت أن بخارجك من هو بقادر على التخفيف من آلامك فانتبه أنك وحدك القادر على ذلك.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك