ماجد شيحة: أكره تصنيف الروايات.. والروائي واعظ ثرثار لا يخبرك بالحكمة مباشرة - بوابة الشروق
السبت 26 أكتوبر 2024 4:30 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماجد شيحة: أكره تصنيف الروايات.. والروائي واعظ ثرثار لا يخبرك بالحكمة مباشرة

حوار - محمود عماد:
نشر في: السبت 26 أكتوبر 2024 - 12:18 م | آخر تحديث: السبت 26 أكتوبر 2024 - 12:18 م

رواية «شبح عبد الله بن المبارك» ليست حكاية شعبية

 

ماجد شيحة كاتب شاب شق طريقه فى عالم الكتابة الإبداعية بشكل مختلف، كاتب مغاير يكتب بطريقة مختلفة، وحديثه مختلف به الكثير من طريقة كتابته، يتناول ماجد شيحة فى كتاباته مواضيع شائكة، ويشتبك بسؤال الخاص ليصل إلى العام.

له مسيرة أدبية مميزة بزغ فيها اسمه على الساحة الأدبية، ولكن ربما اعتزال الكتابة فى وقت ما، وذلك الارتباط الذى نشأ مع السلفية والسلفيين فرض علينا محاولة التعرف عليه أكثر، وبمناسبة صدور روايته الأحدث «شبح عبد الله بن المبارك» عن دار الشروق..

< روايتك الأخيرة «شبح عبد الله بن المبارك» تبدأ بتلك الحكاية الشعبية عن الرجل الصالح عبد الله بن المبارك، بل وتحمل اسمه، فلماذا هذه الحكاية تحديدا، وماذا ترمز بالنسبة إليك؟

ـــــ أولا هى ليست حكاية شعبية، وإن كانت تحمل سماتها، الحكاية أثر مروى، وإن كان سندها ضعيفا أيضا، ولكن أنت محق، بطريقة ما حمل هذا الأثر سمات أقوى الحكايات الشعبية من عدم وجود منطق رغم وجود عظة، وسمات الأثر المروى من وجود هيكل عام بالأسماء والصفات لشخص شهير حقيقى مثل عبد الله بن المبارك التابعى المعروف، هى حكاية شعبية من جهة مكبلة بالحقيقة، وأثر حقيقى كاذب من جهة أخرى، وحكايات الأولياء فى السيرة لا تحتاج إلى تأليف وكذب، لأن كثيرا منها موجود وصحيح، هناك حكاية عن صحابيين كانا يسيران فى الظلام فأضاء الله تبارك وتعالى لهما عصا واحد منهما مثل كشاف كهربى، ولما افترق بهما الطريق أضاءت مقدمة العصا الأخرى، لكن ما فائدة هذه الحكاية بالنسبة للوعاظ؟ تنشأ الحاجة إلى التلفيق عند الوعاظ من الأحوال الوقتية، ربما فى العصر الذى لفقت فيه حكاية عبد الله بن المبارك كان عصرا أولع فيه الناس بالحج، فأراد الواعظ أن يؤلف حكاية مؤثرة أنك لو أخرجت مال حجك للفقراء خير لك من الذهاب للحج، وسيخلق الله لك ملكا يحج عنك.

لماذا هذه الحكاية تحديدا، ببساطة لأنها تنتمى إلى الصنف الأدبى الذى أحبه، صنف الحكايات الملفقة، الروائى واعظ ثرثار، لا يخبرك بالحكمة مباشرة، أنه يخوض بك فى تفاصيل داخل تفاصيل، يأتى بأجزاء من الحقيقة ويلفق بها ما شاء من أكاذيب، لكن كونه بشريا يجعله يرسل فى اختبار المنطق، فى رواية مدام بوفارى أخطأ الروائى الشهير عدة مرات فى لون عينى البطلة، مرة سوداوان، مرة زرقاوان، وهكذا، فى الأثر المروى عن عبد الله بن المبارك ترك الواعظ الملفقة ملاكا كاملا، جعل الله يخلق ملاكا لأداء الحج عن التابعى عبد الله بن المبارك لكنه لم يقل ما الذى حدث له بعد أن انتهى من أداء الحج، هل صعد إلى السماء، هل تبدد فى الهواء، تنشأ المفارقة التى تجعل روائى مثلى يحب الكتابة، فى متاهة الغول كتبت قصة عن هذا الملاك، فى هذه الرواية كتبت أيضا، محاذرا أن لا أصنع مفارقة لروائى مثلى يأتى من بعدى فيكتشفها، لكن لا أظن أن هذا ممكن.

< فى الرواية لم تعط أى شخصية اسما ولا مواصفات دقيقة اكتفيت بالصفات مثل «الأستاذ»، «زوجة الأستاذ»، وغيرها، حتى الراوى لا يملك اسما ولا وصفا، فلماذا قررت فعل ذلك؟

ــــ لدى هاجس تجاه إطلاق الأسماء على أشخاص الروايات، هذه الرواية بالذات، فى كل الحكايات الشعبية والآثار المروية الضعيفة الملفقة، يعطى الكاذب قوة الحقيقة لحكايته عبر الأسماء، وأنا التزمت بذلك، حتى موضة إطلاق الأسماء تبدو لى موضة غربية، راجع حكايات ألف ليلة وليلة، حديث عيسى بن هشام، مغامرات على الزيبق، كلها عن شخصيات حقيقية، حتى عندما نطلق أسماء ملفقة نريد أن نحكى حكاية حقيقية عن شخصية حقيقية من قبيل التورية، أو السخرية، مثل المقامات، كما أننى أعتقد أن على الكاتب أن يكون حذرا وهو يطلق الأسماء على شخصيات روايته، لئلا يجعلها تحمل سمات شخصية لم يقصدها، فى عملية الخلق لا يهتم الخالق كثيرا بأسماء المخلوقين، بل يخلقهم ويضع أقدارهم ومصائرهم ويتركهم يقررون أى الأسماء سيحملونها، آباؤهم هم من يقررون، إذن أنا اسم أبى، وابنى هو اسمى، لدى ٣ أبناء عمر وعلى وعبد الرحمن، لطالما أردت ان يكون اسمى عمر أو على أو عبد الرحمن، لكنى لم أرد أن أكون ماجد أبدا، أبى هو من أراد ذلك بدلا من طه.

< كيف تصنف روايتك، هل هى واقعية، دينية، فلسفية؟

ـــــ أنا أكره تصنيف الروايات، والأعمال الفنية عموما، وإن كنت مصرا لتكن رواية بلا تصنيف، لكن هذا تصنيف أيضا.

< اللغة فى الرواية غنية للغاية ومميزة نرى بعض الشاعرية أحيانا، وبعض القرآنية أحيانا أخرى، فكيف ترى استخدام اللغة فى الرواية؟

ـــــ اللغة موضوع صعب، لأنها سمة شخصية قبل كل شىء، بعض الكُتاب قلقون من نفاد الحكايات التى يمكن أن نرويها، وأنا أقول أنه لا داعى للقلق، لأن الحكاية هى أول عنصر ينطلق منه سرد الحكاية، هناك كلمات تكتبها فى الرواية وأثناء المراجعة تجد نفسك تحذف كلمة وتضع أخرى لمجرد أنك نطقتها بصوت أعلى، وهذا ينبئنا أن السرد نفسه يختلف إذا كان سردا صامتا أو شفهيا، هناك تفاعلات كثيرة يجعلك تستقر على الشكل النهائى للغة المكتوبة، وأنا أقول لك، لا شكل نهائى حقيقيا بالنسبة للكاتب، لو تُركت رواية فى يد كاتبها مدة أطول من فترة نضجها سيفسدها تماما، لهذا على الكاتب أن يتعجل فى نشر روايته.

< كيف ترى تعاونك الأول مع دار الشروق؟

ــــــ الأمر الذى أعجبنى فى دار الشروق أنها دار مؤسسية، لديهم لجنة قراءة حقيقية وعلى علم بتقنيات السرد، روايتى مكتوبة بتيار الوعى، وهذا التكنيك فى الكتابة قد يُحدث إرباكا للجنة القراءة فى أى دار أخرى لا تدار بأسلوب المؤسسة، وأنا لا ألوم الناشر الضعيف بقدر ما ألوم سوق النشر الذى يجعل الناشر يفكر فى أشياء عديدة غير جودة العمل، الشروق لا تهتم إلا بجودة العمل، والباقى يتعاملون معه جيدا.

< الغموض السردى والتشذى النفسى مصاحب للقارئ طوال قراءته للرواية، هل لم تخف من ذلك الغموض؟

ـــــ لا، لم أخف من ذلك، لأننى استمتعت بكتابة الرواية ومراجعتها، بالتالى ستجد الرواية من يستمتع بقراءتها، يعتمد هذا على العمر العقلى للقارئ.

< فى الرواية نراك تدخل من مدخل الخاص لتشتبك مع العام، فهل تحاول فى كتاباتك التركيز على مشاكل المجتمع العامة؟

ـــــ هذا نوع من أنواع التداعى الحر أثناء الكتابة، أنا ضد تكبيل تداعيات الكاتب طالما التزم بالخط العام للسرد، خاصة إذا كان التداعى قويا، خاصة إذا كان سيناقش قضية عامة عبر تساؤل برىء أو ماكر، نعود للوعاظ الذين اختلقوا الحكايات ولفقوها، ألم يفعلوا ذلك لإصلاح المجتمع، أنا ضد الوعظ المباشر، والسرد بلا تداعيات هو وعظ مباشر أيضا.

< بما أنك تعتبر من الكتاب الشباب المميزين للغاية كيف ترى الحركة الشبابية فى كتابة الرواية المصرية، والكتاب الشباب بشكل عام؟

ـــــ أراهم منهكين، يلثهون باستمرار، الكتابة مشروع قومى لا يقل أبدا عن بناء سد أو إنشاء محطة كهرباء، يتطوع الكاتب خارج نطاق عمله ولا يجد التقدير المناسب، لأن لدى كثير من الناس فكرة خاطئة عن كتابة الرواية، أنك ستجلس يوميا وتكتب «سطرين تلاتة» وبعد عام سيكون لديك رواية بهذا الفعل التراكمى، الحقيقة أن الكتابة تحتاج إلى مناورات، إلى تماه، بدون هذا التماهى ستجد الرواية مليئة بالنشاز السردى، الكاتب الذى يتطور بسرعة هو كاتب متفرغ، إذا كان التفرغ متعذرا فعلى الأقل يتم تقديره معنويا، أعرف كاتب شاب فوق الممتاز نشر عملين وانقطع.

< أعلنت من قبل اعتزالك الكتابة، ثم تراجعت عن هذا القرار، فما هى قصة القرار ولماذا تراجعت عنه؟

ــــ العلاقة مع النشر علاقة طويلة الأمد، وهذا قد يضر أى كاتب موهوب يعتمد على موهبته فى المقام الأول، فى بداية الكتابة يكون لديك طاقة قوية للكتابة والمراجعة والبحث، بعد نشر ٣ روايات وجدت نفسى ملزما بأداء حق هذه العلاقة مع النشر، مع القُراء، وهذا لا يأتى إلا مع بذل مزيد من الوقت، والوقت مع الكاتب عملة مراوغة جدا، لا تقف عند قيمة معينة، كثيرا ما كان لدى وقت ولا أعرف ماذا أفعل به فى مسار الكتابة، أنت مرهون باللحظة التى تطاردها، مرهون بمطاردتها، لا تعرف متى يتوافق السرد مع الحكاية مع اللغة ليصبح النص طيعا معطاء، ولكن عندئذ يصبح الوقت ثمينا جدا، جربت الكتابة فى شتى الأماكن، وبطرق مختلفة، كنت أتعجب من أصحاب الطقوس، لكنى عذرتهم عندما أصبحت اللحظات المواتية لى ككاتب قليلة جدا، والنصوص التى صنعتها بنفسى جدران شاهقة بلا أبواب، عندما أصبحت الكتابة دأب ومطاردة أعلنت أننى سأتوقف عن النشر، وبالتالى عن الكتابة، حينها سمعت تأويلات غريبة، أن فتوى دينية أتتنى بالتوقف عن الكتابة، أننى باحث عن الشهرة والتريندات، تجرعت كلمات مُرة، أنكرت نفسى، كنت قبيحا جدا بدون الكتابة، لكنى تعافيت أخيرا.

< ارتبط اسمك بالحركة السلفية الشبابية فى وقت ما، فهل كنت ترى تحريما فى كتابة الرواية، وهل ترى عداوة بين السلفية والكتابة أو الفن بشكل عام؟

ـــــ لماذا نتعامل مع السلفية من منظورها الضيق دائما، فإلى جانب أشخاص مولعين بحمل مساطر أفهامهم متناهية الصغر لقياس الواقع الشاسع فيحرمون ويحللون هناك أشخاص مولعون بالنصوص، بتحقيقها، بتتبع حكايات الرجال ومآسيهم وبطولاتهم فى علوم الجرح والتعديل، بتتبع هوامش النصوص والكتب بعيدا جدا عن الصيغ المختصرة، أنا من الفريق الأخير أستمتع جدا بالإبحار بعيدا فى السؤال (كيف وصل إلينا النص؟) والسؤال (كيف تاه التائهون فى تأويل النص)، هناك حكاية رويتها فى قصة «رقية النملة»، تحكى كيف أن رجل لا يُحسن الشعر أراد أن يكتب الشعر فى العصر الجاهلى فذهب لوادى من وديان الجن، فقابل هناك جنيا يدعى هبيد، كيف وصلت إلينا الحكاية؟ عندما نقل ناسخ كتاب (مشتبه النسبة) اسم راوى حديث فكتب إبراهيم بن المهرى بدلا من إبراهيم بن المهدى، هكذا نشأت الحكاية.

فى رواية إيلات كتبت عن عالم مُحى فيه القرآن، وحاول المسلمون حينها إيجاد نص أدبى يحمل الأخلاق والقيم التى كان يحملها القرآن، السؤال الآن: هل يجرؤ كاتب لا يُحرم الرواية على كتابة رواية بهذه الفكرة؟

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك