كسوة الكعبة (9).. توقف إرسالها من مصر إبان الغزو الفرنسي - بوابة الشروق
الأحد 30 يونيو 2024 3:19 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كسوة الكعبة (9).. توقف إرسالها من مصر إبان الغزو الفرنسي

منال الوراقي
نشر في: الثلاثاء 27 يونيو 2023 - 10:59 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 27 يونيو 2023 - 11:14 ص
على مر التاريخ، اُعتبرت كسوة الكعبة من أهم مظاهر الاهتمام والتشريف والتبجيل لبيت الله الحرام، التي برع فيها أكبر فناني العالم الإسلامي، حتى أصبح تاريخها جزءا من تاريخ الكعبة المشرفة نفسها.

وهذا العام، أعادت مجلة الأزهر الشريف الإسلامية الشهرية، الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية، نشر كتاب المؤرخ الكبير السيد محمد الدقن، "كسوة الكعبة المعظمة عبر التاريخ"، الصادر في مايو عام 1985، والذي رصد من خلاله تاريخ تصنيع وزركشة ونقش كسوة الكعبة المشرفة منذ بناؤها.

توقف إرسال الكسوة من مصر إبان الغزو الفرنسي لها

ظلت الكسوة الشريفة تُرسل بانتظام كل عام من مصر طوال العصر العثماني من إيراد الأوقاف، وفي أثناء احتلال الفرنسيين لمصر طوال سنوات ١٢١٣، ١٢١٤، ١٢١٥هـ لم ترسل الكسوة من مصر إلى الكعبة المشرفة خلال تلك السنوات.

وذكر الجبرتي، وهو معاصر لتلك الأحداث، الظروف والملابسات التي أدت إلى توقف إرسال الكسوة من مصر إلى الكعبة المشرفة على الرغم من تجهيز الكسوة والاحتفال بخروجها عام ۱۲۱۳ هـ، واهتمام الفرنسيين بقيادة مينو بإرسال الكسوة.

وذكر الجبرتي كيف حدث احتفال كبير سنة ١٢١٣هـ بموكب الكسوة في مصر حيث خرج الموكب واخترق شوارع القاهرة، يتقدمه الوالي والمحتسب ورجال الطرق الصوفية والجنود تحف بهم الطبول والزمور، فكان احتفالا ضخمًا على غير العادة.

وتعجب الجبرتي من هذا الموكب الحافل الذي خرج في تلك الظروف، وجمع أشكالا وألوانا من الناس على غير ما جرت به العادة، فيقول: "كانت هذه الركبة من أغرب المواكب، وأعجب العجائب لما اشتملت عليه من اختلاف الأشكال وتنوع الأمثال واجتماع الملل وارتفاع السفل، وكثرة الحشرات وعجائب المخلوقات، واجتماع الأضداد ومخالفة الوضع المعتاد".

وعلى الرغم من إشارة الجبرتي إلى خروج موكب المحمل من القاهرة في شوال سنة ١٢١٣ هـ، وبصحبته الكسوة والصرة، فإنه يعود فيقرر أن المحمل لم يواصل رحلته إلى الأراضي المقدسة، موضحًا السبب في ذلك، وهو أنه قد حدث أثناء وجود المحمل في محافظة الشرقية أن انضم أمير الحج مصطفى بك إلى بعض العرب الثائرين على الاحتلال الفرنسي في مصر، وذهبوا إلى القرى الموقوفة في محافظتي الشرقية والدقهلية واستولوا على إيرادات الأوقاف، ثم استولوا على المراكب التي كانت تسير في النيل حاملة المواد التموينية إلى الفرنسيين في دمياط، ومن ثم أصدر الفرنسيون أوامرهم بالقبض على مصطفى بك أمير الحج، ورجع المحمل بالكسوة إلى القاهرة وعينوا ناظرًا جديدًا على الكسوة هو السيد إسماعيل الخشاب.

ورغم ذلك لم ترسل الكسوة في ذلك العام من مصر إلى الكعبة المشرفة، وكانت هذه أول مرة تحول الظروفُ دون إرسال الكسوة من مصر إلى الكعبة المعظمة منذ قرون عديدة، ويعلق الجبرتي على ذلك بقوله: "انقضت هذه السنة وما حصل بها من الحوادث التي لم يحدث مثلها، ومن أعظمها انقطاع سفر الحج من مصر، ولم يرسلوا الكسوة ولا الصرة وهذا لم يقع نظيره في هذه القرون، ولا في دولة بني عثمان".

وفي سنة ١٢١٤هـ، لم يخرج موكب الحج المصري، ومن ثمَّ لم ترسل الكسوة من مصر في تلك السنة، وأما في سنة ١٢١٥ هـ فقد اهتم الفرنسيون بأمر كسوة الكعبة المشرفة، وكان ذلك في عهد الجنرال مينو، الذي تظاهر باعتناق الإسلام وتسمى باسم "عبدالله جاك مينو" وتزوج بامرأة مسلمة، وأبدى رغبته في الكشف عن كسوة الكعبة لفحصها وإصلاح أي خلل يكون قد أصابها نتيجة تركها مدة طويلة مطوية في المسجد الحسيني معرضة لرطوبة الطقس والأمطار التي تتساقط عليها من السقف التالف، وذلك تمهيدًا لإرسالها إلى مكة المكرمة لتلبيسها للكعبة المشرفة.

واجتمع الديوان، في يوم الثلاثاء، الخامس من شهر رمضان ١٢١٥هـ، حيث اتفق المجتمعون على تلبية رغبة الجنرال مينو في ذلك، وحدَّدُوا يوم الخميس ٧ من رمضان للكشف عن الكسوة، وقرئ الفرمان الذي ينص على إصلاح الكسوة وإرسالها إلى الكعبة المشرفة باسم "المشيخة الفرنسية" في تلك السنة.

وفي يوم الخميس المحدد توجه وكيل الديوان ومشايخه إلى المسجد الحسيني لانتظار حضور ساري عسكر الفرنسيين، مينو، الذي حضر بالفعل، ولكنه لم يتمكن من دخول المسجد نظرًا لازدحام الناس فيه في نهار رمضان، فأرجئ ذلك إلى يوم الخميس ١٤ رمضان، حيث تم الكشف عن الكسوة فوجدوا بها بعض التلف فأمروا بإصلاحه ورصدوا المبالغ اللازمة لذلك.

ويصف الجبرتي واقعة الكشف على الكسوة فيقول: "ولما كان يوم الخميس رابع عشرة، تقيد للحضور بسبب الكشف على الكسوة، استوفو خازندار الجمهور وفوريه وكيل الديوان، فحضر صحبتهما المشايخ والقاضي والأغا والوالي والمحتسب بعدما أُخلي المسجد الناس، وأحضروا خدامي الكسوة الأقدمين وحلوا رباطاتها وكشفوا عليها، فوجدوا بها بعض خلل، فأمروا بإصلاحه، ورسموا لذلك ثلاثة آلاف فضة، وكذلك رسموا للخدمة الذين يخدمونها ألف نصف فضة، ولخدمة الضريح ألف نصف ثم ركبوا إلى منازلهم، ثم طويت ووضعت في مكانها بعد إصلاحها".

وعلى الرغم من كل هذا الاهتمام، فلم يذكر الجبرتي ما يفيد إرسال تلك الكسوة، كما لم يتم العثور على أية إشارة إلى خروج المحمل أو إرسال الكسوة إلى مكة المكرمة في تلك السنة ١٢١٥.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك