الكاتب الفلسطينى ربعي المدهون: الحرب كسرت رواية إسرائيل التى بُنيت عليها المظالم التاريخية - بوابة الشروق
الإثنين 1 يوليه 2024 1:33 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكاتب الفلسطينى ربعي المدهون: الحرب كسرت رواية إسرائيل التى بُنيت عليها المظالم التاريخية

الكاتب الفلسطينى ربعي المدهون
الكاتب الفلسطينى ربعي المدهون
حوار ــ إيمان صبرى خفاجة:
نشر في: الجمعة 28 يونيو 2024 - 6:46 م | آخر تحديث: السبت 29 يونيو 2024 - 1:12 م

- جئت مصر وعمري 19 عاما لإتمام دراستي.. وحتى الآن أحرص على الزيارة
- المرأة الفلسطينية كما الرجل فى الحكاية.. هى الأم والمناضلة وتعانى نفس ظلم الاحتلال
- الرواية الفلسطينية حققت نجاحًا وحضورًا كبيرا
- «سوبر نميمة» يناقش ظاهرة التطاول على النقد نفسه

نبتدى منين الحكاية؟ بهذا التساؤل الذى يبدو للبعض مجرد استدعاء لحالة من النوستالجيا، استهل الكاتب والصحفى ربعى المدهون حديثه، وبعد انتهاء الحوار أدركت أن هذا التساؤل هو التوصيف الأنسب لـ رحلة الكاتب الفلسطينى التى بدأت بالتهجير طفلا من المجدل عسقلان، ثم الانتقال إلى مصر التى رحل عنها عنوة وما زال يحن إليها زائرًا، وصولًا إلى إنجلترا حيث اللجوء الثانى ــ وفقا لتعبيره ــ فى هذه الرحلة شهد المدهون العديد من المحطات والمنعطفات المهمة؛ والتى تعكس تاريخ وطن بأكمله وجيل خرج من غزة ولم يعد إليها إلا بعد 40 عامًا.

فى حواره لـ«الشروق» بعد انقطاعه لسنوات طويلة عن الأحاديث الصحفية، يتحدث ربعى المدهون عن رحلته، وأهم محطاتها وأسرار الكتابة ودوافعها، وعن ملامح أبطاله الذين يشبهون رحلته إلى حد التطابق.

لقراءة الحوار كاملًا هنا

تتشابه حكايتك مع أبطال أعمالك، فهل حدثتنا عن ظروف نشأتك؟

ــ ولدت لأسرة فلسطينية، هُجِّرت من مدينة المجدل عسقلان جنوب فلسطين ــ والتى قُصِفت بكثافة بعد عملية طوفان الأقصى ــ عام 1948 خلال النكبة، كان عمرى ثلاث سنوات آنذاك؛ فعشت فى مخيم للاجئين 16 سنة حتى انتهيت من المرحلة الثانوية وانتقلت إلى مصر للالتحاق بالجامعة.

إذًا كانت بداية رحلتك العملية من مصر.. حدّثنا عن تلك الفترة...

جئت إلى مصر وعمرى 19 عامًا، والتحقت بكلية الزراعة بجامعة عين شمس عام 1964، لكن رسبت لسنتين بسبب اهتمامى بتعلم الموسيقى، ثم التحقت فيما بعد بكلية الآداب ودرست فيها لمدة أربع سنوات؛ لكنى لم أتم السنة الرابعة؛ لأنى كنت انتميت إلى تنظيم يسارى فلسطينى.

هل هذا التوجه كان سبب الخروج من مصر؟

ــ فى هذا الوقت كانت حركة المقاومة الفلسطينية فى حالة صعود، لكن عام 1970 دخلت أمريكا على خط الصراع وتم طرح مبادرة روجرز؛ التى قبلها الرئيس جمال عبدالناصر ورفضتها المنظمات الفلسطينية؛ ما أحدث خللًا فى العلاقة بين عبدالناصر كداعم حقيقى للفلسطينيين والمنظمات الفلسطينية بدرجات مختلفة، وكانت المنظمات اليسارية فى ذلك الوقت حادة فى التعامل مع الرئيس عبدالناصر وبالفعل أساءت فى بعض شعاراتها له، وبالتبعية تم إبعادى برفقة مجموعة من الطلاب اليساريين.

هل كان عملك فى الصحافة مُعطّلا لمسيرتك الأدبية؟

ــ ربما؛ خاصة وأنى التحقت بمركز الأبحاث الفلسطينى وتحولت إلى باحث أكاديمى فى تجربة أخرى مكملة للعمل الصحفى، وكنت أول من أصدر كتابا عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وطُبع هذا الكتاب فى قبرص وعن دار الأسوار فى عكا، ووزع بشكل سرى عام 1988.

مع توقيع اتفاقية أوسلو بدأت مرحلة جديدة لكنك رفضت العودة إلى فلسطين مع حركات المقاومة والمنظمات الفلسطينية التى عادت إلى غزة والضفة الغربية فى ذلك الوقت، فما هى الأسباب والقناعات وراء ذلك؟

ــ لم أكن ضد أوسلو تحديدا كاتفاق؛ ولكن كان لدى شك بأن القيادة الفلسطينية تستطيع إدارة الصراع؛ بحيث تحول ما هو إيجابى فى الاتفاقية إلى مرحلة أكثر تطورا تجاه الحقوق الفلسطينية، وهذا ما حدث فى الواقع فاضطررت إلى الهجرة واللجوء إلى بريطانيا أنا وعائلتى وابتدأت مرحلة أخرى من الحراك.

شهدت بريطانيا ميلاد أول أعمالك الروائية.. هل تحدثنا عن ظروف كتابتها؟

ــ أحد الأيام كنت ذاهبًا إلى العمل فى قطار من محطة ريتش مونت تجاه مقر الوكالة، وبالطريق تذكرت والدى، بالتحديد وفاة والدى الذى كان موظفًا بوكالة الغوث، وأصيب بالسل لمدة 9 سنوات وتوفى، وخلالها عشنا مرحلة صعبة، فوجدت نفسى أخرج الكراسة من الحقيبة وأكتب مات أبى، وإذا بى أكتب الفصل الأول بالكامل.

ولماذا ترفض أن تصنف طعم الفراق كـ رواية رغم توافر عوامل البناء الروائى لها؟

ــ هى سيرة روائية أو رواية قائمة على سيرة ذاتية.

تملك أسلوبا سرديا مختلفا لكنه متكرر فى جميع أعمالك.. هل تحدد أسلوب السرد أولا قبل الكتابة أم يولد مع الحكاية ويفرض نفسه؟

ــ هى تولد كلها كاملة؛ بمعنى أننى أبنى سردًا ابن بيئته، ولغة ابنة بيئتها؛ وهذا يعتمد على الشخصيات والمناخ والحكاية التى أتعامل معها، لكن غالبا ما يكون سردى مُفعمًا بالحكايات والأمثال والتراث والتاريخ والمعلومات وتجربتى الخاصة نفسها.
نستطيع القول أن من يتابعنى يعرف أن هذا السرد غير متأثر بأى مدارس معينة أو أشكال كتابية معينة؛ أنا حريص خلال الكتابة أن أبتدع تقنيتى الخاصة وأسلوبى السردى؛ فلا يختلف أسلوبى فى «السيدة» عن أسلوبى فى «مصائر» لكن التقنيات تختلف جزئيا وفقا لتطور الأحداث وبناء الشخصيات.

على ذكر «مصائر» و«السيدة من تل أبيب» و«طعم الفراق»، ثلاثة أعمال روائية خلال مشوار طويل فلماذا أنت مقل فى الكتابة الروائية؟

ــ لأن الكتابة عندى مرتبطة بتطورات ومنعطفات فى حياتى، بمعنى؛ كما كان الانتقال من بيروت إلى قبرص أنهى القصة القصيرة فى حياتى؛ لأن المناخات التى كنت أحيى فيها فى ظل منظمة التحرير كانت توفر معطيات وقصص تساعد على الكتابة؛ وهذه الظروف انعدمت فى موسكو ثم على مدار 12 سنة فى قبرص؛ فأبعدتنى عن هذه الكتابة؛ فضلا عن الانخراط فى العمل الصحفى.

كتبت «السيدة من تل أبيب» من وحى زيارتك الأولى لغزة بعد 38 عامًا.. فماذا كانت دوافعك لكتابة «مصائر»؟

ــ بما أنى غطيت قطاع غزة بكل تفاصيله فى السيدة من تل أبيب، بدأت التفكير فى تغطية أوضاع فلسطينيى 48؛ مستندًا إلى علاقتى البحثية والصحفية وتخصصى فى الشأن الفلسطينى لسنوات طويلة؛ ووضع إصبعى على الظلم التاريخى الذى تعرضوا له.
فى هذا الصدد؛ عثرت على حكاية أحد أقاربى إسماعيل المدهون الذى خرج من المجدل عسقلان سنة 48 خلال الحرب هو وزوجته وابنته إلى قطاع غزة؛ لكنه عاد إلى المجدل مرة أخرى قبل أن تغلق الحدود ويتم ترسيمها فى اتفاقية رودس، بقى فى المجدل عسقلان ثم نقلوهم إلى اللد فعاش هو فى اللد؛ هنا أخذت الفكرة ومضيت فى كتابة «مصائر»، التى كان أهم ما فيها الربط بين فلسطينيى 48 والظلم الذى عانوا منه من المحيط العربى.

وما ملامح هذه القسوة من وجهة نظرك؟

ــ تعرضوا لـ ظلم قاس؛ كان يقال عن هذا الرجل فى العائلة أنه صار إسرائيليًا؛ لأنه عايش مع اليهود وفى نفس الوقت كانوا يحسدونه لأنه يحيا فى البلاد؛ فمن جهة هو محسود لبقائه على أرض الوطن ومن جهة هو مكروه لأنه كان يحمل جنسية إسرائيلية.

هل يعنى ذلك أن رواية «مصائر» هى دفاع عن فلسطينى 48؟

ــ على امتداد أربعين سنة العرب يوجهون العداء الشرس لهم؛ وكأن ترك البلاد والهجرة هو الحل لكن الصحيح هو البقاء ومن هنا أخذتنى الفكرة انطلاقا من محاولة إنصاف لا تبرئة؛ أو دفاع لقسم كبير من شعبنا 2 مليون فلسطينى هم 20% من المجتمع الإسرائيلى.

تطرقت فى رواية «مصائر» إلى العديد من الموضوعات الضاربة فى أعماق التاريخ.. فما هى الوثائق التى اعتمدت عليها بجانب الحكاية الشخصية؟

ــ استغرقت الرواية أربع أو خمس سنوات عمل؛ بين الزيارات لكثير من المدن الفلسطينية والبقاء فيها لعدة أيام والتجول والتعرف على الناس والحكايات، وأيضا استنادا إلى خبرتى البحثية والصحفية وتخصصى لأربعين سنة فى الشأن الفلسطينى؛ ومعرفتى العميقة بتفاصيل حياتهم.

للمرأة دور محورى فى أعمالك وتعطيها أحيانا خط سرد الحكاية.. حدّثنا عن ذلك؟

ــ المرأة كما الرجل فى مسار الحكاية الفلسطينية، هى جزء من هذه الحكاية مساوٍ للرجل، فإذا أخذتيها من النكبة فهى منكوبة بالمثل، هى الأم وهى المناضلة وهى أيضا تعانى ما يعانيه الرجل من ظلم الاحتلال، وتعانى من الظلم الاجتماعى، وهناك جزء غائب أحيانا عن الأعمال الأدبية حول قضايا الشرف وقتل النساء لمجرد الاشتباه وقد لا يكون هذا الاتهام حقيقيًا.
كانت هناك عائلة فى حى الجواريش قتلت عشرة من بناتها خلال سنة واحدة والاحتلال كان يتستر على هذا الموضوع؛ لا يقوم بالتحقيق ويطوى الحكايات؛ وجزء منها هذه المظالم التى تقع على حق المرأة على أكثر من مستوى، الرجل عليه اضطهاد الاحتلال وهى عليها اضطهاد الاحتلال واضطهاد الرجل وهذه مسألة مهمة.

كتاب «سوبر نميمة» يعتبر تغييرا فى نوعية كتاباتك.. هل تعتبره كتابا نقديا؟

ــ سوبر نميمة كانت له وظيفة مختلفة وهى التعرض للظواهر النقدية التى نشأت على الهامش، وهى أقرب إلى التطاول على النقد نفسه ولا تنتمى إلى مدارس نقدية، بل تنتمى إلى الطفيليات التى تتسلق على سلالم النقد؛ هذه الظواهر السلبية هى التى يعالجها سوبر نميمة، إذ اعتبرت سوبر نميمة يقدم سيرة للرواية، كيف كتبت الرواية وكيف تم استقبالها من قبل النقاد سلبا وإيجابا.

وما هى رؤيتك للكتابة النقدية؟ هل تؤدى الدور المنوط بها؟

ــ هناك اتجاهات نقدية فى الوطن العربى محترمة؛ ومصر غنية بالنقاد الكبار، لكن المرحلة النقدية اختلفت من الخمسينيات والستينيات عما بعد السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات والألفية، فى الواقع السابق كان هناك مدارس نقدية تتمتع بعمق أكاديمى، لكن فى الوقت الحالى يبدأ بعض من يتسلقوا على سلالم النقد بالانطلاق من هذه الأخطاء لبناء سردية للتقليل من أهمية العمل أو التطاول على الكاتب؛ أى الانتقال من العمل إلى الشخصنة.

أنت أول كاتب فلسطينى يحصل على جائزة البوكر العربية فما هو تأثير الجائزة على الكاتب والوسط الأدبى؟

ــ الجائزة هى قيمة لصانع هذا العمل؛ لكنها فى الأوساط الثقافية تأخذ مناحى مختلفة، فنحن نتعرض إلى طفرة من الأعمال الروائية وتتزاحم الروايات فى السوق، من جهة أخرى خلق نوع من السباق الذى دخله هواة الكتابة، وخلق سباق لا يخلو من الغيرة؛ أدى إلى تنافس سلبى الطابع بدل أن يكون هذا التنافس إيجابيا، بدون شك الجوائز ساعدت على تقديم عدد من الكتاب المبدعين، وسلطت الأضواء أيضا على كتاب شباب، وفى الوقت نفسه خلقت هذا الكم الهائل من المحاولات الكتابية.

هل حقق الأدب الفلسطينى الهدف المرجو منه للقضية الفلسطينية؟ ولمن تقرأ من الكتاب الفلسطينيين؟

ــ عندنا محمود شقير، إبراهيم نصرالله، أكرم مسلم، تيسير خلف، عندنا أسماء عديدة قدمت أعمالا ممتازة وأصبحت أعمالهم متداولة كما الأعمال العربية الأخرى، فضلا عن الأسماء التى ظهرت من خارج فلسطين أى المغتربين مثل سوزان أبو الهوى فى «صباح الخير جنين» ولها أكثر من تسمية حسب الترجمة التى ترجمت إليها، وعدد من الأسماء قدمت الرواية بأسلوب متقدم وبلغة أخرى مختلفة وحققت حضورا قويا على مستوى العالم ومع ذلك إذا بدنا نضع مسألة الهدف بين قوسين فنحن لا نكتب لهدف، نحن نكتب روايتنا.

وكيف تفاعلت مع الوضع الحالى ما حدث يوم 7 أكتوبر وما بعدها حتى الآن؟

ــ لا أحاول أن أدعى معرفة بأين ستتجه الأمور، وليس لدى قدرة الآن على استشراف أين ستنتهى المرحلة، لكن المرحلة ما زالت طويلة ما حدث زلزال فى المنطقة، فمن كان يتصور أن مستوى القتل سيصل إلى هذه الفظاعة التى نراها، يعنى عندما وقعت الهولوكوست على سبيل المثال جرت فى التاريخ وجرت مذابح حقيقية ولكنها جرت كأن ما بين قوسين فى العتمة، لكن نحن نشهد ما هو أفظع من المذابح على شاشات التليفزيون نراها لايف.

وبرأيك ما هى أهم المكاسب التى حققتها عملية طوفان الأقصى؟

ــ كسر الرواية الإسرائيلية التى بنيت عليها مظالمهم التاريخية، والمحرقة التى بدأ العالم يكتشف بعد 75 عاما من النكبة أنها بنيت على أكاذيب، وكشف المشروع الاستعمارى الذى لا حدود لمظالمه وكراهيته وعنصريته تجاه الشعب الفلسطينى، بالإضافة إلى إحداث شرخ قوى على المستوى السياسى والأمنى والاستخباراتى لإسرائيل وهذا الأمر سيستمر بالتزايد.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك