الصراع التجاري بين امريكا والصين..متي يتحول عسكريا؟ - بوابة الشروق
السبت 5 أكتوبر 2024 5:27 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصراع التجاري بين امريكا والصين..متي يتحول عسكريا؟

واشنطن - من طارق الشامي
نشر في: الأربعاء 28 نوفمبر 2018 - 5:24 م | آخر تحديث: الأربعاء 28 نوفمبر 2018 - 5:24 م

انتعاش الاقتصاد الأميركي يقترب من نهايته ، والركود قادم خلال عام أو اثنين
الحرب التجارية بين واشنطن وبكين سبب رئيسي للأزمة وحروب متعددة الأوجه تنتظر العملاقين.
الخسائر تجاوزت تريليون دولار خلال أسابيع
مصر ودول الخليج وإيران تتأثر سلبا وإيجابا بالخلافات الأميركية الصينية


للتدليل على مدى تأثر دول العالم بالاقتصاد الأميركي قالوا : "إذا عطست أميركا ، أصيب العالم بالزكام"، مقولة لا زالت فاعلة حتى الآن ، فبورصة "وول ستريت" تتحرك داخلها يوميا رؤوس أموال تزيد عن ٢١ تريليون دولار ، وخلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية خسرت البورصة أكثر من تريليون دولار دفعة واحدة لتفقد كل المكاسب التي تحققت طوال العام الحالي ولتطفو على السطح مخاوف من بوادر اعتلال أقوى اقتصاد في العالم ، وتزداد خشية الكثيرين من ركود اقتصادي وشيك تتحمل فيه الحرب التجارية المتواصلة بين الولايات المتحدة والصين جزءا مهما من مسؤوليته، حرب تجارية تخفي حروبا مستقبلية يُخشى من أن تمتد الى ساحات متعددة منها الجبهة العسكرية، ووسط هذه الحروب المتوقعة تنتظر مصر ودول الخليج العربي انعكاساتها على هذه المنطقة الملتهبة .

لم يكن أحد يتصور أن شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى في الولايات المتحدة وهي "آبل" و "فيسبوك" و "نتفليكس" و "أمازون" و "ألفابيت" المالكة لشركة "غوغل" فضلا عن "مايكروسوفت" ، ستقود بورصة نيويورك للأوراق المالية إلى اتجاه نزولي مستمر لم يتوقف منذ أسابيع ، رغم تأكيدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الاقتصاد الأميركي مازال يبلي بلاء حسنا وتتواصل مؤشراته العامة قوية ومتألقة.
وبينما واصل مؤشرا "داو جونز" و "ستاندرد آند بور" تراجعهما في بورصة "وول ستريت" ، وانخفضت بورصة "ناسداك" للتعاملات الأليكترونية ، إرتسمت علامات الدهشة على وجوه التجار والمستثمرين ، فيما توقع "مايكل ويلسون" الخبير في مؤسسة "مورغان ستانلي" مزيدا من الأخبار السيئة ، مشيرا إلى أن الانهيار امتد الى شركات التجزئة ، كما لحقت الخسائر شركات الطاقة مثل "إكسون موبيل" و "شيفرون" في ظل تراجع أسعار البترول بشكل متسارع ووصول سعر البرميل الى أقل من ٥٨ دولارا من خام "برنت" القياسي.

أكبر الخاسرين مما حصل كان الرجل الأكثر ثراء في العالم "جف بيزوس" رئيس شركة "أمازون" الذي خسر ٤٢ مليار دولار منذ أن وصلت ثروته ١٦٨ مليار دولار في سبتمبر الماضي ، كما فقد "مارك زوكيربيرغ" مؤسس شركة "فيسبوك" ٣٤ مليار دولار لتتوقف ثروته حاليا عند ٥٢ مليار دولار.

متى يصل الاقتصاد الأميركي إلى الركود؟

المحافظ السابق الأكثر شهرة في تاريخ مجلس الاحتياط الفيدرالي وهو "آلان غرينسبان" ، أشار في حديث تليفزيوني إلى أن علامات الركود التضخمي تلوح في أفق الاقتصاد الأميركي ما يعني استمرار معدلات التضخم في الصعود مع زيادة معدلات البطالة وركود الطلب ، وقال إن علامات القوة في أكبر اقتصاد في العالم تخفي تحتها قدرا من علامات التآكل التي ستحد من التقدم الحالي وان الأمر يحتاج الى حل مشكلة العجز في الميزانية، محذرا من عدم القيام بخطوات واقعية لحل العجز في الميزانية الذي يزيد بمعدل تريليون دولار كل عام بسبب زيادة النفقات وخفض الضرائب دون تمويل هذا العجز.

وفيما أكد غرينسبان أن الركود الاقتصادي قادم في وقت ما دون تحديد سقف زمني له ، توقع الملياردير الأميركي "ستيف كوهين" أن يحدث الركود بين عام وعامين من الآن ، في حين ذكّرَ آخرون بأن الركود يحدث عادة كل دورة مدتها عشر سنوات وأن تحسن الاقتصاد بدأ قبل عشر سنوات بالفعل والكل الآن في انتظار الركود.

الأجواء التشاؤمية التي حلت على الجميع ، أطلقت العنان لتفسير ما جرى بهدف استشراف المستقبل من قبل الخبراء والمحللين والمسؤولين ، فهل كانت تلك مجرد حركة تصحيحية متوقعة لجني أرباح المضاربين ، ترافقت مع مخاوف متجددة من قيام "مجلس الاحتياط الفيدرالي" وهو البنك المركزي في الولايات المتحدة ، برفع سعر الفائدة وبالتالي زيادة عبء الاقتراض وعرقلة النمو الاقتصادي ، أم أن الحرب التجارية المعلنة من قبل الرئيس ترامب ضد الصين هي السبب الرئيس في التراجع المتواصل للأسهم الأميركية ، خاصة وأن ملامح التوتر بين واشنطن وبكين تصاعدت على جبهة منظمة "أبيك" للتعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (الباسيفيكي) التي انتهت قبل أيام ولم يتم التوصل فيها لبيان مشترك لأول مرة في تاريخ المنظمة.

الصدام الأميركي الصيني يشتعل

أكثر من ذلك أن الصدام ولهجة التحدي خيمت على قمة "أبيك" طوال فترة انعقادها وهو ما جعل الأسواق المالية تتأكد من أن الأسوأ قادم ، حيث أوضح نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إنه لن تكون هناك نهاية للتعريفات الجمركية على السلع الصينية ما لم تتوقف الصين عن ممارساتها التجارية غير العادلة على حد وصفه ، واتهم بنس الصين بالاعتداء على حقوق الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا بشكل غير قانوني ، بل امتدت الأزمة إلى مطالبة بكين بحرية الملاحة في البحار و ضرورة احترام حقوق الإنسان ، كما انتقد خطة "الحزام والطريق" التي اقترحتها الصين عام ٢٠١٣ وتهدف إلى تشييد وتوسيع الخطوط البحرية والبرية التي تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا وتتكلف مليارات الدولارات توفرها الصين.

ويقول محللون سياسيون إن نبرة التصعيد الأميركية التي ترافقت مع اتفاقات تعاون اقتصادية أميركية مع اليابان وأستراليا ونيوزيلندا ، وتعاون آخر لتوسيع قاعدة عسكرية مع استراليا في بابوا نيو غينيا التي استضافت القمة ، تعني عزم واشنطن على تقليص نفوذ التنين الصيني ومواجهته اقليميا ودوليا وهو ما اعترف به الرئيس ترامب صراحة حين قال في مؤتمر صحفي قبل أيام في البيت الأبيض إنه لولا فرض أميركا التعريفات الجمركية المتتالية على بكين ، لتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الصيني نظيره الأميركي وأصبحت الصين هي القوة الاقتصادية الأكبر في العالم بما يعكسه ذلك من دلالات في الساحة الدولية.

تأثر مصر ودول الخليج وإيران

ووسط هذه الحرب التجارية المعلنة ، تجد مصر ودول الخليج العربي التي ترتبط بعلاقات تجارية ممتازة مع الجانبين نفسها في موقف صعب ، فمصر والسعودية وإيران هم أكبر شركاء الصين في الشرق الأوسط وقد تدفع الحرب التجارية الأميركية مع الصين إلى إسراع بكين في تأمين شريك تجاري مستقل مع مصر يؤسس موطئ قدم لها على البحر المتوسط وقاعدة تجارية استراتيجية على ساحل البحر الأحمر.

كما أن الصين أصبحت الشريك التجاري الأول للسعودية ووقعت معها مذكرات تفاهم بقيمة ٦٥ مليار دولار خاصة في مجال التكنولوجيا والبتروكيماويات وقد تؤدي الحرب التجارية الحالية الى تأخير عدد من هذه المشاريع.

على المدى البعيد ، قد تؤدي التعريفات الجمركية الى إبطاء النمو الصناعي للصين ومن ثم ينخفض الطلب على البترول .

أما إيران فقد تكون المستفيد الأكبر من توتر العلاقات بين بكين وواشنطن ، حيث من غير المرجح أن تلتفت الصين للعقوبات الأميركية ضد إيران في هذه الأجواء خاصة وهي تستورد ٧١٨ ألف برميل يوميا من إيران وهو ما يعادل ربع صادرات إيران من البترول.

الحرب التجارية مقدمة لحروب متعددة

ويؤكد محللون سياسيون في واشنطن ، أن الحرب التجارية الحالية ، ليست سوى وجه واحد من حروب متعددة الأوجه سوف تتوالى الواحدة تلو الأخرى ، فالرسوم الجمركية الأمريكية التي بدأت على سلع قيمتها ٣٤ مليار دولار وردت عليها الصين برسوم مماثلة ، تبعتها رسوم أخرى على سلع ب ٢٠٠ مليار دولار والتهديد برسوم أخرى بمئات المليارات ، فيما يؤكد مراقبون أن الدافع الرئيس الذي يقود الولايات المتحدة ليس فقط تحقيق ما تعتبره ممارسات تجارية عادلة وإنما أيضا وهو الأهم عرقلة الصعود التاريخي المتواصل للصين وابعادها ولو لعدة سنوات عن منافسة الولايات المتحدة تقنيا وبخاصة في مجال التصنيع التكنولوجي وأجهزة الكومبيوتر المتطورة وإبطاء قدرتها على تفعيل سرعات عالية للإنترنت والجيل الخامس على وجه التحديد الذي سيكون بمثابة ثورة هائله في تاريخ البشرية له أعظم الأثر في تغيير وجه الحياة كما غيرت الكهرباء والطباعة والسيارات والقطارات والطائرات في الماضي من طريقة وأسلوب حياة الناس.

الطريق إلى الحرب

فكرة الحرب ضد الصين ليست وليدة اللحظة ، بل هي متفاعلة منذ سنوات بين نخبة المفكرين والدارسين في الولايات المتحدة ، ونظرة سريعة على الكتب الصادرة خلال الأعوام والأشهر الماضية تؤكد إلى أي مدى أصبحت الفكرة مسيطرة على مجتمع الباحثين والصحفيين في العاصمة الأمريكية لدرجة أنهم أطلقوا تعبير "الحريق الآسيوي" على نهضة الصين والدول المجاورة لها خلال السنوات الاخيرة.

أسوأ هذه الأفكار تناولها كتاب "غراهام أليسون" الصادر عام ٢٠١٥ تحت عنوان "الطريق إلى الحرب" ، فهو الكتاب الأكثر تأثيرا هنا كونه يرتكز على دراسة بحثت في ١٦ حالة تاريخية خلال القرون الخمسة الأخيرة ، واجهت فيها قوى صاعدة قوى أخرى قائمة، ووجدت الدراسة أن ١٢ حالة منها انتهت بالحرب وحمامات دم قتلت الملايين مثلما تحدت بريطانيا هولندا قبل مئات السنين، ومثلما تحدت ألمانيا بريطانيا قبل مئة عام وانتهت بالحرب العالمية الأولى ، ومثلما تحدت اليابان الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية ، تماما مثلما تحدث "أثينا" إسبرطة المجاورة فدخلا في حرب دامت ٣٠ عاما قبل ألفين وستمئة عام.

ووفقا للمسار الحالي في العلاقات الصينية الأميريكية ، فإن الحرب ليست فقط محتملة ولكنها أكثر احتمالا بعد انطلاق الحرب التجارية التي وصفها مستشار ترامب السابق "ستيف بانون" بأنها حرب تجارية لا مناص منها وأن الولايات المتحدة سوف تنتصر في نهايتها لأنها في وضع أفضل.

لكن الحرب العسكرية ليست حتمية ، فوفقا لنفس الدراسة ، كانت هناك أربع حالات تحدت فيها قوى صاعدة قوى أخرى قائمة ومسيطرة دون أن ينزلق الطرفان إلى حرب دموية مثلما حدث بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ومع ذلك فإن الأمر يتطلب مرونة كبيرة وتغييرات مؤلمة في التوجهات والأفعال من كلا الطرفين.

الحلم الصيني

ما يخشاه كثيرون في واشنطن هو تصاعد التيار القومي في الصين ، ذلك أن "الحلم الصيني" الذي يعد به الرئيس الحالي "شين جين بنغ" ، ينبع من أن الصين لن تسمح بتكرار الإهانة التي لحقت بها على يد الغرب واليابان معا ، والمثير للقلق وفقا لمراكز التفكير الأميركية هو أن هناك تشجيعا رسميا من الدولة والمسؤولين على تنامي "كراهية اليابان" وتعظيم الاستياء والامتعاض تجاه سياسات الولايات المتحدة الأميركية.
ولا يعد تنامي "القومية الصينية" نتاج اليوم ، بل يرجع إلى احداث ميدان السلام السماوي"تيان آن من" في بكين ، حين لجأ الحزب الشيوعي الصيني وهو الحزب الواحد إلى القومية لاستعادة شرعية حكمه ، ومنذ ذلك الحين تم تدريس وترسيخ الأفكار القومية في المناهج التعليمية انطلاقا من ضرورة محو العار الذي لحق بالصين في الماضي.

ومع بداية الثمانينيات عندما فتح الزعيم الصيني السابق "دينغ شياو بنغ" الباب أمام الرأسمالية، بدأ إحلال القومية الصينية كعقيدة رسمية محل فكر "ماو تسي تونغ" ، ولهذا لن يكون بمقدور أي زعيم صيني السماح باستقلال تايوان أو التسامح مع مقاومة اقليم "التبت" للحكم المركزي الصيني ، لأن ذلك سيظهر أي زعيم صيني في موقف ضعيف أمام شعبه ، ولهذا السبب أيضا اشتعلت الصين غضبا حينما تحدث الرئيس ترامب عن اعادة النظر في سياسة "صين واحدة" التي اتبعها الرؤساء الأميركيون السابقون للحفاظ على العلاقات مع الصين دون توتر مع الإبقاء على العلاقة مع تايوان في حدود معينة لا تغضب الصين.

ولا يعد "الحلم الصيني" مجرد شعار ، فهو عنوان أكثر الكتب مبيعا في الصين ، ألفه الجنرال "ليو منغفو" يتحدث فيه عن قيادة الصين للنهضة الآسيوية ويقول فيه: " عندما تصبح الصين الدولة القائدة في العالم ، سوف تضع نهاية لادعاء الغرب بالتفوق العرقي" ، ويُشبه البعض في واشنطن هذا الخطاب بالدعاية اليابانية في ثلاثينات القرن الماضي والتي قادت اليابان الى الحرب مع الولايات المتحدة عام ١٩٤٢.

احتواء أميركا للصين

يذهب البعض إلى أن القوى الوحيدة التي يمكن أن تقف في وجه الصين هي الولايات المتحدة عبر قواعدها العسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وهي القواعد التي مكنت واشنطن من لعب دور الشرطي الإقليمي هناك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ويؤمن كثير من الباحثين ولأسباب عديدة منها ما يتعلق باعتبارات القومية الأميركية وبعدم السماح بانزلاق الهيمنة الأميركية حول العالم ، في أن الولايات المتحدة لن تسمح بسيطرة الصين على الجانب الغربي من المحيط الهادئ خاصة بعد اعلان الصين عن تطوير صواريخ قادرة بسهولة على اغراق حاملات الطائرات.

غير أن آخرين يرون أنه يمكن احتواء الحرب العسكرية مع الصين باعتبار أن القوة العسكرية الصينية لا تمثل حتى الآن تهديدا واقعيا لقوة الولايات المتحدة عسكريا. صحيح أن الصين تدعى أحقيتها في عدد من الجزر غير المأهولة بالسكان في بحر الصين الجنوبي رغم كونها بعيدة عن حدودها ، إلا أنها لم تستخدم حتى الآن أية قوة عسكرية لفرض سيطرتها على الجزر ، وهذا يعني حسب تقدير البعض أن الفرصة ربما تكون مواتية للتوصل إلى تسوية لاقتسام ثروات هذه الجزر بين الدول المتنازعة عليها.

ويرى مراقبون أمريكيون أنه من الضروري وقف طموحات الصين عند نقطة تقل عن أهدافها الاستراتيجية وهذا لن يتأتى إلا عبر تعاون الولايات المتحدة مع جيران الصين المتخوفين من تنامي نفوذ بكين بحيث يتم خلق تحالف دفاعي إقليمي تقوده اليابان و يمتد من كوريا الجنوبية إلى بورما ، لكن المشكلة تكمن في أن معظم اليابانيين يرفضون العودة للعب أي دور عسكري مستقبلا وهو ما يعيد الأمور إلى حالة الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك