كانت ذكرى الهجرة النبوية محل اهتمام واسع خلال إحدى فترات ازدهار السينما المصرية، وعالجت الأفلام السينمائية هذه الواقعة بصور مختلفة في أفلام تٌصنف أنها دينية تاريخية، وهي الأعمال التي تصور الأحداث التاريخية التي وقعت في مرحلة أو أكثر من مراحل التاريخ.
ويقول الكاتب والناقد السينمائي المصري محمود قاسم، في كتابه "الأديان على شاشة السينما المصرية": "سوف تظل العقيدة هي محور الاهتمام الأول لدى الإنسان في كل زمان ومكان وفي عصر، وعبر السينما شاهد الناس على الشاشات الكثير ما يخص عقائدهم، وبالنسبة لمصر فإن الإسلام هو المحور الأساسي في أكثر القصص التي نراها سواء في الأفلام التاريخية / الدينية أو القصص النمطية التي ينتصر فيها الخير على الشر.
ويعكس اهتمام السينما عالميا بظاهرة الفيلم الديني عامة أهمية هذه الظاهرة في تاريخ السينما فقد أعطت شركات الإنتاج للدين أهمية تتناسب مع مكانته لدى الناس، وجسد المخرجون والكتاب والممثلون أشهر القصص المستوحاة من الثورة والعهد القديم وأيضاً من تاريخ الإسلام.. ومنذ بدأت السينما والقصص الدينية تجد طريقها إلى الشاشة ويقوم ببطولتها أشهر النجوم ويكتبها أهم المؤلفين".
وأوضح قاسم، في كتابه، أن في السنوات التي ازدهرت فيها السينما العالمية المهتمة بالتاريخ الديني كانت السينما المصرية قد دخلت الحلبة، حيث شهد انتاج أول فيلم ديني عام 1951، وكان الأخير من بين ثلاثة عشر فيلماً هو الشيماء عام 1972، وفي السبعينيات قل عدد الأفلام الدينية بشكل ملحوظ وقدم مصطفى العقاد فيلمه الرسالة عن البعثة المحمدية عام 1976، وتنقسم إلى قسمين الأول هي الأفلام التي تتناول شخصيات دينية، وأفلام أخرى عن البعثة المحمدية سواء كان عنها كلها، وذكر أن ذلك غير موجود تقريبا، أو عن مرحلة من البعثة، مثل بيت الله الحرام، ظهور الإسلام، فجر الإسلام، هجرة الرسول، انتصار الإسلام.
وشارك في هذه الأفلام نجوم ذلك الزمن من الممثلين، والمؤلفين والمخرجين، وحاولوا جميعهم توظيف الإمكانيات المتاحة لديهم للخروج بعمل يوضح هذه الفترات الزمنية بصورة دقيقة، لأن الصورة التي تنقل العمل من أهم أجزاء الفيلم السينمائي ككل.
وتبدأ السينما عادة من الصورة، أو من التفكير فى الشكل البصري للفيلم بوجه عام، وأن تكون الفكرة قابلة لتوظيف الصورة والاعتماد عليها بشكل أساسي، وإذا كان الفيلم يخلو من رؤية بصرية أو ما يمكن تسميته التصور الكامل لشكل الصورة وأسلوبها التعبيري والتأثير فإن قيمته تتوقف في هذه الحالة عند كونه مجرد حكاية أو قصة، بحسب ما ورد في كتاب مارسيل مارتن "اللغة السينمائية"، والفيلم الديني هو جزء من العمل الفني التاريخي الذي يحكي قصة معينة كانت في الماضي، ويطرحها برؤية فنية، ومن خلال الصورة يعبر عن ما يريد أن ينقله المؤلف.
وبالعودة لاهتمام الفنانين بالمشاركة في هذه الأعمال، نجد أن ماجدة وإيهاب نافع اشتركا في تقديم فيلم "هجرة الرسول"، من تأليف حسين حلمي المهندس وإخراج إبراهيم عمارة، وشاركت ماجدة في إنتاج الفيلم مع شركة أفلام الشرق الجديد مع سعد عرفة ومهندس المناظر –الديكور- عبدالفتاح البيلي، بينما فيلم فجر الإسلام، شارك فيه محمود مرسي، يحيى شاهين، نجوى إبراهيم، سميحة أيوب، وأخرجه صلاح أبوسيف، وسيناريو عبدالحميد جودة السحار، وتصميم الملابس للفنان أنسي أبوسيف، وشارك شادي عبدالسلام ومدير التصوير عبدالعزيز فهمي.
ولكن هذه الأعمال ذات تكلفة إنتاجية مرتفعة؛ لأنها تحتاج إلى بناء ديكورات كاملة وتصميم أزياء لكل فريق العمل، وغيرها من الأمور مما يجعلها تصبح أحياناً غير مغرية للمنتجين، وذلك ما ذكره صلاح أبوسيف في حوار له –كتاب حوارات حسين قدري- وقال: "يا جرية اطبخي كلف يا سيدي الفيلم الإسلامي يحتاج إلى ميزانية ضخمة وإنفاق كبير إعطني هذه الميزانية وأتاح لي إمكانية الإنفاق وأعطيك فيلما إسلاميا كبيرا كل سنة".
والمشاهد للأفلام التي تناولت أجزاء من هجرة الرسول، نلاحظ أنها كانت على مستوى الديكور والأزياء كانت دقيقة وتعبر عن الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، وهذه التفاصيل لا تقل أهمية عن باقي عناصر الفيلم السينمائي، ويقول علي أبوشادي في كتابه "سحر السينما" إن تقع على المناظر –الديكور- مسؤولية خاصة أمام المخرج ذلك أنه يتحمل مسئولية نقل أحداث موضوع الفيلم بصورة مقنعة والعمل على أن تكون الخلفية التي تدور أمامها الأحداث قادرة على أن تضيف إلى الإيهام السينمائي وأقرب ما تكون إلى التصديق.
وعلى الرغم من أن هذه الأفلام كانت في فترة لم تكن المعدات السينمائية كالمونتاج والخدع البصرية في قمة تطورها مثل العصر الحالي إلا أنها حاولت خلق حالة التصديق من خلال الدقة كما ذكرنا من قبل، ولكن تقع مشكلة ما في الفيلم التاريخي عامة والديني كجزء منه، أنه يميل إلى التأريخ أكثر من المعالجة، وهذه المشكلة أشارت لها المخرجة التونسية ميرفت مديري كمون وقالت:"يمكننا تعريف الفيلم التاريخي بأنه جنس سينمائي يعتمد على مبدأ التخييل التاريخي من خلال أحداث وقعت في الماضي كما أنه جنس فيلمي يستوجب قطيعة بين الماضي والحاضر معتمداً في ذلك على اتخاذ مسافة كافية بين الحدث الواقعي والحدث المتخيل الذي يتجاوز الذاكرة الفردية لكن مفهوم التاريخ لدى جيل السينمائيين الذين أخرجوا أفلاما تاريخية يتمثل في إعادة جملة من الأحداث المؤرخة وهذا التصور لمفهوم التاريخ يقلص من أهميته ويجعله مجرد ديكور وأحداث خلفية"، في كتابها "التاريخ والشعر في أفلام شادي عبدالسلام، وأشادت في هذا السياق بابتعاد عبدالسلام عن نقل التاريخ بل توظيف للحدث التاريخي في أفلامه المومياء والفلاح الفصيح، وبإسقاط ذلك على الأفلام الدينية المقدمة، نجدها ركزت أكثر على نقل الحدث التاريخي ذاته.
إلى جوار هذه النقطة فإن خلق المعارك في هذه الأفلام لم يكن بالتصديق الكافي ولكن البعض نجح أحيانا في صناعتها بشكل جيد، وذلك ما أشار له محمود قاسم: "مزجت هذه الأفلام بعنصر الحركة باعتبار هناك معارك بين المسلمين والمشركين ولكن أغلب هذه المعارك جاءت شكلية كأن نرى مجموعة من المتحاربين يتبارزون فوق الجياد وقد نجح حسام الدين مصطفى وصلاح أبو سيف في تصوير أجواء المواقع الإسلامية مما أعطى لفيلمهما الحيوية وفي الكثير من الأفلام تم تجاهل المعارك الحربية باعتبار أنها مكلفة في إنتاجها".
وأما عن تأثير السنيما الأمريكية على الأفلام الدينية المصرية، فقد كان واضحا في جوانب كثيرة، رغم أن الأفلام الأمريكية من المفترض أنها تعبر أكثر عن التاريخ المسيحي، وذكر قاسم ذلك: "الغريب أنه يتم تعذيب المسلمين في الكثير من الأفلام على طريقة تعذيب المسيحيين الأوائل في الأفلام الأمريكية والإيطالية عن طريق الصلب، مثل فيلم انتصار الإسلام، وهناك مشاهد تعذيب كاملة في فيلم الله أكبر مأخوذة عن فيلم ملك الملوك الأمريكي".
يذكر أن فيلم ملك الملوك هو عمل صامت من إنتاج عام 1927 ويصور الأسابيع الأخيرة من حياة سيدنا عيسى –عليه السلام- قبل صلبه وفق العقيدة المسيحية.