من مواطن مصرى إلى الإخوان المسلمين - أحمد حاتم المصرى - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 6:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من مواطن مصرى إلى الإخوان المسلمين

نشر فى : الأحد 1 يناير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 1 يناير 2012 - 9:10 ص

الآن وقد أوشكت المعركة الانتخابية أن تضع أوزارها، واقترب لكم التمكين الانتخابى الذى كنتم تتطلعون إليه عبر عقود طويلة من النضال، والذى كانت آخر حلقاته انضمامكم لركب الثورة والإسهام معها فى إزاحة الرئيس السابق، يجدر بكم أن تستحضروا فى كل ممارساتكم يد القدرة الإلهية التى أخرجتكم من بئر العمل السرى، وألا تنسوا فضل ثورة الشعب العظيمة التى سلّطت عليكم الأضواء، والإرادة الشعبية التى جاءت بكم إلى مقاعد البرلمان، وأن تتذكروا أنه بقدر أهمية الانتصار وضخامته، تكون خطورة التحدى وجسامته.

 

أمامكم أيها السادة جبل هائل من التحديات، ونجاحكم فى مواجهتها سيعد انتصارا لمصر ولكل مواطنيها، كما سيمثل انتصارا للفكرة الإسلامية الوسطية التى ترفعون لواءها، تلك التى تركز على تنمية الإنسان وتزكيته، ولا تُضيّق عليه حياته، ولا تتبنى عُبوس الوجه ورفع الصوت نهجا، ولا تتخذ من احتقار المرأة والاستهانة بالمواطنة والاستعلاء على الآخر ديدنا وسبيلا. ليكن الإنجاز لصالح المواطن هدفكم لا مجرد تسجيل المواقف، ولتكن الأولوية لمصر قبل الجماعة، واعلموا أن الشعب المصرى متيقظ ويتابعكم، فكونوا متيقظين، فسيقيس المصريون بميزان الذهب الشعبى والمخزون الحضارى العريق مدى اتساق أفعالكم مع أقوالكم.

 

●●●

 

أنتم مدعوون كذلك إلى بعض الخطوات العاجلة فى المرحلة المقبلة. فمن الضرورى مبدئيا الآن أن تفصلوا بين الدعوى والسياسى، فرغم أن جماعة الإخوان المسلمين قد تحقق لها الاعتراف الواقعى خلال الثورة وبعدها، والشرعية البرلمانية عبر الصندوق الانتخابى، فإنها بمعنى من المعانى فقدت فى الوقت نفسه مبرر وجودها: فقد نقلها التصويت الشعبى من عالم النشاط الدعوى والعمل الاجتماعى والمعارضة السياسية المقهورة إلى عالم الفعل السياسى الخاضع للمراقبة الشعبية، وللحماية الشعبية كذلك. من الحكمة إذن أن تعيد الجماعة تعريف نفسها ودورها بحسبانها جماعة دعوية فقط وخيرية فحسب، مع التأكيد على ذلك فى ميثاق واضح ومعلن للكافة، وفتح حسابات تبرع للأعمال الدعوية والخيرية تتسم بالعلانية.

 

وعلى حزب الحرية والعدالة أن يقف ويتدبر جسامة اللحظة فيقطع صلاته التنظيمية مع الجماعة. طبعا من غير الممكن ولا المنتظر حدوث قطيعة مفاجئة بين الجماعة الأم والحزب الوليد، ولكن مقتضيات الحصافة تتطلب قيام الجماعة والحزب بالعمل على الاستقلال السريع للحزب، وأن يعلن عن فتح عضويته لجميع المصريين المؤمنين بمبادئه، على أن يكون لآليات الحراك الديمقراطى الداخلى فصل القول فى الترقى والتصعيد داخل الحزب. إن مقتضيات المرحلة تفرض على حزب الحرية والعدالة أكبر قدر ممكن من العلنية: فى الإستراتيجية والغايات، وفى الخطط والتكتيكات المرحلية والبرامج الفرعية. والأهم من ذلك هو الوضوح فى التوجهات، وأهم  الأولويات التأكيد على أن الدولة المصرية ستظل مدنية حتى ولو كانت إسلامية المرجعية والهوية، أى أن يكون النظام المنشود للجمهورية الثانية غير ثيوقراطى وغير عسكرى.

 

وكما تعلمون، تتطلب المرحلة الراهنة أيها السادة الكرام أكبر قدر ممكن من التوافق الوطنى. فالوضع الدقيق الذى يمر به الوطن اليوم لا يسمح بهذا الاستقطاب القاسى على الهوية والحرب المفاهيمية الضارية بين أبناء الوطن الواحد. والآمال معقودة عليكم فى تقديم صالح الوطن وسلامة عملية التحول نحو الديمقراطية والحرية والعدالة. ولعل جزءا من عملية جمع الشمل الوطنى تلك تبدأ بتبنيكم الفعلى– فكرا وممارسة- لمسار التيار العام فى المجتمع المصرى.

 

●●●

 

أنتم كذلك مطالبون بتقديم عدد من رسائل التطمين، لقد قرأتم بحسكم السياسى الخبير أن الغالبية العظمى من الشعب تتطلع لعودة الجيش قرير العين مشكورا إلى ثكناته للقيام بمهمته الأصلية، وبالتالى بدأتم فى تقديم التطمينات منذ فترة للمجلس العسكرى. هذا أمر جيد يتسم بالحكمة ويمكن الاتفاق على شكله والالتزام به لاحقا بصورة من الصور، ولكنه ينبغى ألا يكون على حساب حقوق المواطن، وأن يظل فى الحدود التى لا تخصم من رصيدكم الثورى، ولا تنال من مسار الثورة أو تبدل مصيرها، ولا تؤثر سلبا على بناء دولة القانون والعدالة والحريات.

 

عليكم كذلك أن تطمئنوا المصريين الأقباط. ولعل قضية المواطنة وحقوقها هى أهم الملفات الفورية التى تواجهكم. تدركون أن قدرا لا يُنكر من التصويت لصالح التيار السياسى ذى المرجعية الإسلامية جاء طائفيا. ورغم أن جميع الأطراف على علم بالمواقف المتوازنة لمعظم القيادات الإخوانية التى تظهر فى وسائل الإعلام، إلا أن الأمر قد يتطلب أيضا التأكيد الرسمى المستمر ــ قولا وفعلا ــ من جانب القيادة الإخوانية على مواقف واضحة فى هذا الشأن، لا سيما مع الهواجس الناشئة عما يرددها البعض عن «تسلّف على النمط الخليجى» داخل الإخوان.

 

ولعلكم تودّون طمأنة الشعب على مصير حرياته العامة والشخصية. تعلمون أن الشعب المصرى الذى انتزع حريته بدمائه فى ثورة 25 يناير المجيدة هو شعب وسطى الطباع، تمارس الغالبية العظمى منه حرياتها دون إفراط، وتحيى شعائر دينها دون تفريط. يجب أن تكونوا قدوة أيها السادة فى تأكيد البعد الحضارى للشخصية المصرية، وانفتاح الإسلام وسماحته، وأن تتبنوا سياسات تحفظ للدولة دورها فى الدعوة والتنبيه للأخلاق العامة، مع كفالتها للمجال العام أمام حرية الأفراد دون فرض أو قسر أو تجاوز.

 

●●●

 

ثم إنكم مدعوون لتطوير مشروع للنهضة الوطنية يتسم بالعملية بعيدا عن الجدل الفقهى العقيم المضّيع للفرص. ومن المتصور أنكم قادرون ــ مع الخبرات المصرية من الأطياف كافة ــ على تطوير تجربة مصرية تناسب عمقنا الحضارى بتركيبته المتفردة، ويمكنكم الاستفادة من التجارب التنموية الناجحة للدول التى ــ كانت ــ تشابهنا، كالبرازيل والهند، وتركيا وماليزيا وإندونيسيا، بل وحتى إيران. وفى إطار هذا المشروع النهضوى المنشود، لابد من تحديد الموقف بوضوح ومنذ البداية إزاء بعض القطاعات التى تثير قضاياها القلق وينبغى الاشتباك السريع معها، وأهمها قطاعات السياحة و«حواشيها»، والبنوك وفوائدها، والفن بأبعاده المختلفة. تريد جماهير الشعب التى انتخبتكم، وتلك التى لم يقع اختيارها عليكم،أن يطمئن قلبها. فطمئنوها، واتقوا الله فى شعب مصر.

التعليقات