هوامش على انضمام فلسطين لليونسكو.. حسابات المكاسب والخسائر - أحمد حاتم المصرى - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 6:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هوامش على انضمام فلسطين لليونسكو.. حسابات المكاسب والخسائر

نشر فى : الأربعاء 2 نوفمبر 2011 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 2 نوفمبر 2011 - 9:15 ص

ما من شك فى أن نتيجة التصويت على عضوية فلسطين فى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ــ107 موافقات و52 امتناعا و14 معارضة ــ تمثل انتصارا دبلوماسيا لا يمكن الاستهانة به أو التقليل من أهميته التاريخية وتبعاته الواسعة، ليس فقط للقضية الفلسطينية وإنما أيضا لدول الجنوب الصاعدة بأسرها، من خلال قوته الرمزية وتداعياته الأكيدة عبر أثر الدومينو ــ فى القريب أو فى فترة لاحقة ــ على مستقبل العمل الدبلوماسى المتعدد الأطراف، بل وربما كان بالإمكان اعتباره تدشينا لمرحلة جديدة فى تفكيك وإعادة تركيب أسس توازن القوى الدبلوماسى الدولى، حيث تمكنت دولة وليدة تحت الاحتلال من إنفاذ إرادتها ــ بالأساس لمتانة قضيتها الأخلاقية، وحتى لو بشكل رمزى فى محفل دولى لا يُعنى إلا بالقوة الناعمة ــ فى مواجهة أعتى قوى العالم، وذلك بدعم وتأييد العدد الأكبر من دول العالم بمختلف مناطقه وعلى اختلاف حساسياته الإقليمية وارتباطاته الدولية.

 

لقد مثّلت خريطة التصويت دليلا أكيدا على الحد الأقصى ــ المحدود بشكل متزايد وربما غير متوقع ــ الذى يمكن أن تبلغه قدرات الضغط الدبلوماسى للدولة الأقوى فى العالم، سواء من زاوية الردع والتخويف أو على صعيد الإقناع والاستقطاب. وبما يترك انطباعا بأن «الظهر الأمريكى أصبح مكشوفا والهيبة الأمريكية فى مزيد من التراجع» فى غياب قوة حق النقض أو حالات عدم ملاءمة استخدام القدرة العسكرية. ولعل سوء التصرف والتقدير من جانب السفير الأمريكى فى اليونسكو «ديفيد كيليون» (كبير موظفين سابق بلجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكى وعمل مع «هاورد بيرمان» و«توم لانتوس») وسوء إدارته الملف قد فاقم من آثار الصفعة الدبلوماسية غير المسبوقة التى تلقتها الولايات المتحدة فى المنظمة ومن خلالها على الصعيد الدولى.

 

وبدا الانقسام التصويتى الحاد بين دول الاتحاد الاوروبى إزاء مسألة العضوية الفلسطينية ــ11 دولة داعمة، و5 معارضة، و11 ممتنعة ــ اختبارا قاسيا كشف أسطورة الموقف الأوروبى الموحد، إذ أثبت التصويت فى اليونسكو تراجع أسلوب اتخاذ قرار الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى إلى مرحلة ما قبل الجماعة الأوروبية ووفقا لاختيارات كل دولة دون النظر لوجود مؤسسة مسئولة عن السياسة الخارجية المشتركة لهذه الدول. وصحيح أن مسألة عضوية فلسطين تحمل فى نهاية الأمر طابعا رمزيا فى هذه المرحلة، إلا أنها تظل مؤشرا جليا على الاحتمالات غير الضئيلة للتفتت الأوروبى فى مواجهة المسائل الدولية «الصلبة» لاسيما فى ظل أوضاع الأزمة الاقتصادية الشديدة التى تعانيها عدة دول فى الاتحاد الأوروبى كاليونان وإسبانيا وأيرلندا والبرتغال وإيطاليا، وربما فرنسا وغيرها فى مرحلة لاحقة.

 

من الملائم هنا التنويه إلى أن إدارة الجانب الفلسطينى لمسألة طلب العضوية اتسمت بالكفاءة وبقدر كبير من الإقدام التى يستحق عليها الاحترام والتشجيع، حتى وإن بدأت ــ أغلب الظن ــ كمجرد مغامرة غير واضحة المعالم والنهايات للحصول على ورقة تفاوضية إضافية فى عملية تفاوض قاسية ذات أبعاد أكثر اتساعا واستحقاقات أبعد أثرا. وبالتأكيد، فقد كان للدعم الكبير والدرجة العالية من التماسك من جانب مصر والمجموعة العربية باليونسكو والدول الناهضة المفصلية ــ روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ــ أهمية محورية فى التوصل لهذه النتيجة التاريخية بحق، فضلا عن التأييد الواسع من دول الـ77 والصين وعدم الانحياز ومجموعتى أمريكا الوسطى واللاتينية وآسيا باليونسكو.

 

فى الوقت نفسه، لا يجب إغفال الدور التحفيزى الأكيد للظرف الداخلى الفلسطينى على تحرك السلطة الفلسطينية فى هذا الاتجاه الذى بدا فى أوله مبالغا فيه، وأيضا على تشجيع العديد من الدول على تأييد طلب العضوية الفلسطينى فى اليونسكو كورقة داعمة للسلطة الفلسطينية فى مواجهة تقدير بعض هذه الدول أن النجاحات الأخيرة لحركة حماس قد عاودت رفع شعبيتها مقابل السلطة، وذلك جراء استغلال حماس الأمثل للجندى الإسرائيلى المحتجز «شاليط» فى مبادلته بعدد ضخم من الأسرى الفلسطينيين التاريخيين فى الصفقة المحورية التى رعتها مصر مؤخرا باقتدار.

 

بالمقابل، ورغم تصدّر الولايات المتحدة لمشهد خسارة المواجهة بشأن عضوية فلسطين فى اليونسكو، إلا أن أكبر الخاسرين فى الواقع تظل إسرائيل، التى كان التصويت لصالح فلسطين موجها لها بالأساس، حيث بدت فى حالة من العزلة الدولية الواسعة والانكشاف الأخلاقى العميق أمام المجتمع الدولى وبما لم يسمح حتى لأقرب حلفائها أو أصدقائها الأوروبيين بمساندة موقفها، الذى ازداد تدهورا داخل اليونسكو قبل التصويت بعد البيانات العنيفة البعيدة عن اللياقة الدبلوماسية من سفيرهم فى اليونسكو ووزير التعليم الإسرائيلى.

 

أما مديرة المنظمة ــ البلغارية «إيرينا بوكوفا» ــ فرغم «ارتمائها فى أحضان الولايات المتحدة» صاحبة الفضل الأكبر فى وصولها إلى منصبها قبل عامين، ومحاولاتها الدءوبة لإثناء الجانب الفلسطينى عن مسعاه المغلفة بالخشية على مستقبل المنظمة، إلا أن سحب التمويل الأمريكى قد يكلفها منصبها عام 2013، فى ضوء أن تقليص ما يزيد على خمس الميزانية ــ المحدودة ــ سيلقى الضوء بقوة على محدودية الخيال لديها وغياب العمق الثقافى والكفاءة الإدارية والمالية فى إدارتها للمنظمة، فضلا عن اعتمادها على عدد كبير من كبار الموظفين الغربيين والروس المعينين سياسيا والذين طبعوا المنظمة بطابع بيروقراطى / مخابراتى لا يتفق مع طبيعة الأهداف التى أنشئت اليونسكو من أجلها.

 

وعلى الصعيد العملى، فمن المؤكد أن ميزانية اليونسكو وبرامجه ستتضرر بشدة لاسيما على المدى القريب جرّاء سحب التمويل الأمريكى، إلا أنه من المتصوَّر ألا تُقدِم واشنطن على تنفيذ تهديداتها بالانسحاب من المنظمة، وذلك فى ضوء تغير موازين القوى وما سيستتبع ذلك الانسحاب من تحرك دول أخرى بالضرورة لملء الفراغ الناجم عنه، كالصين والبرازيل وروسيا والهند. ومن غير المستبعد أيضا أن تعاود الولايات المتحدة تقديم التمويل ولكن تدريجيا وعبر الموارد خارج الميزانية حرصا على عدم إراقة ماء الوجه.

 

أما بالنسبة لعملية التصويت، فقد كان لتسريب التصويت الإيجابى لفرنسا ــ ومعها إسبانيا ــ قبل عملية التصويت أبلغ الأثر فى حسم موقف عدد كبير من الدول الأفريقية وغيرها من الدول الصغيرة المترددة فى اللحظات الأخيرة، تلك الدول التى تعرضت لضغوط عنيفة من قِبل السفير الأمريكى فى اليونسكو، التى وصلت إلى حد التهديد المباشر بتدخل واشنطن لدى العواصم لنقل السفراء أو لإيقاف المعونات الأمريكية الثنائية، فضلا عن محاولات الاستقطاب اللحوحة من جانب سفيرة ألمانيا. وكان التصفيق الحاد الذى أعقب تصويت فرنسا لصالح عضوية فلسطين مصداقا للدور المحورى للتصويت الفرنسى فى تحويل الدفة فى اللحظة الحاسمة نحو تحقيق هذا الانتصار الدبلوماسى التاريخى.

 

وأخيرا، فلعل من المفيد بالنسبة لصانع القرار المصرى الانتباه إلى تصويت دول حوض النيل: فبينما تغيّبت جنوب السودان المنضمة قبل أيام لليونسكو عن الجلسة، فقد امتنعت إثيوبيا وإريتريا ورواندا وبوروندى وأوغندا عن التصويت. وهو ما قد يثير علامات استفهام كبيرة حول موقف حكومات هذه الدول من طرفى الصراع العربى الإسرائيلى، ويستدعى التفاعل مع هذه الدول فى إطار تغلفه الصراحة الواجبة فى إطار «الأخوّة فى النيل».

التعليقات