عام بعد الثورة نحو سياسة خارجية مصرية جديدة - أحمد حاتم المصرى - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 4:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عام بعد الثورة نحو سياسة خارجية مصرية جديدة

نشر فى : الإثنين 30 يناير 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 30 يناير 2012 - 9:20 ص

لم تزد السياسة الخارجية لمصر فى عهد مبارك، لا سيما فى العقد الأخير من حكمه الذى أسقطته ثورة 25 يناير، عن كونها ضجيجا عبثيا بلا طحن، وحضورا مخجلا كرّس الغياب، وقوّض بشكل متسارع وعميق صورة مصر ومكانتها بين دول العالم.

 

لقد نجح الشعب المصرى بإسقاطه الرئيس السابق يوم 11 فبراير 2011 فى تحقيق نقلة فورية فائقة فى صورة مصر وقيمتها الرمزية والأخلاقية. وكان من المأمول أن يستثمر القائمون على إدارة المرحلة الانتقالية لحظة الزخم الثورية تلك باعتبارها فرصة تاريخية نادرة لعودة متوهجة لمصر إلى ساحة الفعل الدولى المؤثر، واستغلال همم الثورة العالية وهاماتها المرفوعة للإسراع بإعادة بناء ما تهدم من سمعة مصر وجبر الكسور التى أحدثها مبارك ونظامه فى قوتها الناعمة: أداة مصرالخارجية الأساسية والأشد تأثيرا. وطال الانتظار على مدار عام الثورة، ولم يحدث أى شىء. بل ازدادت الأمور سوءا، إذ انتقل الوضع من سياسة خارجية مهلهلة ومثيرة للأسى تسيطر عليها الأجهزة الأمنية، إلى «لا سياسة خارجية على الإطلاق».

 

انعكس تخبط المرحلة الانتقالية بوضوح على السياسة الخارجية لمصر، حيث أدت ضبابية نوايا الحكم الانتقالى، واستمرار التقاليد المباركية فى السيطرة الأمنية على ملفات العمل الخارجى، والتغيير المتوالى لوزراء الخارجية ــ أربعة متنوعى التوجهات فى أقل من عام ــ إلى اكتمال غياب الرؤية الاستراتيجية، والإرباك التام لدولاب العمل الخارجى، وهو ما انتهى إلى حالة موت سريرى للسياسة الخارجية المصرية. وباستثناء البيان التاريخى غير المسبوق الذى أصدره ثلث دبلوماسيى وزارة الخارجية اتصالا بتطورات الوضع الثورى، لم يشعر أحد خلال عام 2011 بانعكاس قيم الثورة على وزارة الخارجية والسياسة الخارجية المصرية، لا فى المنطلقات والغايات، وبكل تأكيد ليس فى نوعية الأدوات أو جودة الأداء.

 

●●●

 

خبرة المرحلة الانتقالية لا تشجع على توقع حدوث تحوّل فى السياسة الخارجية المصرية خلال ما تبقى من هذه المرحلة، طالت مدتها أو قصرت. ولكن مع بدء المرحلة الجديدة، سيجد مجلس الشعب والرئيس الجديد وحكومته أنفسهم أمام تحدى صياغة سياسة خارجية مصرية، من المأمول أن ترقى إلى مستوى الحدث الثورى، وأن تليق بمكانة مصر ودورها المنشود.

 

وهنا، من الممكن أن يسترشد صانع السياسة الخارجية المصرية ومتخذ قرارها فى المرحلة الجديدة بمجموعة من الثوابت والخطوط العريضة، لعل منها:

 

1- القيم والمبادئ: يجب أن تكون السياسة الخارجية لمصر معبرة عن مبادئ ثورة 25 يناير، كالحرية والعدالة والمساواة، والتفانى، والنموذج الرفيع للأخوة فى الوطن، وأن تعكس أيضا قيم التيار العام المصرى: الكرامة الإنسانية، وقيم الاعتزاز بالعمق التاريخى المتفرد الذى تختلط فيه الحضارة العربية ــ الإسلامية بالحضارتين الفرعونية والقبطية، والقيم المرتبطة بتميز الموقع الجغرافى المصرى، كالوسطية فى المواقف والقدرة على التواصل والرغبة فى الحوار.

 

2- الهدف هو المواطن المصرى: يجب أن يكون الفرد المصرى فى الداخل والخارج هو أهم أولويات السياسة الخارجية الجديدة، وأن تتشرب بالتالى قيم حقوق الإنسان تشربا كاملا، وأن تسعى للحفاظ على حقوق العمال، والأطفال، والمرأة، والأقليات، والفئات الفقيرة والمهمشة، وأن تحرص الدولة حرصا تاما على تطوير أوضاع هذه الفئات من خلال اتصالاتها الخارجية. كما ينبغى أن تكفل كرامة وحقوق المواطن المصرى المقيم بالخارج ــ أيا كانت طبيعة وسائل الضغط او التهديد التى بحوزة الدولة المستضيفة ــ وذلك فى إطار المبادئ الدولية المستقرة للاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل.

 

3- الاستقلالية: ينبغى على من سيؤول إليهم الأمر إمعان النظر فى منطلقات وأهداف برنامج العمل الخارجى لمصر، بحيث تتم صياغة الأفعال وردود الأفعال فى إطار من استقلالية القرار المصرى إلى أبعد مدى ممكن. نعم هناك قيود عسيرة موروثة تضع حدودا وسقفا على هذه الاستقلالية لن يكون من اليسير التغلب عليها بشكل فجائى أو سريع، ولكن يجب أن تكون نقطة الانطلاق هى السعى للاستقلالية ولو بشكل نسبى وتدريجى، بحيث لا تستمر القوى الدولية فى التعامل مع مصر وهى تعلم أنها لن ترفض لها مطالب. وأولى خطوات هذه الاستقلالية هو الإسهام مع أجهزة الدولة الأخرى فى تحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتى.

 

4- الاستقواء بالديمقراطية والرأى العام: واتصالا بالنقطة السابقة، يجب إثارة نقاشات وطنية كافية بشأن التحركات المصيرية فى القضايا الكبرى للسياسة الخارجية والاستنارة بتوجه الرأى العام فى هذه القضايا، كما يجب أن يكون للمؤسسة البرلمانية دور فى تحديد توجه السياسة الخارجية والرقابة على أداء أجهزتها.

 

5- تعظيم القوة الناعمة المصرية: إعادة إحياء التأثير الثقافى والدينى والفنى المصرى يجب أن يكون على رأس قائمة الأولويات، من خلال خطة واضحة وطموحة تبدأ بالأزهر، وتمر بالكنيسة، بالتوازى مع السينما والتليفزيون والأعمال الأدبية والتشكيلية، والرياضة. القوة الناعمة هى قوة طبيعية ينبغى استغلالها على الوجه الأكمل، بحيث تصب عائداتها المعنوية والمادية فى مصلحة المواطن المصرى، وفى سمعة مصر وقيمتها الرمزية، وأيضا فى مكانتها ودورها على الصعيدين الإقليمى والدولى.

 

6- مأسسة السياسة الخارجية: من خلال كفالة الدور القيادى لوزارة الخارجية وتحرير السياسة الخارجية من سطوة الأجهزة الأمنية، مع الاستعانة بهذه الأجهزة فى المسائل ذات الحساسية الأمنية الخاصة ــ بالتعريف الضيق ــ وبالوزارات الأخرى المعنية فى مجالات اختصاص كل منها ولكن تحت المظلة العامة لوزارة الخارجية.

 

7- التخطيط الموضوعى على المدى البعيد: قد يكون من الخطوات الضرورية الملحة تكليف جهاز مؤقت بإعداد رؤية شاملة للسياسة الخارجية المصرية للأعوام الخمسين القادمة، بعيدا عن المصالح أو الأهواء الشخصية للنخبة الحاكمة. ومن المهم كذلك إعداد «كتاب أبيض» دورى للسياسة الخارجية المصرية، وإنشاء غرفة مركزية دائمة لإدارة الأزمات الخارجية، و«مصنع أفكار» تابع لوزارة الخارجية لتقديم النصح الدورى حول التعديلات المرحلية للسياسة الخارجية وفقا للتطورات الدولية.

 

8- سياسة خارجية شابة ومسايرة للعصر: ليس معنى ذلك التضحية بعنصر الخبرة الذى لا يمكن الاستغناء عنه فى إدارة العلاقات بين الدول، ولكن من الضرورى أن يكون للجيل الشاب ــ الأكثر اطلاعا على العالم والأكثر إدراكا لواقع التحولات الدولية على الأصعدة الفكرية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية ــ النصيب الأكبر فى وضع التصور العام للسياسة الخارجية والسهر على تنفيذها.

 

9- تطوير وزارة الخارجية من الداخل: بحيث يتم إعادة النظر فى معايير القبول والتقويم والترقى والتنقلات بالسلك الدبلوماسى، وإعداد برامج دورية للتطوير المهنى، ووضع قيود كافية على «ثقافة الواسطة» التى ترزح تحتها الوزارة، والتخلص من القيود الأمنية، التى ما زالت تحول دون الاستفادة من الكفاءات طليقة اللحى أو ذوى القرابة مع نشطاء التيارات الإسلامية أو اليسارية، وكذلك من القيود الاجتماعية،التى لا يتسنى بموجبها انضمام بعض محدودى الدخل لوزارة الخارجية. وينبغى العمل كذلك على وضع ضوابط صارمة للقضاء على ثقافة الاستعلاء بالمهنة على المواطن، وضرورة تقريب الثقافة السائدة لدى البعض فى وزارة الخارجية من ثقافة المجتمع المصرى وأوضاعه التى كشفت عنها الثورة وتفاعلاتها، وأيضا مساواة العاملين بالخارجية بسلك القضاء والأجهزة الأمنية فى العقوبات الصارمة لموظفيها، ولكن أيضا فى الامتيازات والحصانات المرتبطة بالطبيعة الحساسة لهذه الوظائف، على أن يكون ذلك تحت أعين الرقابة البرلمانية.

 

وربما بدا هذا التصور طموحا بأكثر مما يحتمله واقع المرحلة، لكن مصر الثورة تستحق منا أكثر الأحلام جسارة وجموحا.

التعليقات