مكان فى الصورة
الإثنين 11 نوفمبر 2013 - 7:11 ص
اقتحم على مكتبى قبل أيام شاب أسمر طويل القامة على أعتاب الثلاثينيات أو تجاوزها بقليل، عرفت لاحقا أن اسمه حسن وأنه جاء من الصومال ليدرس فى المعهد الذى أعمل به، وأتم بالفعل دراسته. اقتحم، هو الفعل المناسب لوصف الطريقة التى دخل بها إلى مكتبى دون استئذان لكأنما انشقت عنه الأرض فجأة فإذا هو يقف أمامى ثائرا. طلبت منه أن يجلس لأستمع إليه فرفض، لم أجادله فأنا أقدر تماما أنه حين يفيض منسوب الغضب تتحول الأعصاب إلى حراب مسنونة، لا تُلوى ولا تُثنى. شكا إلى حسن من التأخر فى استخراج شهادته، وتحدث عن انتهاء مدة إقامته فيما أن الوافدين غير مرحب بهم فى تلك الظروف الصعبة التى تمر بها مصر، وحكى عن الغرامة التى سيضطر إلى دفعها لتغيير تاريخ السفر وهو الذى دبر نفقات السفر بالكاد واقتطع من دخل أسرته التى لا تكاد تجد قوتها ما يشق به طريقه إلى الدراسة فى أرض الكنانة. تهدج صوته وهو يذكر أن فرصة نادرة للعمل يوشك أن يفقدها ما لم يعد فى التوقيت المناسب. كان حسن ينطلق فى حديثه كمدفع سريع الطلقات، لم يفسح مجالا لتهدئة خاطره، ولا سمح باستدراك لتصحيح صورته عن معاملة الوافدين وتنبيهه إلى خطأ التعميم، لم يفسح ولم يسمح بل خلع حقيبته باهتة اللون التى تتدلى من ذراعه، وأزاح أكوام الورق المتراصة على مكتبى ليجد لها مكانا، وطفق يخرج منها المستند تلو الآخر من أول تذكرة السفر حتى إعلان الوظيفة.