جوائز الأوسكار خاصتى - تمارا الرفاعي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:05 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جوائز الأوسكار خاصتى

نشر فى : الأربعاء 1 مارس 2017 - 11:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 1 مارس 2017 - 11:30 م
يصادف هذا الأسبوع ليلة ينتظرها الملايين فى أمريكا وفى بعض بلدان العالم، فيمضون جزءا من السهرة أو كلها أمام شاشات التلفزيون، يشاهدون فيها الحفل السنوى لتوزيع جوائز الأوسكار على ممثلين وممثلات وصناع أفلام، سواء أكان ذلك بسبب ولعهم بالسينما، أو لمشاهدة النجوم وما يلبسون، أو لأنه لا شىء أهم يُعرض على الشاشات فى الوقت ذاته. هكذا يراهن الناس على تصنيف أفضل ممثل وأفضل ممثلة وأفضل فيلم وأحسن موسيقى وأنجح إخراج مثلا.
***
أعترف أننى من هواة التصنيفات عموما حتى ولو أننى لا أشارك أحدا تصنيفاتى، ففى عملية التصنيف شىء شخصى وغالبا ما يكون غير موضوعى، أعتمد فيه كثيرا على تقييمى الآنى وعلى مزاجى لحظة التصنيف. لكنها لعبة ألعبها فى عقلى فأحاول أن أعدد شخصياتى الروائية الخمس المفضلين، أو أطباقى السورية الأقرب إلى قلبى ومعدتى، كما وأحصى أحيانا أخف الناس على القلب وأحيانا أثقلهم، حسب المزاج.
***
هذه السنة، انشغلت فى الأوقات التى كان يشرد فيها ذهنى بتصنيفات غير تقليدية. فجائزة أحسن دور تذهب إلى تلك السيدة التى فقدت بيتها ووجدت نفسها فى أرض ليست أرضها، فقررت أن تسير عكس الطبيعة وتنبت لنفسها جذورا تثبتها فى أرضها الجديدة. فهى تعلم أن بثباتها سوف تثبت الأسرة، وإنها إن ادعت أنها فى أرضها فسوف يشعر أطفالها أنهم فى أمان. هى لا تعلم شيئا عن زوجها، والتراب الذى دفنت فيه أخاها يكاد يكون ما يزال رطبا، إلا أنها تخبز رغيفين لا قدرة لديها أن تخبز ثالثهما وتقسمهما بين أطفالها الأربعة بالتساوى، بينما ستكتفى هى بكوب من الشاى تحرك فيه ملعقة من السكر، فأولويتها هى إشباع الصغار وتقوية عودهم. سوف تخرج بعد دقائق إلى الحقل لتعمل مقابل أجرها اليومى، فلا وقت لديها كى تضيعه فى القلق. هى تتصرف وكأن الغرفة الصغيرة هى بيتها منذ تزوجت، وقد زرعت النعناع فى علبة معدنية ووضعتها على طرف الحوض، تشم رائحته فتسمع صوت جارتها التى لم تعد أصلا تعلم عنها شيئا: «حطى عودين نعنع بالشاى والله أطيب».
***
جائزة أقوى قصة تذهب إلى قصة ما قبل النوم الذى يحكيها أب مقهور لطفله فى ليلة شديدة الظلمة وشديدة القصف: كلا يا حبيبى لن يقتلونا، نحن هنا فى بيتنا وأنا معك وسأحميك. هذا ليس دوى انفجار وهذا ليس صوت بكاء أطفال الحى، هذه طبول تقرعها آلهة لا نراها فى الليل، يحتفلون فيما بينهم، أما هنا فنحن فى أمان. كلا هذا ليس ملجأ، هذه غرفة نجلس فيها لنستمع فيها إلى الموسيقى معا ثم نعود إلى السرير بعد أن ينتهى العرض. نم يا صغيرى وسوف أكمل لك القصة غدا، يقول وهو لا يعلم إن كانت الليلة سوف تدعهم وشأنهم أو إن كانوا سوف يستيقظون بعدها أصلا.
جائزة أحسن دور مساعد تأخذها الصديقة الحاضرة بيننا دوما دون أن تشعرنا بوجودها كل الوقت، هى تظهر عند الضيق مع حل سريع لشعورك بالبعد والشوق. تخرج مربى النارنج من حقيبتها وكأننا جميعا نمشى وفى جعبتنا مرطبان من مربى البرتقال. تهديك صورة كانت قد التقطتها بنفسها فى جبل سمعان شمال حلب، فتشعرك أن من لم يزر جبل سمعان فقد فاته نصف عمره. دون سابق إنذار، تضع أمامك فناجين صغيرة على صينية فضية، وتقول لك إنها تذكرتك بسبب حبك للفناجين حين كانت فى محل يبيع حرفيات فى بيروت. تأتى لزيارتك، فتلف حولك شالا من الحرير الهندى تقول إنها تمثلتك به حين رأته فى السوق. والأهم من ذلك كله هى الصديقة التى لا تمل من الصداقة بتضاريسها وتقلباتها، ترافقك فى التعرجات، فيكون حضورها كجدول الماء ينساب بسهولة فى أماكن ويبطئ من جريانه أحيانا بسبب تفريعات غير متوقعة. هى صديقة تبوح لك عما فى داخلها فى يوم تعتقد أنت فيه أن لا أحد أكثر بؤسا منك، تستمع إليها وتشعر بقربها الذى سمح لها أن تنكشف بضعفها أمامك رغم أنك تعرف أنها قوية.
***
أما جائزة الجوائز وأوسكار كل الأوسكارات فهى لمن ما زال يؤمن أن هناك غدا أفضل قادما رغم الكابوس، وأن الليل مهما طال فستخترق سواده خيوط النور. هذا الشخص يرسل لك إشارة على هيئة كلمتين «هذى دمشق»، فتصرخ دون تردد «وهذا الكاس والراح، أحبك فبعض الحب ذباح»، يشدك من على حافة الهاوية لأنه ينظر إلى الأفق فيرى حقولا لا تراها لأنك تنظر إلى الأسفل، يدندن «راجعين يا هوى راجعين» دون أن يحدد إلى أين، لكن كلمات فيروز تخدرك فتنسى ولو لدقائق أين أنت. هو ليس أوسكار للسذاجة إنما هو أوسكار للحلم. الحلم بأيام سوف تجعلنا نتذكر دوما آلام المخاض، لكننا نتعلم كيف نتناساها حين نحمل الطفل بين أيدينا، فتبهرنا معجزة الحياة بأن كائنا بهذا الجمال قد خرج من الدم والألم. جائزة الجوائز تذهب إلى حامل الحلم وحاميه، تذهب إلى من يعرف أن دوام الحال من المحال، فيعمل على أن يؤثر على الأقل فى من وما حوله، يمدنا بالدفء وقت الجفاء ويحثنا على المثابرة وقت اليأس. جائزة الجوائز تذهب إلى كل شخص يؤمن بما قاله محمود درويش، صاحب أوسكار الشعر فى نظرى: «نحن أحياء وباقون...للحلم بقية».

 

تمارا الرفاعي كاتبة سورية
التعليقات